لبنان والتدخل الأميركي

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

حياة مروة – خاص الناشر |

تأثرت دول منطقتنا بالصراع الأميركي السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية، وانقسمت الدول العربية إلى محورين، دعم المحور الأول الغرب الأوروبي والولايات المتحدة التي حملت شعارات استقلال الشعوب من منظورها الديمقراطي والذي حملته مظلة تختبىء وراءها مساعي السيطرة على مقدرات الشرق الأوسط وبسط نفوذها فيه عبر تمكين الأنظمة الرجعية العربية الحاكمة، بينما وقف الاتحاد السوفياتي السابق إلى جانب ثورات المنطقة الهادفة إلى إلغاء الطبقية والحد من سيطرة الإمبريالية ودحضها بتكريس الشيوعية بما تسودها من مبادىء المساواة ودعم حركات المقاومة وتحرير الشعوب المضطهدة، كما كانت تعتقد موسكو.

بالنسبة للبنان فقد شهد منذ استقلاله تدخلات أجنبية واسعة، وخلافات داخلية قادها طرفان لبنانيان طرف يدعو إلى الحياد اللبناني عن الجوار العربي وقضاياه وآخر يرى الوقوف إلى جانب قضايا الأمة.
استغلت الولايات المتحدة هذا الانقسام السياسي اللبناني، ورغم أنها لم تتدخل عسكريًّا بشكل مباشر في لبنان إلا في حالات قليلة، إلا أنها لم تتوانَ يومًا عن محاولة احتوائه عبر حلفائها اللبنانيين الذين يكنون العداء للعروبة أو للشيوعية.

في العام ١٩٥٨ تدخلت أميركا عسكريًا في لبنان تطبيقًا لمبدأ “ايزنهاور” خوفًا من إطاحة الحكومة اللبنانية في ظل رئاسة كميل شمعون، وبعدها على مشارف الحرب الأهلية عبر تأمين الدعم للجيش -الفئوي يومها- بهدف الحد من حركات التمرد كما زعمت، وعلى اعتبارها أن صراع لبنان هو صراع اليمين واليسار. ومن ثم تدخلت على إثر اجتياح إسرائيل لبيروت عام ١٩٨٢ حيث أرسلت قوات إلى بيروت من ضمن قوة متعددة الجنسيات هدفها احتواء النفوذ السوري ومحاولة عزل المجموعات التي تحارب “إسرائيل”. وقد تعرضت قواتها عام ١٩٨٣ لهجمات مفخخة مما دفعها بعد عام لاتخاذ قرار الانسحاب.

إن التناوب على الحكم في لبنان بين اقطابه المتنازعة جعله مسرحًا دائمًا لتقلب الأحداث وازدواجيتها؛ فعلى سبيل المثال قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري مارست أميركا ضغوطها بشأن تشويه صورة حزب الله عبر تصنيفه الدائم بالإرهاب ولكنها لم تنجح بذلك بسبب المشروعية التي تمتع بها عبر ممارسة حياته السياسية والنيابية وتمثيله لشريحة واسعة على مساحة الوطن. إلا أن الأحداث سرعان ما بدأت تتدهور مع اغتيال رفيق الحريري حيث نجحت أميركا نسبيًا عبر أدواتها بالداخل بإعادة رسم نظراياتها وأدلجة بعض المنضوين تحت غطائها عبر تفجير الشارع اللبناني والمطالبة بانسحاب سوريا وإجراء انتخابات تحت رقابة دولية. وقد تمثلت تلك الأحداث ” بثورة الأرز”.

إن مسلسل التدخلات لم يقتصر على العقود السابقة فما زال لبنان حتى اليوم بما يشكله من توازن على المستوى الأقليمي والعربي مدخلًا للتجاذبات السياسية والمحاولات الدائمة لوضع اليد عليه وممارسة التضييق الاقتصادي والسياسي عبر فرض العقوبات الدائمة على جهات تابعة لحزب الله وحلفائه وعبر وضع الفيتو لعدم مدّه من قبل الدول المجاورة بما يحتاجه من طاقة وغيرها.

وعلى الرغم من تراجع شعبية أميركا ومناصريها بعد أحداث ٧ أيار إلا أنها لم تتوقف عن محاولاتها عبر الإدارات المتعاقبة لكف يد حزب الله عن المشاركة في السلطة ومحاولة تحجيم دوره وذلك من خلال تغيير مسار المطالبات الشعبية في الاحتجاجات الأخيرة التي شهدها البلد في العامين السابقين، للتركيز على سلاح المقاومة ومشروعيتها، إلا أنها لغاية اليوم لم تنجح بذلك رغم الأموال الطائلة والمشاريع التي دعمت بها المنظمات غير الحكومية لتغيير صورة لبنان وإقحامه في لعبة الحياد ومن ثم التطبيع مع العدو.

وعليه فإن كل التضييقات المتمثلة بالعقوبات والسعي لشيطنة حركات المقاومة في الداخل والخارج كانت وما زالت اهدافا أساسية تسعى أميركا للتسويق لها حتى وإن اخفقت أو نجحت نسبيا بذلك بفعل الظروف المؤاتية التي تخولها إثارة الاضطرابات والنعرات الطائفية.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد