مسمار في نعش الاحتلال .. ذكرى مواجهة قلعة دوبيه النوعية

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

هي واحدة من عمليات المقاومة الخالدة ضد العدو في مثل هذه الايام من العام ١٩٩٩ قبل أشهر قليلة من تحقيق حلم الانتصار والتحرير واندحار العدو عن أرضنا المحتلة في العام ٢٠٠٠.

مواجهة قلعة دوبيه هي عملية مركبة ومعقدة خاضها ثلاثة مقاومين ضد سلسلة كمائن من الكتيبة ٥١ من لواء غولاني ضمت العشرات من جنود العدو ثم ساندتها قوات إسناد بعد استبسال المقاومين الثلاثة رغم الغلبة لصالح العدو من النواحي العددية والعسكرية واللوجستية. لكن قوة ومهارة المقاومين الثلاثة أصحاب الأرض أمالت الدفة لصالحهم ليظهر عجز العدو عن حسم المعركة قبل ساعات طوال من القتال الشرس واستدعاء قوات إسناد صهيونية.

العملية قادها واشرف عليها قائد لواء غولاني من موقع العباد الاستراتيجي، وأطلق عليها العدو اسمًا رمزيًا هو “מבצע שבר ענן / cloud break/ انقشاع سحابة/ او كسر سحابة” ما يدل على أهميتها والجهد الذي بذله العدو خلالها.

ارتفع المقاومون الثلاثة شهداء ابطال، وهم:

  • احمد فوعاني
  • حسين قبلان
  • رضوان دوغا.

شهداء المقاومة الثلاثة

وفي المقابل اعترف العدو بسقوط قتيلين وسبعة جرحى بينهم قائد الكتيبة الصهيوني “ايلان اتياس”.
القتيلان الصهيونيان يظهران في الصورة المرفقة، وهما:

  • دورون هيرشكوفيتس ٢٠ عامًا (صاحب اللحية الخفيفة)
  • ايال جواتا ٢١ عامًا.

وفي خلاصة لروايات العدو حول عملية قلعة دوبيه* النوعية التي حصلت بتاريخ ١٧ آب ١٩٩٩، وبالعودة الى مصادر وروايات صهيونية متعددة، نستشف قلق العدو وخوفه من قدرة المقاومة على اختراق منطقة الشريط الحدودي المحتل ووصولها إلى السياج الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة بسهولة ويسر وكأن الشريط الحدودي لم يكن موجودًا ولم يكن يحتله الكيان بما يعني سقوط نظرية العدو حول هذا الشريط وفشله منذ الاجتياح، وخاصة في عمليات نوعية مثل عملية حولا مركبا الأولى وعملية الدواوير وعملية حولا مركبا الثانية وعملية المنارة العباد… هذا الهاجس اقلقه والقى بقوته في تلك المنطقة لمنع حصول اختراقات “قاتلة” مشابهة!

ومن هنا نقدر أن نفهم الاسم الرمزي للعملية وكأن العدو يريد القول إنه يحس بمأزقه ويحس بغيمة تكدر له سماء احتلاله فاطلق هذه العملية عله يزيل هذه الغمامة، ولكن هيهات.

يقول أحد ضباط العدو: “كانت تقديراتنا تدل أن مجموعة إرهابية سوف تتسلل من تلك المنطقة”، فيما يتحدث مصدر صهيوني رفيع ان قواته حصلت على معلومة استخبارية تدل على نية تلك المجموعة التسلل لتنفيذ عمل مشابه.

الاحتمالان واردان بالطبع وربما يكونان مترابطين اي بين معلومة استخبارية وتقديرات صهيونية. لكن طريقة سير المواجهة ومبادرة المقاومين بإطلاق النار وتوسع المواجهة وعجز العدو عن حسمها بسهولة يكشف زيف أسطورة الجيش الذي لا يقهر ويعرّي أسطورة استخباراته “التي تعلم كل شيء”! إذ رغم الزعم الصهيوني بأن لديه معلومات، وذلك ليس مستبعدًا في مثل هذه الحالة، الا انه لم يستطع إدارة كفة المواجهة كما يريد، إذ تدل كل الروايات الصهيونية، سواء أكانت رسمية أو غير رسمية كمذكرات خاصة للجنود، فإنها تدل أن المقاومين الثلاثة هم من بادر بفتح النار واحداث إصابات في صفوف العدو من اللحظة الأولى.

قناة المنار تتحدث عن العملية وتنعى الشهداء

تتحدث المصادر الصهيونية ان العملية كانت نوعية وموسعة ومعقدة اذ بدأ التخطيط لها منذ مدة وبدأ تحضير الكمائن منذ أيام قبل حصول العملية؛ فكان هناك عدد من الكمائن كسلسلة، حسب مصادر العدو، تمتد من خلة النبعة إلى وادي الاسطبل وقلعة دوبيه ووادي الجمل، وحتى كمائن على الجهة الثانية المحررة من وادي السلوقي عند السفوح الشرقية لبلدة شقرا المحررة كما يظهر في الخريطة المرفقة المبسطة التي رسمها مصدر صهيوني، والكمائن تظهر على شكل “معينات” هندسية صغيرة وقمنا بكتابة بعض الكلمات بالعربية لجعل فهم الخريطة متيسرًا للجميع بعكس الخريطة الأخرى المنشورة على موقع لواء غولاني وهي خريطة عسكرية للمختصين.

والصورة المرفقة للقلعة رسمها أحد جنود العدو ويظهر عليها بالأحمر المكان الذي كمن فيه المقاومون الثلاثة والخط الأزرق على يمين القارئ هو القوة الصهيونية التي كانت داخل القلعة والخط الأزرق على اليسار هو قوات الاسناد الصهيونية.

صورة رسمها جندي صهيوني أثناء نشر روايته للعملية وتظهر فيها قلعة دوبيه والبقعة الحمراء هي مكان تمركز المقاومين. اما البقعة الزرقاء إلى يمين القارئ فهي قوات العدو التي كانت تتمركز داخل القلعة ومثيلتها الواقعة على يسار القارى هي قوات الاسناد الصهيونية

يقول الصهيوني الليفتنانت كولونيل “موشيه دانغور” وهو أحد قادة العملية: “أطلقنا العملية منذ ١٥ آب بعد ورود معلومات استخبارية حول نية مجموعة إرهابية التسلل لتنفيذ عملية هجوم نوعية، وكان هدفنا صد الارهابيين والقضاء عليهم (…) خرجنا في ليل الأحد ووصلنا الى قلعة دوبيه في وادي السلوقي حيث مكثنا حوالي ٣ ايام (…) ووصلت مجموعات أخرى من جهات مختلفة (…) ولم نكن نعرف بالضبط من اين ستأتي الفرقة الإرهابية (…) بدأت المعركة صباح الثلاثاء عندما انتهينا من الاستعداد عند الفجر، ورغم خوفي من عدم قدرتنا على مراقبة كافة الجهات الا ان رئيس الفرقة منعنا من الصعود إلى سطح الحصن للمراقبة خوفًا من انهياره وهو متهالك (…) عند الساعة ٧.١٠ وصل ثلاثة ارهابيين ونحن لم نلاحظهم ولكن سمعوا أصوات المقاتلين داخل القاعة الرئيسية في القلعة فأنزلوا العبوات الضخمة عن ظهورهم بهدوء ثم القوا قنبلتين داخل الحصن أتبعوهما برشقات نارية (…) لاحظ الجنود تدحرج القنابل ولكن بدل الاستلقاء حاولوا الفرار فأصابتهم شظايا (…) بترت ساق أحدهم ويد الاخر (…) وسمعت صراخ ثمانية جنود كانوا في القاعة نفسها (…) ثم رأيت الارهابيين يركضون ثم يقفون على بعد ٢٠ مترًا ويطلقون النار صوبنا (…) فخرجنا على الفور لمطاردتهم ومعي ٣ مقاتلين ثم انضم إلينا “دورون هريسكوفيتش” (…) تحصن الارهابيون بين الصخور والأشجار (…) رأيت واحدًا منهم يتحرك بين الصخور فأمرت دورون بفتح النار عليه (…) راقبه وهو يرفع رأسه فوق الصخرة ووضع نفسه في وضعية إطلاق النار لكن الإرهابي تفوق عليه وكان أسرع بإطلاق النار ليصيبه في عنقه (…) وفي غضون ثوانٍ لم يعد له نبض.

ومع حراجة وضعنا وصل قائد الكتيبة ايلان اتياس ومعه قوة من ٢٠ مقاتلًا عبر قرية حولا (…) وما إن وصلوا تعرضوا لاطلاق النار فقتل الجندي “ايال جواتا” وأصيب اتياس نفسه إصابة بالغة (…) ولم يكن ذلك كافيًا إذ ألقى أحد الجنود قنبلة لكنها سقطت في موقع قواتنا وأصيب أربعة من جنودنا، كما أصيب أحد المسعفين الذي جاء لمعالجة الجرحى (…) وبعد ساعات من القتال تم القضاء على الارهابيين الثلاثة (…) وبالعودة إلى الوراء تبين أنها واحدة من أرقى وأمهر الفرق في حزب الله وهي نوع من فرق الأركان او القوات الخاصة، وذلك جعل المعركة صعبة وطويلة.

ضمت هذه الخلية سبعة ارهابيين في الأصل: أربعة منهم قتلوا في حوادث سابقة وثلاثة قتلوا يومها (…) وبينهم شخص مسؤول عن قتل نيتسان بالديران وآرييل بيرتس”، في إشارة إلى عملية طريق حولا مركبا النوعية الثانية بتاريخ ٢٥-١١-١٩٩٨.

ويتابع موشيه دانغور: “توقف إطلاق النار الا ان إطلاق الهاون تزايد وكانت القوة تختبئ مع جثة دورون وسط الأدغال (…) كانت قواتنا تقصف مناطق حزب الله الذي كان يرد عليها (…) كنا ٢٠ جنديًا (…) وكانت مهمتنا الانتظار بين الاشجار والاحتفاظ بالجثة حتى يحل الظلام (…) وعندها فقط استطعنا إخلاء أنفسنا مع الجثة”.

وقد فتحت قيادة العدو تحقيقًا بالحادث الذي اوقع قتلى وجرحى في صفوف جيش العدو. ومن بين القضايا التي يتم فيها التحقيق فحص مستوى سرعة الاستجابة ولماذا فوجئت القوة الصهيونية بإطلاق النار مرتين من مسافة قريبة.

وللاستزادة حول هذه المواجهة ننقل ما نشره اعلام العدو منذ مدة حين روى الجندي الصهيوني “ايرز بن أرويا” (وسط الصورة المرفقة) تجربته في لبنان وخاصة أثناء هذه العملية. يروي “بن أرويا” كيفية امتهان فرقته نصب الكمائن في جنوب لبنان لساعات طويلة بين الصخور او بين الشجيرات (الصورة) وكيف كانوا يتبولون داخل زجاجة ويقضون حاجتهم داخل كيس مخصص للبراز.

ايرز بن ارويا (وسط الصورة) أثناء كمين في جنوب لبنان

ويتابع الجندي الصهيوني: “في العام ١٩٩٩ أصبت بجروح خطيرة في يدي ومعدتي أثناء معركة في وادي السلوقي (…) يومها كنت في كمين استمر حوالي ١٠٠ ساعة عند حافة المنطقة الأمنية (…) ثم جلسنا لمدة يوم داخل قلعة دوبيه (…) وعند الليل جهزنا أنفسنا بوضعية قتالية داخل كمين (…) لكن يبدو أن عناصر حزب الله كانوا قد سبقونا وكمنوا داخل القلعة. وعندما سمعوا أصواتنا عند صبيحة ذلك اليوم وادركوا أننا في الداخل فاجأونا وألقوا القنابل داخل الغرفة التي كنا فيها (…) فأصابوا عددا من الجنود وانا منهم بجروح بالغة في يدي ومعدتي (…) بدأت حينها معركة يوم جدي وتدخلت مروحية وتمكنت من نقلي بعد معالجتي ميدانيًا إلى مستشفى رامبام في حيفا (…) وتواصلت المعركة خلفي(…)”.

ويختم الجندي الصهيوني ذكرياته بالقول: “لبنان جزء مما انا عليه الآن.. وأي شخص خدم في لبنان، وعاد على قيد الحياة، لم يعد الشخص نفسه عقليًا ونفسيًا”.

هي مواجهة بحجم معركة من أيام الله المجيدة لا زالت ألسنة ابناء تلك المنطقة تتناقلها بفخر وتفاصيل جاوزت حد الاسطورة عن جيش زعموا انه لا يقهر لكنه وقف عاجزًا امام ثلاثة فتية آمنوا بربهم وأرضهم وبنصرهم. ولا زال الاهالي يروون مشاهداتهم إبان الاحتلال لآليات العدو كيف كانت تنقل قتلاه وجرحاه بشكل عشوائي ومكشوف في صناديق آلياتها العسكرية العادية المكشوفة ولكنها كانت تطلق النيران في الهواء وتطلق العنان لدخان عوادمها الاسود بشكل مكثف لتحاول ارعاب الاهالي ومنعهم من تخليد مشاهد عارها وخزيها المضرج.

هي صفحة كتبها ثلاثة ابطال فوق صفحات التحرير لتعرّي هالة مزيفة يتسلح بها هذا الكيان.

(*) قلعة دوبيه هي قلعة أثرية يقال انها صليبية تحتل موقعًا مميزًا على تل استراتيجي في القسم الجنوبي الاخير من وادي السلوقي بين قريتي حولا وشقرا. وخلال فترة الاحتلال الإسرائيلي بين العامين (1982-2000) كانت تقع كخط تماس بين المناطق المحتلة والمناطق المحررة لذلك وبفضل استراتيجيتها ايضًا شهدت عمليات ومواجهات نوعية مع قوات الاحتلال ومنها هذه المواجهة.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد