يطلع علينا كل يوم مبعوث اميركي، لا نعرف قرعة رأس أبيه من أين، ليعطينا دروسًا في الديمقراطية، مع توجيهات سياسية واقتصادية وغيرها حول ضرورة بناء الدولة وفق النموذج الاورو-اميركي، والذي، وبحسب منطق ومنطوق المبعوثين، يقوم على السيادة الشعبية وحرية الرأي وتقرير المصير، والى آخره من مفردات البوليتيك الفاخرة.
وفي مقاربة سريعة لهذه الدعوات، عبر التحليل للأهداف الاميركية، وبالاستعانة ببعض الوقائع التاريخية، وباختصار شديد يناسب المقام، لطبيعة التدخلات الاميركية في شؤون البلدان، وحتى لا تنطلي على عقولنا هذه الدعوات وتحتل تفكيرنا بعد أن تعطله في مشهد سوريالي لا يليق بالمجتمعات الراغبة في الاصلاح، نورد بعض المعطيات في عالم العلاقات الدولية والدبلوماسية لتوضيح ما يمكن توضيحه.
١. منذ ان وضع فلاسفة القوة الغربيون ومنظروها، اسس وفلسفة العمل السياسي، كميكافيللي، ونيتشه، وهوبس، قامت الدول الاوروبية وبعدها الولايات المتحدة وغيرها، على نظرية البقاء للاقوى، والاضعف يُستغلّ، ويُنهب وإن اختلفت الاساليب بتغير الظروف مع تقدم الزمن؛ فما زالت عقلية الرجل الابيض الغالي -نسبة لبلاد الغال ولا معنى غير ذلك- هي الحاكمة وبكل ابعادها مشابهة لبارادايم -النماذج الذهنية- القرون الوسطى، مع فوارق لا تتعدى الشكل وبعض الأساليب، وهذا سهل التأكد على كل قليل الاطلاع والبحث، فكيف بكثيره؟ وعليه..
٢. ان هذه الدول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تستخدم جيشاً من الدبلوماسيين يتكامل مع العسكر، لإخضاع الدول والمنظمات لمنطقها الديماغوجي المتلون، فالدول التي تنصاع لها، تحفظ انظمتها، وتعمل على منع أي فرصة بنائية او تغييرية فيها، كما هو حاصل مثلًا في دول عربية كثيرة، وهذا المنع يصل الى حد التدخل العسكري المباشر. اما الدول التي تسعى للحفاظ على سيادتها في وجه الكولونيالي، فالامر مختلف، وتقوم الـ يو اس اي بدعم اي حركة تمرد بالمال والسلاح او تنشئ حركة، متجاوزة كل الاسس الديمقراطية التي تصخب بها آذاننا بالكلام عنها يومياً. ألم تقتل سلفادور اليندي المنتخب ديمقراطياً، وتوريخوس رئيس بنما؟ أما تآمرت وما زالت على ايران؟ وهذا غيض من فيض.
٣. يذكر جوناثان راندال في كتابه “حرب الالف عام حتى آخر مسيحي ..” ما مفاده ان السفير الاميركي في بيروت ابان الحقبة الشمعونية، كان يوزع حقائب الاموال على المفاتيح الانتخابية، لحسم نتيجة الانتخابات لصالح حلفاء اميركا وتثبيت ارجلهم تحت قبة البرلمان، لكنها في مكان آخر تتهم معارضيها بالتأثير على الانتخابات، مع الاشارة الى أن كل الحماس الاميركي لحكومة ميقاتي هو فقط لاجل اجراء الانتخابات في لبنان، وقد عملت وتعمل على رشوة الجماهير من خلال جمعيات الـ NGO’s، القوة البديلة للمارينز، وحمَلة الشعارات النفاقيةالبراقة.
لم تكن الولايات المتحدة الاميركية سوى دولة استعمار، تستخدم اي اسلوب، دون قيود قيمية، وهي مفقودة اصلاً من ادبياتها، وذلك للوصول الى اهدافها، بمعزل عن كون الجهات المستهدفة صديقة لها او عدوة، فالاصل هو وضع اليد على الثروات لضمان استمرار الشركة-قراطية في حفظ موقعها، وهي الحاكم الفعلي، وليس الحزبان الجمهوري والديمقراطي إلا جناحي هذه المنظومة، وليست الديمقراطية عند العم سام إلا كذبة سمجة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.