في كلّ مرّة يجري فيها حديث عن مخاطر الاختراقات التجسسيّة “الإسرائيلية”، ينقسم السّاخرون من تحذيرات كهذه إلى قسمين: الأوّل يسخر من حاجة الصهاينة إلى تجنيد الجواسيس على اعتبار أنّهم يستطيعون التجسّس دون حاجة إلى مساعدة بشرية إلّا في حالات التكليف بأعمال معيّنة، والتي لا تتطلّب منهم المغامرة بتجنيد عملاء جدد، والقسم الثاني يفترض أنّ المحذّرين مسكونون بعقدة المؤامرة وأنّهم يبالغون في تصوير منصات التواصل كمصيدة يمكن للصهيوني استخدامها للتجنيد.
نشرت صحيفة الأخبار اليوم مقالًا مفصّلًا حول تمكّن فرع المعلومات من توقيف خليّة تجسّس تعمل في لبنان، وبحمد الله عناصرها اللبنانيون ينتمون إلى مختلف الطوائف والمذاهب، بحيث يصبح مضمونًا أن لا يتحوّل أيّ عنصر منهم إلى خطّ أحمر ولا يمكن لأيّ من واضعي الخطوط الحمراء تظهير إيقاف أي شخص من هؤلاء من مذهبه أو طائفته على أنه اعتداء على أهل المذهب.
اللافت في اعترافات الموقوفين، بعيدًا عن المبالغ الزهيدة التي تلقوها ثمنًا لخيانتهم، (وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ كلّ من يحاول تبرير الجريمة، ولا سيّما جريمة التجسّس لصالح العدو الصهيوني أو تنفيذ تعليمات صادرة عنه مهما كانت، هو شريك فعليّ فيها)، هو أنّ هذه الاعترافات كشفت ظهور عامل أو دافع للخيانة وللعمالة هو الحقد على حزب الله. فقد اعترف أحد الجواسيس الموقوفين أنّه هو من بادر إلى عرض خدماته على “الإسرائيليين” بدافع حقده على الحزب ومسعاه إلى فعل أيّ شيء يؤذيه أو يضرّه، وأنّه ذهب إلى الأردن في إحدى مراحل التجنيد وتلقى تدريبًا على استخدام المسيّرات وتمّ تزويده بمسيّرة لتنفيذ أعمال محدّدة! ارتكب كلّ هذا بدافع الحقد. الحقد الذي تمّت تغذيته سعوديًا على مدى سنوات أنتج إذًا بالإضافة إلى إرهابيين متعطشين للقتل حدّ السفر إلى العراق والالتحاق بصفوف داعش والموت فيها، نوعًا جديدًا من الجواسيس الجاهزين لتنفيذ أيّ تعليمة صهيونية، ولو بشكل مجانيّ.
اعترافات ثورجيّ الكمامات بدورها كانت لافتة أيضًا. فقد أقرّ ناشط ثورجيّ أنجيئوزيّ بتقاضيه مبلغًا لشراء وتجهيز كمامات مكتوب عليها “كلن يعني كلن نصر الله واحد منن” وتوزيعها. وهذا يؤكّد المؤكّد الذي عميت عنه عيون كثيرة وهو حقيقة الاختراق الصهيوني لصفوف ما سمّي بالثورة في لبنان ودوره في تركيب شعاراتها ومصلحته في التسويق لشعارات كهذه.
بالعودة إلى مخاطر منصّات التواصل، يستخدم “الإسرائيليّ” هذه المنصات عبر فرق الكترونية منظّمة تبحث عن مجنّدين مفترضين وتتواصل معهم وتعرض عليهم ما يمكن أن يغريهم، وهي تستهدف بشكل خاص من يظهرون عدائية ضدّ حزب الله، إذ يمكن للصهيوني استثمار هذه العدائية واعتمادها كمدخل إلى التجنيد. وكذلك يمكن القول إنّ العديد من الحسابات التي تتعمّد التسويق للعدائية ولتحريض الناس ضد حزب الله هي في الواقع حسابات عميلة، تتقاضى أجرًا عن كلّ كلمة سوء تقولها، أو تقدّم هذه الخدمات مجانًا، بدوافع غريبة كالحقد الذي تحوّل إلى مؤهِّل يذكره المتقدّم بطلب العمالة وكأنّه شهادة في سيرة ذاتية.
يعتبر البعض أنّ “مشكلتنا” مع “إسرائيل” انتهت جزئيًا بانسحابها من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠ ويكتمل انتهاؤها بمجرّد انسحابها من مزارع شبعا المحتلّة، وأنّ العدائية الصهيونية تجاهنا لا تشكّل خطرًا على لبنان ما لم تقم المقاومة “باستفزازها”! على الرغم من سذاجة وسفالة هذا الطرح، ومن الشبهات المحيطة بشرف القائلين به وبذكائهم وبوعيهم لطبيعة هذا الصراع، يمكن اعتبار كشف هذه الشبكة صفعة على وجوههم وليس فقط على وجه الموساد، وقد تمكنّهم الصفعة من فهم حقيقة العدوانية الصهيونية بشكل أكثر وضوحًا.
أمّا الساخرون من كلّ تحذير من النشاط “الإسرائيلي” الإلكتروني وعدوانيته، والذين يفترضون أن الصهاينة “المتفوقين” ليسوا بحاجة إلى التجسّس على “مختبراتنا الذريّة” على حدّ أقوالهم التهكميّة المشعّة بالدونية، فعليهم مراجعة عقولهم والاحتياط أكثر في سلوكهم الافتراضي، بحيث لا يتحوّلون إلى فريسة تجنّدها “إسرائيل” مجانًا أو بأجر.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.