مَن قال ليس للتراب لغات؟!

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

مضر الشيخ إبراهيم* – خاص الناشر |

لا يكاد يخلو بيتٌ سوري من ذكرٍ دائم لأقارب، وحتى ذهاب أملاكهم، مع سكة قطار الشرق السريع، بتقسيم “سايكس بيكو” الظالم، وكيف أن بلادًا، تُدعى ديار بكر وربيعة وجزر عمر ومضر، ليست عربية اليوم، ومع لواء إسكندرون العزيز، وصولًا إلى سورية الطبيعية وبلاد الشام، وأدبيات الساسة والنخب، ومشاريعهم لإحياء هذه الروح المتصلة للجغرافيا.

ومن قال ليس للتراب لغات؟! وبين دمشق وبيروت كثيرٌ من الندية، وهي الشقيقة اللدود، إحداهما مقلة للأخرى والتجاذب بينهما لا يحصى على الأصعدة كافةً، ومتى ابتسمت إحداهما كان فرحهما موصولًا والعكس صحيح.

ولبيروت وأهلها خياران في الانتماء: إما النظر إلى دمشق ثم حلب وبغداد والموصل وماردين وقلاع هذه المدن العربية الشامخة، والعصية على الذوبان، مهما تكن الليالي حالكة، أو النظر إلى البحر وقبرص وأوربا، ولا خيار ثالثًا في الهوية، ومن الجمال تعددُ الهُويات؛ ولكن من غير محو وتجنٍّ.

العقل المسؤول يتجه إلى بناء أفضل العلاقات، مع امتداده الطبيعي والاجتماعي والديموغرافي والمصيري والاقتصادي، والانعزالية خيار لها مريدون، وخاب مسعاهم في تقوقعهم أكثر في هذا الزمن الرقمي المتسارع والمتصل مع الآخر.

ولدمشق عدة أسئلة لبيروت عن بعض نخبها، وعدائهم لها دون مسوّغ، وشيطنتها دون دلائل سوى الإيعاز من السفارات.

وبعد أقل من عقدين من خروج الجيش العربي السوري وافتتاح السفارات؛ تتويجًا لكل العمق بين البلدين، لا يزال المتضرر يكثف، تجاهَ الأدوات في الداخل اللبناني، القفزَ فوق العقل والمنطق ورشق دمشق بالأكاذيب والتهم، وهي ذاتها دمشق التي خرجت من حرب ضروس لن ينصف بالمدى القريب نتائج ما حققته من هجوم دموي لمحو دورها الرئيس، كآخر قلاع العرب وحصن مثقفيها ومقاوميها، ومن يتنفس لأجل فلسطين وقضايا الأمة العربية.

وفي دمشق، القرار بشأن بيروت، كان وما زال، العطاءَ والحرص على التكامل معها دون مقدمات، والشواهد كثيرة في الأمن والخدمات والشريان الاقتصادي الحدودي بينهما، والتعالي فوق مجانية أحلام الانعزاليين والأبواق المعادية، وخدمة أجندات السفارات، وبعيدًا عن الانقسام السياسي في بيروت على لبنان الرسمي أن يُبادرَ إيجابًا دومًا تجاه سورية، وما دون ذلك تخبطٌ وانعدامُ بصيرةٍ، وأبواب دمشق مشرعةٌ، كانت وستبقى كذلك، وهذا دورها التاريخي بمعزل عن الضجيج والحجيج.

*باحث سياسي سوري

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد