الانتخابات النيابية واجبات ومسؤوليات

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أجريت في لبنان بعد اتفاق الطائف عدة دورات انتخابية، وفق قوانين انتخابية مختلفة، وكانت كلّها تجري برعاية إقليمية عامّة وسوريّة خاصّة. وبعد العام 2005 الذي شهد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما حدث بعده من انقسام طوليّ إلى فريقين 8 و14 آذار، اختلفت النظرة إلى الانتخابات النيابية؛ إذ تمّ استغلال حادثة اغتيال الرئيس الحريري، وتمّ العمل على شدّ العصب الطائفيّ، وقد ألبس الأمر لبوسًا دينيًّا، بناءً على القاعدة التي أشار إليها العلّامة ابن خلدون في مقدمة كتاب العبر، والتي تنصّ على أنّ العصبيّة كلّما كانت دينيّة كانت أقوى.

الهدف من شدّ العصب الطائفيّ والدينيّ الذي أشرنا إليه، كان حصول الصراع المذهبيّ بين المسلمين السنة والشيعة من اللبنانيين، بعد أن استنفدت الحرب الأهليّة التي شهدت اقتتالًا بين المسلمين والمسيحيين أغراضها.

لم تستطع نتائج الانتخابات البرلمانيّة المتعاقبة منذ العام 2005 أن تكرّس غلبة فريق على الآخر، ولذلك كانت تشكّل الحكومات بناءً على تفاهمات كتفاهم الدوحة، بمسميات عدّة منها: حكومة شراكة، أو وحدة وطنيّة.

تكتسي الانتخابات القادمة – في العام 2022- طابعًا خاصًّا؛ فهي تأتي بعد احتدام الصراع في لبنان ووصوله إلى ذروته. وما عزّز من حدّة هذا الصراع أنّ المقاومة التي كانت ركنًا أساسًا من أركان فريق الثامن من آذار، قد أصبحت ركنًا أساسًا من أركان محور الممانعة الممتدّ من بيروت إلى دمشق فبغداد فطهران.

بناءً على ما سبق، ما هو موقفنا وتكليفنا الشرعيّ والوطنيّ تجاه هذه الانتخابات؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بدّ من بيان الدوافع التي تدفع المواطنين اللبنانيين للمشاركة في عمليات التصويت. فمن المعتاد والراسخ في أذهان الكثير من اللبنانيين أنّ المنصب النيابيّ هو منصب خدماتيّ بامتياز، وبناء على هذا الاعتبار، فإنّ المواطن اللبنانيّ سينتخب من يقدّم له خدمات اجتماعيّة وماليّة، وبالتالي فإنّ المرشّح للانتخابات النيابيّة سيكون مسؤولًا أمام ناخبيه -بحسب ما يعتقدونه هم- عن وظيفة أمّنها، أو عن خدمة قدّمها لهم. وعلى هذا الأساس تحوّل العمل النيابيّ إلى عمل اجتماعيّ في المناطق والقرى، حرص النواب من خلاله على عدم تفويت مناسبة فرح أو عزاء.

خلطت الذهنيّة اللبنانيّة بين العمل النيابيّ والعمل البلديّ، ولذا وجدنا في الكثير من الأحيان أنّ الانتخاب النيابيّ جاء بناءً على غايات خدماتيّة، بينما الانتخاب البلديّ جاء انطلاقًا من خلفيات سياسيّة وعائليّة وعشائريّة.

الأمر الثاني الذي ينبغي أن نشير إليه، هو أنّ الانتخابات المقبلة تأتي في ظلّ واقع اقتصاديّ صعب، لم يشهد له اللبنانيّون مثيلًا حتّى زمن الحرب الأهليّة المشؤومة. وهذا الواقع الاقتصاديّ الضاغط هو نتيجة الحصار الذي تشنّه الولايات المتحدة الأميركيّة على المقاومة وحلفائها، وذلك بعد أن أثبتت الخيارات العسكريّة فشلها في إضعاف المقاومة وإسقاطها؛ فهو على العكس من ذلك قد حوّلها إلى قوّة إقليمية كبرى.

بعد كلّ هذا، هل يصحّ أن نتعامل كمواطنين مع الانتخابات النيابيّة وفق الذهنيّة السابقة؟ وهل يصحّ أن ننتظر من النائب وظيفة هنا أو خدمة هناك؟

لا بدّ من أن نؤكّد على أنّ الانتخابات المقبلة سياسيّة بامتياز، لا يمكن فكاكها عن عمليّة الصراع المستمرّ مع العدو الصهيونيّ، ومن خلفه الولايات المتحدة الأميركيّة. وهذا الأمر يفسّر تمسّك الولايات المتحدة الأميركيّة بإجراء الانتخابات النيابيّة في مواعيدها المحددة، مع أنّ الظاهر من سلوكها أنها تريد انهيار البلد.

الصحيح أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة لا تريد انهيار البلد، وإنّما تريد إسقاط المقاومة فيه، وهذا هو العنوان الأبرز للانتخابات المقبلة. فالولايات المتحدة تقبل بلبنان بلدًا محايدًا، مسالمًا للعدوّ الصهيونيّ، ولا تقبل به بلدًا ممانعًا، فيه مقاومة باتت تشكّل تهديدًا وجوديًّا للعدوّ الصهيونيّ، وذلك بإقرار من المنظّرين الاستراتيجيين في الكيان الصهيونيّ أنفسهم.

الهدف من الحصار الأميركيّ على لبنان ومقاومته هو أن يصرخ الشعب اللبنانيّ، وخصوصًا شعب المقاومة، مطالبًا بالغذاء والدواء وأبسط المقومات. ويقوم هذا الحصار على استراتيجيّة أنّ أيّ شعب إذا جاع، فإنّ جوعه سيحرفه عن التفكير في قضاياه الكبرى بحثًا عمّا يسدّ رمقه ورمق أسرته. إلّا أنّ استقراءنا للتاريخ السياسيّ المعاصر، يبيّن لنا أنّ أيّ شعب يتخلّى عن قضاياه الكبرى نتيجة اشتداد الحصار الاقتصاديّ عليه، فإنّه لن يحصل إلّا على الفتات. أضف إلى ذلك أنه سيصبح أكثر ارتهانًا للدول التي تمارس حصارها عليه، لأنّ من يمنّ عليه بالفتات يستطيع أن يحجب عنه فتاته في أيّة لحظة. وهنا أتوجّه بالسؤال إلى اللبنانيّ الذي أصبح في العموم جائعًا: إذا خيّرت بين الجوع مع الكرامة أو الشبع بلا كرامة، فأيّ الخيارين تختار؟

في هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أنّ فارض الحصار لا يوصلك إلى الشبع إن تخلّيت عن قضاياك، وإنّما يعطيك الفتات لتبقى بحاجة دائمة إليه.

من منطلق الثقة والاطمئنان، أرى أنّ الذي صمد في أعتى صراع عسكريّ وانتصر، سيصمد في أعتى صراع اقتصاديّ وينتصر. ولأنّ الكرامة خبزنا اليوميّ، وإيماننا بالله قوتّنا وغذاء أرواحنا، فإننا سنصبر على جوع أجسامنا، ونصبر حتّى نكون عبرة في الصبر لكلّ شعوب العالم المقهورة والمظلومة. ولكلّ هذا فإننا لن ننتخب إلّا مرشّحي المقاومة وحلفائها، لأنّ المعركة ليست معركة إنماء، بقدر ما هي معركة كرامة ومعركة وجود.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد