سورية ولبنان وحدةٌ متكاملةٌ ولا يمكن الفصل بينهما (3)

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

بعد أن تحدثت في الجزءين الأول والثاني عن مكنونات الوحدة بين سورية ولبنان بأبعادها السياسية والاقتصادية والجغرافية والتاريخية والاجتماعية والثقافية وامتزاج الدم في الجبهات، يطرح السؤال نفسه هنا: هل تتفق مخرجات هذه الوحدة ونتائجها وتجلياتها مع مستوى هذه المشتركات وعمقها وترابطها وانسجامها؟ وهل تحقق الانفتاح المطلوب منها والممارسات الطبيعية لها؟

أرى أن هذا التناسب بين المشتركات والمعطيات الذي من المفترض أن يكون متوازنًا ومتصاعدًا فيه الكثير من الخلل والذي يعود سببه إلى عدم إدراك هذه المشتركات وعدم الالتفات إلى نقاط الالتقاء تلك من قبل القاعدة الشعبية والمنظومة المؤسساتية المعنية في كلا البلدين.

ويأتي ذلك نتيجة لما تقوم به الدول المعادية المتمثلة بأميركا وإسرائيل من عملية تجهيل ممنهجة للمجتمعات لتخديرها وإفقادها ثقتها بنفسها وبما تملكه من مكنونات قوة وإرث حضاري، فتستطيع بذلك أن تملي عليها ثقافتها وتفرض ايديولوجيتها وتصدر لها نمط حياتها وتسلب منها آمالها وتطلعاتها وهويتها واستقلالها، فتكون عملية السيطرة عليها ونهب ثرواتها ومقدراتها واستغلال مصادر قوتها أسهل وأسرع ودون أن تحتاج لدفع تكلفة أي تدخل مباشر لتحصل على كل تلك الامتيازات، بل ستسلمها لها تلك الشعوب المغيبة عن أي وعي أو استبصار من تلقاء نفسها بل وتقوم بمحاربة وإسكات كل صوت يحاول إيقاظها ويرفض الإذعان لها في بيتها الداخلي، فلسانُ حال العقل والمنطق والمصلحة والسيادة والكرامة يقول للمنجرفين وراء هذا التصحر الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا روبوتات بشرية مسلوبة الإرادة أليس منكم رجلٌ رشيد؟!

فلكي لا نقع أسرى لهذا التيار علينا أن نعي عناصر قوتنا ونصنع منها ثقافة سائدة تعيد الالتحام إلى أطرافنا ونعي أيضًا نقاط ضعفنا ونعمل على ترميمها ونحول التهديدات إلى فرص وذلك بأن يكون التنسيق على أعلى مستوياته ليواكب المشتركات التي تحيط بالبلدين من كل جانب.

يجب أن تكون ثقافة ما بعد الحرب في سورية ليس كما قبلها
فعلينا أن نجسد قيم الفداء والتضحية والنضال والمقاومة من خلال أعمالنا الفنية وأنشطتنا الثقافية في رموز تحاكي الواقع كخوذة جندي في الجيش العربي السوري وبقايا رصاص معاركه في الدفاع عن وطنه وكوفية مقاوم ترك أهله وعائلته وجاء لينصر أخاه السوري ويستشهد مدافعًا عن أرضه وعرضه، بدلًا من العباءة والعقال اللذين ارتبطا بوقتنا الراهن بالخذلان والتآمر والتطبيع العربي.

وعلينا أيضًا أن نحدد ما لدى سورية وما تحتاجه من لبنان، وما لدى لبنان وما يحتاجه من سورية على كافة الأصعدة؛ فمثلاً لدى سورية كدولة متماسكة مقومات النصر بمعنى القدرة على إحراز المكاسب المادية ولدى لبنان بوجود المقاومة مقومات الفتح بمعنى القدرة على تحقيق الأهداف المعنوية، فالمقاومة اللبنانية ليست فقط حزبًا عسكريًا بل مشروع حضاري يختزن الكثير من القيم الثقافية ويحتوي الكثير من النماذج الأخلاقية التي تعدّ المفاتيح الاساسية لإشعال الدافعية وبث روح الأمل وهما المحفز الأبرز للمجتمعات لتحريك كوامنها وتفعيل طاقاتها نحو استنهاضها وانطلاقتها وتقدمها وتحصينها فكريًا وثقافيًا وعقائديًا.

لأجل ذلك كله يجب القيام بأعمال مشتركة بين سورية ولبنان في المجال الثقافي والفني والإعلامي عبر المؤسسات الرسمية وعبر منظمات المجتمع المدني لرسم خارطة ثقافية متكاملة تصل بنا إلى تحقيق أهدافها المرجوة في تمتين العلاقة والتعاون بين الشعبين اللبناني والسوري وردم الهوة بين مفهوم الانتماء للهوية العربية كنظرية والتطبيق الأمثل لهذه النظرية وإعادة تحصين الجبهة الثقافية والفكرية، فإن هذه العوامل الروحية والمعنوية هي التي تدفع المجتمعات للعطاء والعمل والبناء وتحقيق الإنجازات وتحميها من أي غزو ثقافي وتعينها بشكل كبير على تجاوز أزمتها الاقتصادية والمعيشية لأن جزءًا كبيرًا من هذه المشكلة هو الفساد المستشري في كل مفاصل البيئة الاجتماعية بدءًاً بالفرد إلى الأسرة إلى المدرسة إلى الشارع إلى المؤسسات الأخرى. وهذا الفساد سببه التصدعات التي طرأت على منظومتنا القيمية والتي خلفتها الحرب ومشاريع الغزو الثقافي وحروب الجيل الرابع، والتي لم تعد تخضع لأي رقابة قانونية أو ذاتية.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد