أحمد قصير طليعة التسونامي الثوري الجهادي المتألق

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

مصعب حيدر – خاص الناشر |

مع وصول الجيش الصهيوني الى مشارف بيروت ودخوله لاحقًا الى قصر بعبدا في حزيران من صيف ١٩٨٢، خيمت الهزيمة النفسية على الساحة اللبنانية والفلسطينية الوطنية والإسلامية، في الوقت الذي انتعشت فيه آمال الفريق الانعزالي اليميني الذي كان يقوده آل الجميل وكميل شمعون والكثير من رجال الكنيسة.

وكانت هذه الآمال تتمحور حول التغلب على السوريين والفلسطينيين والمسلمين اللبنانيين. وعلى الرغم من بقاء المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية وهم يدافعون عن بيروت قرابة شهرين من الزمن، فإن تلك الهزيمة المشار اليها قد رسخت أقدامها في هذه الساحة ما خلا مساحات ضيقة من التكوين السياسي اللبناني والفلسطيني المؤدلج.

بعد دخول الجيش الصهيوني الى بيروت الغربية في منتصف شهر أيلول ١٩٨٢ اعتصم جورج حاوي الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني ومحسن ابراهيم الأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي في منزل وليد جنبلاط في المصيطبة -وجنبلاط لم يكن موجودًا فيه- وأطلقا نداء لمحازبي الحركة الوطنية للعمل على تأسيس بنيان المقاومة الوطنية اللبنانية. وقد عبّرت هذه المقاومة عن نفسها ببعض عمليات إطلاق النار المتفرقة في شوارع بيروت، وخصوصًا في شارع الحمراء، في الأسبوع الذي بقي فيه الجيش الصهيوني في بيروت الغربية. وكان اسم خالد علوان من الحزب السوري القومي الاجتماعي من الأسماء التي برزت في تلك الآونة، بعدما أطلق النار من مسدسه على جنود صهاينة كانوا يسيرون على مقربة من مقهى الويمبي في شارع الحمراء.

وقد كانت الأجواء في البلد سيئة جدًّا بعد احتلال بيروت الغربية في النصف الثاني من شهر أيلول ١٩٨٢، فميليشيا القوات اللبنانية اقتحمت مخيمي صبرا وشاتيلا بإشراف أرييل شارون، الذي كان يتابع تفاصيل المجزرة على الأرض، ما أدى لاستشهاد ما يقارب ثلاثة آلاف فلسطيني كان من بينهم لبنانيون وتحديدًا من آل المقداد.

وقد جاءت قوات المارينز الأميركية الى بيروت تحت عنوان حماية المدنيين الفلسطينيين من الذبح. وكان أهل الجنوب تحت وطأة الاحتلال يعانون آلام المعارك التي سبقت الاجتياح الصهيوني بدفع من القوى المشبوهة والمستسلمة، التي كانت تبرر واقع الاحتلال ومسوغاته المتهالكة.

في هذه الأثناء كانت الحقائق الجديدة تولد من رحم الإرادات الصلبة التي كانت آنذاك لا ترى. وكانت شمس المقاومة الجذرية المستندة الى مقولة حضارية إسلامية تشرق من جديد، عن طريق رجال انتصروا من داخلهم على كل عوامل الهزيمة. وعلى ضوء الاستنارة بالوهج الثوري الجهادي للثورة الإسلامية في إيران التي وقفت كالطود الشامخ في مواجهة الاستكبار العالمي المتغطرس .

وكان حجم التخطيط كبيرًا و مزلزلًا يتجاوز حدود المقاومة التقليدية التي شهدتها ساحات أخرى في العالم، ومن خلال ما توافر من حركات تحرر انتشرت في كثير من بقاع الأرض.

مر خمسة أشهر على زمن الاحتلال، وارتاح الصهاينة لوضعهم في لبنان الذي تحول الى ميدان سياحي رحب وباتت الشواطىء اللبنانية مرتعًا للعسكر الصهيوني الراغب في السباحة في بحر أو نهر دونما حاجة الى اي حذر أمني مفترض. وبدأت الوفود الاقتصادية الصهيونية تزور غرف الصناعة والتجارة في المناطق المحتلة، والدعوات الى استيراد السلع والبضائع الصهيونية توجهها الوفود الصهيونية المتكاثرة.

وفي خضم هذا الواقع السيئ، وبعد عدة عمليات عسكرية تقليدية متفرقة وقع الزلزال الكبير ضد مقر الحاكم العسكري الصهيوني في مدينة صور في اا تشرين الثاني ١٩٨٢، ما شكل صدمة كبرى للقيادة الصهيونية وللمجتمع الصهيوني. وبدأت الدوائر الغربية البريطانية والأميريكية والفرنسية بتتبع الحدث الكبير، فضلًا عن العديد من الجهات اللبنانية والعربية الرسمية التي تعاطى بعضها بخفة ورعونة، في موقف غير علمي لرصد الأحداث الكبرى في التاريخ.

في الحادي عشر من تشرين الثاني ١٩٨٢ كانت أنوار الفجر تسطع وكان الدم والشهادة والتوق الى الجنان السلاح الأفعل في الميدان، وكانت كرة الثلج أو كرة النار تكبر يومًا بعد يوم حتى ضجت الميادين بالفرسان الكبار وكأنهم يقدِمون من كربلاء لتوهم. فرسان من أمثال الشيخ راغب حرب والسيد عبد اللطيف الأمين وسيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي حيث القافلة تنمو وتكبر وتتوهج.

كان أحمد قصير رمزًا حفّز العقول وألهب القلوب، وأوقع العقل العربي والعقل الصهيوني في حيرة من أمرهما وهما يجهدان لتحليل الظاهرة وقراءة الحدث. ولم يمر عام واحد من الزمن حتى أكمل التيار الثوري الجهادي الصاعد ضرباته الكبرى في بيروت، حيث تم توجيه ضربة قاتلة لرأس الأفعى الأميركية في مقر المارينز الحصين في محلة الكوكودي، ومن ثم في مقر المظليين الفرنسيين في بيروت الغربية. وباتت دماء أحمد قصير تكبر وتكبر لتشكل التسونامي القادم الذي جرف هيبة الولايات المتحدة الأميركية وجيشها المتعجرف الذي اضطر للانكفاء عن الأرض اللبنانية لاجئًا الى مياه المتوسط، لعل ذلك يجنبه الخسائر القادمة التي تتالت من خلال استهداف مقر السفارة الأميركة في بيروت.

١١ تشرين الثاني ١٩٨٢ حين تتحول التواريخ الى أسماء مضيئة لامعة ساطعة، لا يجدي في توصيفها إلا مقولة ذلك العبد الاستشهادي الصالح الذي سمّيَ عباسًا موسويًا القائل “شهداؤنا عظماؤنا، شهداؤنا تاريخنا، شهداؤنا كل أمجادنا، شهداؤنا هم قرآننا الناطق، شهداؤنا هم أبناء أبي عبد اللَّه الحسين كما أراد أبو عبد اللَّه الحسين عليه السلام”، وكفى بذلك مقالًا.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد