غالبًا ما يشكو المرء من غربة أثناء محاولته الارتقاء وسط المجتمع، بارتقاءٍ فردي لا علاقة له بالمجتمع المتهالِك، وفي معرض الشكوَى نصحني حبيبٌ بأن لا أنتظر خطةً من أحد بل أن “أعمل ما أُتقنه”. وهو عمليًا ما كان سنّة العظماء؛ ناجي العلي لم يكن إلّا رسامًا، وغسان كنفاني لم يكن إلّا كاتبًا، فعلهما هو الذي صنع اسميهما.
واليوم، نعيشُ الذكرى العظيمة لشهادة المهندس الأوّل للعمليات الاستشهاديّة في فلسطين المحتلّة، وفي كتائب القسام، يحيى عبد اللطيف عيّاش.
وليس الوقت للحديث عن حياته، فقد سقبني إلى ذلك الكثير، إلا أن إشراقةً من روحه لم تصل بعد إلى عقول الكثيرين منّا.
عيّاش، صاحب السجل الرفيع في العمل الاستشهادي، نوعيًا، لم يكُن سوى طالب في جامعة بيرزيت، راغبٍ بالسفر إلى خارج فلسطين، وحالَ بينه وبين السفر قمع الاحتلال وعنجهيته.
لم يدرس عيّاش في كليةٍ حربية، كما فعل رفيقه جمال أبو سمهدانة، الذي لعب دورًا بارزًا في تحرير غزّة لاحقًا، حيث آوى عيّاش فترةً من الزمن قبل تحريرها، بل بالمختصر، ما فعله عيّاش هو أنه قام بعملٍ فأتقنه، وكان مصداقًا للحديث الشريف.
في شخصيته، عُرف يحيى عيّاش بعاطفته، خاصةً تجاه والديه، الأمر الذي استغله العدو لاحقًا في تعقّب عيّاش، وكان المفتاح للوصول إليه. هذه الخصلة نادرة في الشخصيات العسكرية، فكيفَ مثلًا لمن يجهّز الاستشهاديين ويُرسلهم ليَقتلوا ويُقتَلوا أن يكون عاطفيًا! هذا التصور الموجود في أذهان الكثيرين من الناس، نسفه عياش بعاطفته وحزمه في آنٍ معًا.
وفي صفاته، عُرف عن المهندس التزامه الديني ووعيهُ السياسي، والاستقامة في المنهج الفكري، حيث يبرز عيّاش بصورٍ يرتدي قميصًا كُتب عليه “الإسلام هو الحل”، إشارةً للمدرسة الفكرية التي ينتمي إليها، عدا عن كونه حافظًا للقرآن الكريم.
هي دعوةٌ صادقة، لكل من انتهج فكر هؤلاء، وآمن برسالتهم، أن يعمل في ما يُتقن، ويطوّر نفسه ويتطور، ليكون فعلًا في خدمة الهدف الأسمى ويساهم في انجاز التحرير الأكبر، ليَحيا عيّاش فينا، لـ “يَحيا عيّاش”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.