ترسيم الحدود، احتمالات مفتوحة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

بتول قصير – خاص الناشر |

استعرت حدة الأزمة بين لبنان و”إسرائيل” مؤخرًا على خلفية استقدام الأخيرة للسفينة اليونانية “إينرجين باور” للتنقيب عن النفط والغاز لصالح “إسرائيل”، في منطقة حقل كاريش في الخط 29 وهي المنطقة المتنازع عليها بين لبنان و”إسرائيل”.

تعود أزمة الحدود البحرية بين الجانبين إلى الفترة التي أعقبت اكتشاف مخزونات ضخمة من احتياطي النفط والغاز الطبيعي في المنطقة القريبة من حدودهما عام 2007، وهو ما أدى إلى تفجُّر أزمة ترسيم الحدود في المياه الاقتصادية بينهما. وتبلغ نسبة المساحة المتنازع عليها نحو 850 كيلو مترًا مربعًا. وكان الدبلوماسي الأمريكي، فريديريك هوف، قد اقترح في عام 2012 حلًّا، جرت تسميته بـ “خط هوف”، يقوم على منح 58 بالمئة للبنان، مقابل 42 بالمئة لـ”إسرائيل”. كما بدأ الطرفان بناء على طلب الأمم المتحدة منذ عام 2010 مفاوضات غير مباشرة بوساطة الولايات المتحدة الامريكية وتحت مظلة الامم المتحدة لترسيم الحدود دون التوصل لنتيجة نهائية.

ويكمن طموح لبنان في نجاح عملية التفاوض المتعثرة في الآونة الاخيرة، للبدء في الاستثمار في البلوكين 8 و9، حيث ترجح التقديرات أن الغاز المستخرج من حقل المنطقة المتنازع عليها سيسهم في تسديد ديون لبنان المتراكمة، وتحريره من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف به ما يبشر بانفراجة وازدهار على المستوى الاقتصادي والمالي. أما عن هدف الكيان الصهيوني فهو وبالإضافة إلى الإمعان في استغلال الثروات التي دأب على العمل عليها، هناك هدف استراتيجي يتمثل في الحد من مخاطر النشاطات العسكرية من قبل حزب الله ضد منصات الغاز الإسرائيلية المتاخمة للحدود اللبنانية.

أما عن الخطوة الإسرائيلية الاخيرة والتي أثارت ردود فعل واسعة داخل الشارع اللبناني المتعثر بأزماته الاقتصادية، خصوصا وأن هذه الخطوة الاستفزازية أتت في وقت لم تنته فيه المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة والوسيط الأمريكي آموس هوكشتين بشأن ترسيم الحدود البحرية منذ العام 2020، فقد أثارت ردود فعل لبنانية غاضبة على المستويات الرسمية والأهلية حيال ما اعتبر بالنسبة للبنان “عملًا عدائيًا” يستوجب إيجاد حل سريع، خصوصًا أنها جاءت بعد أيام على انتهاء تل أبيب من مناورات عسكرية جوية وبحرية وبرية في قبرص تحاكي الحرب مع لبنان بالتزامن مع أخرى أجرتها في البحر الأحمر.

أضف إلى ذلك فإن الخطوة الاستفزازية تلك جاءت بالتزامن مع أزمة طاقة يشهدها العالم على خلفية حرب روسيا على أوكرانيا، يرافقها عقوبات تحاصر روسيا، وسط مساع حثيثة من الجانب الأمريكي للبحث عن مصادر بديلة للطاقة الروسية. كلها عوامل عززت الريبة والمخاوف من تخطي “إسرائيل” للخطوط الحمراء في الناقورة جنوبًا، والتوجس الأكبر هو من ان تحظى هذه التحركات بدعم أمريكي كما جرت العادة، ما سيؤدي حتمًا إلى رد عسكري ومواجهات ستتصاعد وتيرتها في ظل الغليان الذي تشهده المنطقة على أكثر من جبهة.

وعطفًا على ما ذكر، فإن المراقب لعملية الترسيم منذ انطلاقتها، سيلاحظ كيفية مقاربة الدولة اللبنانية للأمر والتعاطي غير الجدي الذي انتهجته، خاصة مع الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان، وانشغال السلطة السياسية في التخبطات الداخلية المتتالية والنزاعات الجدلية العقيمة والمتشعبة، وتحديدًا في ما يتعلق بمسألة سلاح المقاومة وشرعيته، بيد أن هذا السلاح أثبت بالوجه المنطقي أنه الضمانة الوحيدة لصيانة الثروات الوطنية من أطماع كيان العدو ومن يدعي الدبلوماسية من خلفه.

فرضية التصعيد العسكري
يراهن البعض في الداخل على مسألة تفاقم الوضع على الحدود وفتح حرب مع لبنان ظنًا بأنها ستكون نهاية حزب الله هذه المرة، متناسين الوضع الاقتصادي الذي يمر فيه لبنان وأن بلدًا مثله مثقل بالأزمات، لا يقوى على تحمل تكلفة حرب واسعة المجال ضد “إسرائيل”. إلا أنه وعلى عكس توقعاتهم فـ”حزب الله” اذل الكيان اكثر من مرة، بل وقد تكون الأوضاع مؤهلة لموقف مثالي لإشعال تلك الحرب في هذه الظروف، وأكثر من ذلك فإن أي عمل عسكري مع الكيان الصهيوني سيصب في مصلحة الحزب نظرًا لأهمية قضية ترسيم الحدود للشعب اللبناني، فضلا عن الحجة القوية للتدخل عسكريًّا كونه الجبهة الأكثر استعدادا وجهوزية. بينما على المقلب الآخر إذا أمعنا النظر في ما تريده “إسرائيل” نجد انها تسعى للحصول على الغاز دون الحرب، وهي تدرك أن أي خطر من شأنه ابعاد الشركات الأجنبية التي تعمل في مجال التنقيب، خاصة بعد تهديدات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الأخيرة، ورغم اعلانه أن قضية الحدود البحرية شأن يخص الدولة اللبنانية، إلا أنه أكد أنه يراقب ما ستفعله وفي حال عدم اتخاذها أي موقف جدّي، فإنه قد يلجأ إلى ما يراه مناسبًا خصوصًا إذا ما تخطت باخرة الإنتاج المنطقة المتنازع عليها في تصعيد أضاف معطيات جديدة للأزمة خصوصا أن أي عملية عسكرية سينفذها حزب الله على المنشآت الغازية الإسرائيلية في حقل “كاريش” ستفهم على أنها تدخل إيراني بالنظر إلى العلاقة الوطيدة بين حزب الله وطهران ما سيفتح الباب على تطورات واسعة النطاق.

وفي النتيجة، وسط كل التقاطعات في ملف الحدود البحرية، بين ما ستسفر عنه المفاوضات التي دخلت مرحلة الموت السريري قبل ان تفضي الى نتائج ملموسة لكل الاطراف، وبين دولة لبنانية عاجزة عن المطالبة بحقوقها في ثرواتها وتمسكها بالدبلوماسية لحلحلة الأزمة، بالإضافة الى التعهدات التي أطلقها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله بأن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما سماه نهب ثروة لبنان وتأكيده إلى أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة دون أي تردد، ومطالبته “إسرائيل” بوقف أي أنشطة في هذا الحقل وتوعده الشركة اليونانية التي استأجرتها “إسرائيل” بتحمل المسؤولية الكاملة ماديا وبشريا عما قد يحصل لها بوصفها شريكة في الاعتداء فإن أي خطوة إسرائيلية حمقاء ستكون بمثابة إشعال حرب في المنطقة يصعب التكهن بحدودها أو مآلاتها، خاصة بعد تعثر الاتفاق النووي من جهة، والهجمات المتوالية على سوريا من قبل العدو الاسرائيلي، وتوغل الجيش التركي في الشمال السوري بعمق 30 كم والتوجس من استلاب لواء اسكندرون جديد، والتطورات المتصاعدة على خط الازمة الاوكرانية وحصار روسيا من قبل الغرب، هي بالتأكيد عوامل ستضع منطقة الشرق الاوسط فوق صفيح ساخن ما إن يتحرك سيغير وجه المنطقة برمتها.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد