يُعتبر التمييز العنصري شكلًا من أشكال العدوانية التي تستهدف الشخص بذاته وكلّ الجماعة التي جرى التمييز ضدّه بسبب انتمائه إليها.
ما حدث في مجمّع ABC ليس تفصيلًا يمكن تجاوزه، ببساطة لأنّه اعتداء سفيه يتخطّى كلّ القواعد الأخلاقية والإنسانية وحتى المهنية في التعامل بين البشر. وقد ازداد هذا الاعتداء سفاهة وانحطاطًا بعد البيان التبريري الذي أصدرته الشركة المالكة لمركز التسوّق المذكور أعلاه.
في التفاصيل، قامت إدارة ABC بالطلب إلى احدى المؤسسات التي تستأجر حيّزًا في مركز التسوّق، باستبدال إحدى الموظفات لديها بسبب كونها محجّبة. رفضت المؤسسة الطلب وقرّرت اغلاق حيّزها في ABC اعتراضًا على التمييز الذي ترتكبه الإدارة بطلبها هذا. قامت الإدارة بعدها بمراسلة الموظّفة المحجّبة لتبلغها بأنّ أنظمتها الداخلية تمنع “الإكسسوارات” الدينية! وليكتمل مسار الإساءة أصدرت الإدارة نفسها بيانًا تؤكّد فيه على احترامها لجميع الأديان وحرصها على عدم إبراز أي شعار دينيّ أو حزبي.
إذا أردنا “لبننة” هذا البيان، يمكن ترجمته إلى الشكل التالي: لا نريد أن يكون من بين الموظفين في مؤسّستنا من يظهر عليه أنّه مسلم، وسنتعمّد إهانته متسلحين بجهلنا المعيب في التمييز بين “الإكسسوار” أو الشعار من جهة، وبين حرية الالتزام الدينيّ، وسننتهك حقّه بالتقيّد بما يمليه عليه دينه عبر ممارسة كلّ أشكال التمييز ضدّه.
تعلم إدارة ABC جيّدًا أنّ بيانها إن دلّ على شيء فعلى جهل كاتبه أو تغابيه، وقد أساء لنفسه قبل أن يسيء إلى المسلمين، كما أنّه ظهر بمظهر الكاذب، إلّا إن كان يعتبر زينة الميلاد التي يشتهر بها هذا “المول” هي طقس علمانيّ يتمّ إحياؤه في عيد الشجرة.
لا يمكن إخراج هذا الانتهاك من دائرة الاستهداف الممنهج للمسلمين ولوجودهم في هذا البلد. لكن تجنّبًا للغوص في نظرية المؤامرة مهما كانت معالمها واضحة، دعونا نطرح الأسئلة التي أصبحت مشروعة في ظل الانتهاكات المتكرّرة المشابهة، من قبل شارل جبّور إلى ما بعد ABC:
- ما هو السبب الحقيقي الذي يقف خلف هذا الاستهداف الممنهج؟
- من هي الجهة التي تستطيع التدخّل في كلّ التفاصيل في سبيل عزل فئة وازنة في البلد؟
- ما الذي يدفع بمؤسسة تجارية إلى المخاطرة بفقد شريحة عريضة من زبائنها إذا ما حصلت مقاطعة للمركز بسبب ممارسته للتمييز العنصري ضدّ محجبّة؟
- لماذا صمتت جماعات المجتمع المدني، ولا سيّما النسوية منها، على انتهاك حقّ امرأة محجّبة بالعمل في بلد يتغنّى بالتعددّية الطائفية والمذهبية وكأنها عجيبة ليست متكرّرة؟
بالمبدأ يكفل الدستور اللبناني حرية المعتقد، والحجاب جزء من معتقد الطائفة الإسلامية، وليس طقسًا خاصًا قد يُحرج مؤسّسة ما.
قد يقول قائل، جاهل، إنّه يحقّ لكل مؤسسة وضع معاييرها للتوظيف، متذرّعًا بأنّ ثمّة مؤسّسات إسلامية تفرض على الموظفات فيها ارتداء الحجاب. بالظاهر يبدو الطرح صحيحًا، إذا ما كان العنوان محصورًا بالمؤسسات ذات الطابع الطائفيّ الديني العلني، كالمدارس الإسلامية أو حتى المحال التجارية التي تستهدف شريحة محدّدة من الزبائن. فمن المنطقي أن يفرض متجر لبيع الملابس الشرعية الحجاب على موظفة فيه، وكذلك يبدو منطقيًا أن يرفض متجرٌ مختص بالملابس الخاصة بالطقوس الكنسية مثلًا أن يكون موظفوه من المسلمين. لكنّنا هنا نتحدّث عن سوق تجاري يستهدف كلّ شرائح المجتمع (ذات المقدرة المادية العالية) دون تمييز سواء في البضائع المعروضة أو في معايير الزبائنية، هل يحق لمؤسسة تحت هذا العنوان استبعاد موظّف لاعتبارات طائفية؟
المشكلة تكمن تحديدًا في كيفية طرح الإشكالية. تدّعي ادارة ABC العلمانية واحترام جميع الأديان، ثمّ تستبعد محجّبة لا يمسّ حجابها بأدائها الوظيفيّ ولا يسيء لمعتقدات أحد سواء من العاملين في المركز أو من زبائنه. وبالتالي كلّ المبرّرات واهية، وما حدث هو انتهاك واضح وفعل شائن ينبغي أن يلاحق مرتكبه قانونيًا، ليس في سبيل إجباره على توظيف من لا يرغب بتوظيفهم، ولكن بهدف تحديد معايير التوظيف والعيش المشترك، وبهدف الدفع نحو قليل من المصداقية في أنظمة المؤسسات.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.