قد يعتقد البعض أن الحمل الكاذب هو الاعتقاد بأنّ المرأة فقط تظنّ خطأ أنها حاملٌ، فتعاني بالفعل من بعض أعراض الحمل، إنْ لم يكن كلها، باستثناء الجنين الفعلي. إلا أنه علميًا ثبت أيضًا، أن بعض الرجال قد يعانون من ظاهرة ذات صلة تُعرف باسم “كوفاد” (Couvade) أو الحمل الودّي. لكن بعيدًا عن طرافة الأمر، فإن هؤلاء يصابون بالعديد من الأعراض نفسها التي تظهر على الحوامل، بما في ذلك زيادة الوزن والغثيان وآلام الظهر. ويمكن اعتبار متلازمة “كوفاد” بمنزلة المكافئ النفسي الجسدي لمشاعر بدء الأبوة لدى الرجال.
في لبنان، تنطبق هذه الحالة على رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي بات يتصرّف منذ ليل الخامس عشر من أيار 2022، على أنه المرأة الحامل بعد طول انتظار، فصار يصول ويجول متباهيًا بمولوده المفترض، الذي سوف “يربي القمل” في رؤوس أبناء “الكناين” حين يكبر.
كل عوارض الحمْل أحسَّ بها جعجع؛ فالسعودية أقصَت له سعد الحريري، وجنّدت له دار الإفتاء والمفتين وفؤاد السنيورة، و”كل ما ملكت أيمانها”، فلماذا لا يشعر بالحَبَل؟ والبخاري، حضّر له سلّة مليئة بالفاكهة المغذية، بدءًا من وليد جنبلاط وليس انتهاءً بجماعات المستقلّين والسياديين، مرورًا بالجماعة الإسلامية “بلا زغرة” طبعًا، وزيّنها بالجديد والـMTV والـLBC وغيرهم كثر. خلطة سعودية أميركية لا بدّ أن تجعل العاقر تلد توأمَين، فلماذا لا يشعر سمير جعجع بالحَبَل؟
القبلة التي زرعتها ستريدا على شفتَي سمير، بعد إقفال صناديق الاقتراع بقليل، حين كان الشعور بالحَبَل “ضارب أطنابه” من معراب إلى الرياض، كانت في الحقيقة قرصة أيقظت جعجع من أوهام الحمْل الكاذب، ووضعته في صورة واقعية النتائج التي حققها فريقه، وتلك التي حققها الفريق الآخر، وخصوصًا التيار الوطني الحر، وعلى رأسه جبران باسيل شخصيًا. الآن بدأ جعجع بالاستعانة بأدوية مضادة للاكتئاب، فلجأ مرة جديدة إلى البخاري طالبًا منه الضغط على “السياديين” (للمفارقة يعني) و”المستقلين” (للمفارقة مرة أخرى)، ووليد جنبلاط، من أجل الانتظام معه في تكتل واسع يعوّض له المولود المفترض، الذي أيقن أنه لن يبصر النور.
قد يبدو النصّ أعلاه هزليًا، والحال هذه، إلا أنه واقعي إلى درجة أنه ينقل المعطيات كما أفرزتها الانتخابات وتداعياتها. دفعت السعودية مئات ملايين الدولارات من أجل جعل جعجع يحبل، علّه ينجب صبيًا بلطجيًا كأبيه، يربي القمل في رؤوس الخصوم. لم يحبل جعجع، وبالتالي لن يُنجب، سيتكل على أبناء الجيران والأحياء المجاورة الذين يقبعون في جيبة البخاري الصغيرة. إلا أن معادلة “مَن جرّب المجرّب” صالحة هنا أيضًا، تدفع خيار التعطيل إلى تصدّر المشهد، بفعل عدم قدرة فريق المشروع السعودي، من دون طفل جعجع المنتظر، على الإمساك بالبلد وقراره، وبالتالي تغيير المعادلات. من هنا، كان رفع السقف عاليًا حيال خطوة انتخاب رئيس المجلس النيابي، إلا أن رفع السقف شيء، والصمود طويلًا في إبقائه مرفوعًا، بغياب العضلات المفتولة، شيء آخر.
لا مناص من التعاون إذًا. التوازنات الدقيقة التي أنتجتها الانتخابات غير قادرة على حمل متغيّرات ضخمة كالتي كانت السعودية تتطلّع إليها، وصرفت في سبيلها الملايين. هذا ما أقرّ به مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد هيل، إذ اعتبر أن المكاسب التي حققتها المعارضة المسيحية المناهضة لحزب الله يوم الأحد لم تكن كافية لها لتوجيه المشهد السياسي.
علميًا، وعلى الرغم من أن الأسباب الدقيقة لا تزال غير معروفة، يشتبه الأطباء في أن العوامل النفسية قد تخدع الجسم وتقود إلى التفكير في وجود حمل. فعندما تشعر المرأة برغبة شديدة في الحمل، قد تكون بسبب العقم، أو تكرار الإجهاض، أو انقطاع الطمث الوشيك، أو الرغبة في الزواج، فقد ينتج جسمها بعض علامات الحمل مثل انتفاخ البطن، وتضخم الثديين، وربما إدرار الحليب، وحدوث الغثيان وزيادة الوزن، وحتى الإحساس بحركة الجنين. وقد يخطئ دماغ المرأة في تفسير هذه الإشارات على أنها حمل، ويؤدي ذلك إلى إفراز الهرمونات، مثل هرمونات الإستروجين والبرولاكتين التي تؤدي إلى أعراض الحمل الفعلية. فعلًا، لا يمكن أن نجد تماثلًا سياسيًا أكثر دقّة لحالة المرأة هذه، من حالة سمير جعجع بعد انتخابات أيار 2022.
التعليقات مغلقة.