لا تستسيغ السعودية وصف عدوانها على اليمن بالحرب العبثية، فكيف يمكن أن تتقبل وصفها بالهزيمة الكاملة؟ والتوصيف الأخير لا يحتاج إلى اختصاصيين لتأكيده، يمكن للمواطن العربي التوصل إليه من خلال مقارنة بسيطة بين مشهد الأمس 2015م واليوم 2021م. لكن من يقنع نظام الرياض بهذه الحقيقة؟ ومن يقنعه بأن الاستمرار في حرب اليمن سيفقده أوراقًا جديدة إن تبقى له أصلًا من أوراق؟!
من يتابع التطورات العسكرية في مأرب وشبوة والبيضاء يدرك أننا أمام تحول ميداني كبير، لا يقاس بقدرة الجيش واللجان الشعبية على تحرير آلاف الكيلومترات، رغم التعقيدات الجغرافية والغارات المكثفة فحسب، بل بفقدان تحالف العدوان زمام المبادرة، وافتقاره إلى أي خيارات ميدانية فاعلة، وكلما حاول الالتفاف على عمليات التحرير التي تقودها صنعاء، انعكس ذلك خسارة مضاعفة.
مطلع شهر تموز/ يوليو، حاولت قوات المرتزقة بالشراكة مع تنظيم القاعدة ورعاية مباشرة من السعودية، تنفيذ أكبر عملية التفاف ضد الجيش واللجان الشعبية في محافظة البيضاء جنوب مارب، وذهبت التقديرات إلى أن الثقل العسكري لصنعاء بات في الأطراف الشمالية الغربية لمأرب، وقد سيطر المرتزقة على مديرية الزاهر على أمل الوصول إلى عاصمة محافظة البيضاء، وبالتالي تهديد محافظات الوسط وحرف أولوية الجيش واللجان من تحرير مأرب إلى الدفاع عن البيضاء وما بعدها.
كانت القوات المسلحة يقظة أمام عملية الالتفاف، فسارعت إلى تحرير الزاهر، ودشنت من خلالها عملية كبرى انتهت بتحرير ما تبقى من مديريات في البيضاء، مرورًا بتحرير ثلاث مديريات في شبوة، وصولًا إلى تحرير ست مديريات في مأرب وبالتالي تضييق الخناق على المدينة وما تبقى من مواقع مجاورة.
لم يكن هذا الالتفاف الأول، سبق وحاول المرتزقة في الساحل الغربي السيطرة على مدينة الدريهمي المحاصرة آنذاك وما جاورها، فكانت النتيجة عكسية بتمكن الجيش واللجان من فك الحصار على المدينة وطرد المرتزقة من مواقع حاكمة. ونضيف أن محاولات مماثلة جرت جنوب ميدي، وفي تعز وأطراف الجوف. والهدف من سرد هذه التفاصيل هو الرد على من يطالب السعودية بفتح الجبهات الأخرى لتخفيف الضغط على مأرب، ليتأكد للمتابع أنها قد حاولت في أماكن وعجزت عن المحاولة في أماكن أخرى نظرًا لتعقيدات لا يتسع المقام لذكرها.
لم تكن السعودية وحيدة في معركة مأرب، كانت الولايات المتحدة وبريطانيا حاضرتين منذ اليوم الأول. تؤكد المعطيات أن الدعم الأميركي بالصواريخ الدقيقة والأقمار الصناعية والطيران المسيّر والصيانة، علاوة على الاستشارات العسكرية، لم يتوقف كما زعم جو بايدن، أما لندن فأعلنت صراحة استمرار هذا الدعم.
وفي الجانب السياسي، لم تصمت إدانات الطرفين الممزوجة بالتهديد والوعيد، ذلك لأن المعركة تجري ضد رغبة مجلس الأمن كما أكد المبعوث الأميركي تيم ليندركينغ في مقابلة مع قناة العربية الحدث. وهذه الرغبة متصلة بأهداف العدوان الذي راهن بعد فشل احتلال صنعاء على مشروع التقسيم والفوضى، أما الجزر والسواحل الاستراتيجية ومنابع الثروة النفطية فتبقى تحت إدارة مباشرة من السعودية والإمارات وبما يخدم الأجندة الأميركية والبريطانية. وهذا ما يفسر حضور قوات من البلدين في المهرة وحضرموت وربما جزيرتي سقطرى وميون.
استطاعت صنعاء أن تفشل مشروع التقسيم عبر استعادة السيطرة على معظم مأرب وأجزاء من شبوة. على أن عملياتها تجري تحت سقف تحرير كل المحافظات اليمنية المحتلة، وهذا السقف غير قابل للمساومة أو المقايضة، بل هو مسار مقدس دينيًا ووطنيًا وأخلاقيًا كما أكد السيد عبد الملك الحوثي في خطابه الأخير. وهذا الخطاب موجه بالدرجة الأولى للمبعوثين الأميركي والأممي، اللذين يراهنان على إيقاف العمليات العسكرية مقابل رفع الحصار جزئيًا عن اليمن، على أن تترافق مع ذلك ضغوط من مجلس الأمن تنتهي إلى تصوير صنعاء -لو رفضت- كطرف معرقل للسلام. والواضح أن هذه الضغوط لن تصل إلى نتيجة، لأن الوفد المفاوض اليمني يواجه ذلك بثلاثة مطالب هي الأخرى غير قابلة للمساومة، تبدأ برفع الحصار ووقف العدوان، ثم بمغادرة كل القوات الأجنبية، وثالثًا معالجة أضرار الحرب ودفع التعويضات.
يدرك تحالف العدوان أن المشهد الداخلي في اليمن بات مختلفًا كثيرًا، فإلى جانب التحول العسكري، يمكن لصنعاء أن تراهن على التأييد الشعبي الذي ظهر في فعاليات المولد النبوي الشريف بما تمثله من استفتاء شعبي غير مسبوق في تاريخ البلاد، في مقابل أن الطرف اليمني الآخر يعيش حالة من الصراع الداخلي والتشرذم، علاوة على حالة السخط الشعبي في المحافظات الجنوبية نتيجة تردي الأوضاع المعيشية والفوضى الأمنية.
وفي النتيجة يمكن القول إن صنعاء بات تستأثر بأوراق القوة، وما تحتاجه هو المزيد من الوقت لتحقيق هدف استعادة السيطرة على البلاد وتحرير كل شبر فيها، إلا أن تبادر السعودية والولايات المتحدة للتسليم بذلك عبر مفاوضات سياسية، وهذا يبدو مستبعدًا في الوقت الراهن.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.