الرأي العام وأضاليل تجار المواقف

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

حسين محيي الدين – خاص الناشر |

تتشابه كرة القدم والسياسة من حيث تغيير وتبديل التكتيكات حسب الزمن والخصم -العدو- وأرضية اللعب ونقاط الربح والخسارة. بإسقاطٍ بسيط، الحرب اليوم لم تعد كما كانت حرب الأمس، فالحروب الآن لم تعد مقصورة على استخدام الأسلحة والمعدات العسكرية وحدها، بل أخذت أشكالًا جديدة، واستحدثت وسائل وأساليب أخرى لتحل محل الحروب التقليدية بين الجيوش المتحاربة، وذلك تزامنًا مع التطور التكنولوجي المستمر، وخاصةً في مجال الاتصالات والمعلومات. وأهم أسباب استحداث هذا النوع من الحروب هو تفادي الخسائر الكبيرة التي تكبدتها الدول الاستعمارية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني، مع إنهما تشكِّلان الطرف الأقوى بمواجهة دول وكيانات تُعتبر ضعيفة اقتصاديًا وعسكريًا.

السؤال المُعضِلة هنا: كيف تنجح هذه الدول -وعرب الردّة والتطبيع مع الصهيونية ضمنًا- في هذه الحرب / المعركة؟ خاصةً أنها هُزِمت في كل الجولات العسكرية بين أيار 2000 وتشرين الثاني 2021 (معبر الناقورة – دمشق – بغداد – طهران – صنعاء)؟ الجواب هو “حروب الجيل الرابع 4GW :” “أن يقتُل العدو نفسه”، باستثمار 10% من القنابل والصواريخ في الإعلام الخبيث عبر الشائعات والتضليل، تاليًا إشاعة الفوضى الخلاقة وتفجير الدول من داخلها (السودان مؤخرًا – العراق – لبنان مثالًا لا حصرًا). عند ذكر مصطلح “حرب الجيل الرابع 4GW ” يتبادر إلى أذهاننا ربطًا “الشرق الأوسط الجديد” الغني عن التعريف، الذي هزمه حزب الله “النصر الإلهي The Divine Victory” حين هُزم العدو الإسرائيلي شر هزيمةٍ ذات تموز – آب 2006.

في درعا مع “صوت الحرية وخفقات الأمل والسلام” منتصف آذار 2011 تقريبًا بدأت ثورة داعش / جبهة النصرة / الجيش الحر (حيث تهاوش على الصيدة الولايات المتحدة الأميركية – الكيان الصهيوني – جامعة الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي). وفي 27 آب 2017 تاريخ التحرير الثاني يمكننا أن نعتبر أن هذه الثورة البربرية الإرهابية انتهت، بعد المنازلة العسكرية الكونية على أرض سوريا الأسد وسلسلة الجرود الشرقية للبنان، وزرعنا رايةً جديدةً للانتصارات العسكرية على جثة الغطرسة الأميركية الصهيونية، وذلك بفضل عطاءات وَجود البيوت الممتدة بين الناقورة والشام وكرمنشاه وجرف الصخر.

آنذاك -عام 2011- كان أوج ما سُمّي بالربيع العربي، متزامنًا مع الانفجار العالمي في مجال الإعلام والنقلة النوعية نحو الإعلام الرقمي الجديد، بثٌ مباشر للإعلام التقليدي، مقالاتٌ، فيديوهاتٌ مجتزأةٌ تنتشر كموجة جرادٍ موسمية، حيث بقي الحال على ما هو عليه حتى أواخر سنة 2015 – مطلع سنة 2016، حين تدخل الإعلام الحربي التابع للمقاومة الإسلامية والجيش العربي السوري والحشد الشعبي العراقي والحرس الثوري الإيراني، وطيلة كل الفترة السابقة لمدة أربع سنوات ما بين آذان الفجر ومغيب القرص “زفّت ونعَت” ترافقها مئات المقاطع الصوتية التي كان يرسلها مقاتلونا البواسل لذويهم ورفاقهم من أرض المعركة عبر هواتفهم من خلال الواتس آب، وبالطبع كانت مليئةً برجاء الصبر والبصيرة والثقة بالنصر والروح الأخروية العالية حد العرش، ونحن الأصحاب الذين ما بدلنا تبديلًا ذات ليلة من محرّم وكربلاء. حين تخلّت الدولة اللبنانية بأجهزتها -متواطئة- عن دورها بحماية ثلثي شعبها -بما أن الثلث الباقي يعيش بين مونو والمعاملتين والأرز- اتخذت المقاومة قرارها بتأدية الواجب الوطني الشرعي والأخلاقي وتحمّلت تبعات وآثار كل الدعاية الإعلامية التي شنّها إعلام داعش -الديموقراطي- ووجدت بيئةً خصبةً عند أحباء الحياة -الثلث الباقي من الشعب- “شو إلنا بسوريا والعراق؟ حدا بيروح يموت كرمال 500-600$؟؟ النأي بالنفس، استعداء “الأشقاء العرب”. طبعًا يجب ألّا يفوتنا الذكر هنا أن رئيس جمهورية هذا الثلث وصل إلى قصر بعبدا على متن دبابة “آرييل شارون”، لكن يا لبؤس الحظ العاثر، كان البطل حبيب الشرتوني بالمرصاد.

العسكر الإعلامي لهذه الحرب كان على أهبة الاستعداد. سوق النخاسة هذا كانت رموزه أحزابًا وسحيجةً وصحافيين وفنانين ونخبًا، هم أنفسهم عاثوا مغانم في إدارات الدولة ونظموا وكالوا المديح وغنوا للمرحوم منذ تقسيمة الترويكا عام 1991 حتى اليوم، أتقنوا فن نقل البارودة من اليسار إلى اليمين والعكس صحيح؛ والحسابة بتحسب، لقطاء الـ NGO`S، أصحاب صرخات “أنقِذوا درعا، وحلب تحترق، و Je suis Charlie Hebdo”. ثوار وأحرار الفنادق من وراء المحيطات، شركاء الإسرائيليين في كردستان، مفبركو الفيديوهات، استغلوا وجنّدوا النازحين واللاجئين ورشوهم، سرقوا بدموع التماسيح المساعدات الإغاثية من الزبداني إلى آمرلي، استضافوا وكرّموا الإرهابييْن أحمد الأسير وعلي الحجيري الملقّب بـ “أبو عجينة”، والتطبيع وجهة نظر “مش تابوه”، قطع البث والاجتزاء، والحسابة بتحسب.

إذًا، الهدف هو الرأي العام، وأسهل الطرق إليه أوفرها جهدًا ووقتًا ومالًا؛ الذي يقضي أغلب وقته بين فيسبوك وتويتر وواتس آب وكلوب هاوس وخدمات الخبر العاجل التي تختلف صيغتها التحريرية بين ضفةٍ وأخرى، وبشكل 24/7، هو اليوم بين مطرقة قوت عياله وتعليمهم وسندان الخيار السياسي الإستراتيجي، بين غلاء المعيشة والانعتاق من الكرامة والإهانة الإستراتيجية، فإن فضّل كرامته وإباء الضيم خنقوه وحاصروه ومنعوا عنه الكهرباء والدواء، وإن فضّل المهانة تفرّق الجمع من حوله وخسر جنى الأودمة، أو أحلى المُرّيْن “الحياد”.

فالمطلوب تجسيد “الصبر والبصيرة”، وأن نعرف قيمة الموقف الذي نتخذه، والضريبة التي قد ندفعها لقاء التزامنا به. وقد صوّر الكاتب المسرحي الراحل عبد الرحمن الشرقاوي في نصه “الحسين ثائرًا” الموقف أجمل تصوير على لسان الإمام الحسين (ع) حينما بلغه أن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان يطلبه كي يأخذ البيعة منه، قائلاً: نحن لا نطلب إلا كلمة، فلتقلْ بايعتُ، واذهب بسلام، فرد عليه الحسين (ع): “كبرت كلمة، وما البيعة إلّا كلمة… وقضاء الله هو كلمة… الكلمة نور وبعض الكلمات قبور”.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد