تشهد الساحة العربية مساعِيَ حثيثة تقودها بعض الأنظمة، لفرض التطبيع مع العدو “الإسرائيلي”، كأمر واقع على الشعوب. غير أن الشعوب، كما في الأردن ومصر والمغرب، أعلنتها صريحة وواضحة أنها ترفض التعايش مع واقع هجين، لا يشبه قيَمها ومبادئها ولا حقيقتها التاريخية.
في الأردن، تشهد الساحات العامة، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي، على نبض الشارع الحقيقي الرافض للتطبيع مع العدو الصهيوني. فالشعب الأردني الذي لا يزال يرفض “السلام” مع المحتلّين، نظّم هبّات عديدة في مواقف مختلفة تؤكد رفضه، وتثبت هواه ومبتغاه، كالرفض الواسع بعد إعلان اتفاق التعاون المشترك في مجال الطاقة والمياه بين الأردن و”إسرائيل”، والذي وقّع في الإمارات بحضور المبعوث الأميركي لشؤون المناخ جون كيري، في تشرين الثاني 2021. يرى الأردنيون بإصرار أن “ماء العدو احتلال” وأن “التطبيع خيانة”، وهم المدركون لخطورة مثل تلك الخطوات على الوضع السياسي والاقتصادي للأردن.
عدد كبير من الأحزاب الأردنية والنقابات والفعاليات الشعبية يعتقدون أن الاتفاق بين الأردن و”إسرائيل” يشكل خطرًا وجوديًا على بلدهم، ويحذرون من أن المزيد من التشبيك الاقتصادي بين أنظمة التطبيع والعدو “الإسرائيلي” يعني رهن مصير الدول العربية بيد الصهاينة، وهو ليس فقط مجرّد بيع للقضية الفلسطينية.
وبعد ما مرّ به وطننا العربي من خلال أنظمته الرجعية، من وحل التطبيع، علينا أن نقف عند مجموعتين من الأسئلة:
المجموعة الأولى: أين نهاية ماراثون التطبيع الذليل هذا؟ وهل الكيان الصهيوني، الذي اكتفى بالتنسيق والترتيب لهذا الماراثون، هو مَن سيتوج فائزًا كالعادة، ومن ثم يجلس في أرضنا المحتلة ويعيد ترتيب أي نظام خاضع أكثر وأي نظام مرتهن أكثر وأي نظام وقح أكثر وجميعهم في نظر الشعوب والوطنية خاسرون؟
المجموعة الثانية: هل كل هذا الرفض الشعبي إزاء الانجرار وراء العدو لا يشكّل موقفًا يجب على الأنظمة الرضوخ له، أم أن كل هذه الهبّات الشعبية والصراخ وجعًا من أجل أوطانهم هباء منثور؟ هل الشعوب شفّافة لا تُرى إلا حين ينفد صبر الكلام؟ وهذه المجموعة الثانية من الأسئلة لا زلنا نبحث عن الطرف المفوّض تقديم إجابات واضحة عنها.
ربما الساسة لم يعلموا بعد أن النوق إن صُرمت فلن يجدوا لها لبنًا، ولن يجدوا لها ولدًا. لكن روح الشعوب الحرّة التي نراها في كل موقف وكل مناسبة تشي بأن النصر قادم والصمود على المبادئ واجب. وقد تجسّدت هذه العزيمة في مختلف بقاع الوطن العربي الكبير؛ فما شاهدناه من المنتخبات العربية في كأس العرب، كالجزائر وتونس والأردن، وغيرها من الفرَق التي رفعت علم فلسطين بدلًا من أعلام بلادها، وذلك الجمهور الذي نسي فريقه الذي جاء ليسانده وهتف لفلسطين بملء حنجرته الحرّة، يعكس صورة من صور الإصرار الشعبي على حفظ فلسطين بعيدًا من مخططات التوطين الرسمية. هذه العزيمة ستتبلور ذات يوم وتنجينا من الهزيمة. أما بخصوص أصحاب المكاسب من أجل المناصب، فنذكّرهم بأنها لو دامت لغيرهم لما وصلت إليهم.
تبقى كلمة العربي الحرّ في أي مكان وزمان دليلًا واضحًا على أن هذا الكيان الغريب لن يكون في أي يوم أو مرحلة جزءًا من ترابنا العربي، فهو سيرحل عاجلًا أم آجلًا بتأثير من فعل الرفض الشعبي، وسترحل معه أدواته الخبيثة التي لم ولن تستطيع نزع الوطنية وحُبّ الوطن من رحم أمهات الأحرار العرب.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.