سلام على المقاس الإسرائيلي: تفكيك “اتفاقيات أبراهام”
منذ ولايته الأولى سعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى جر الدول العربية والإسلامية إلى التطبيع مع “إسرائيل”، بالتهديد والتخويف من إيران حينًا وبالوعود بفتح مجالات التعاون الاقتصادي والأمني والثقافي بين “إسرائيل” وهذه الدول، فكانت “اتفاقيات أبراهام” منذ عام 2000 بين “إسرائيل” من جهة وبين الإمارات العربية المتحدة والبحرين، والمغرب، والسودان، وكازاخستان من جهة أخرى، ومن المتوقع انضمام سورية إلى هذه الاتفاقيات في المستقبل القريب جدًّا كما يتوقع مراقبون.
وقد استمدت “اتفاقيات أبراهام” اسمها من النبي إبراهيم، على أساس أن الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام تنتسب إليه، مع ما في ذلك، كما خطط أصحاب فكرة الاتفاقيات، من تعزيز لمفهوم “السلام” والتعايش بين دول كانت تتبادل العداء فيما بينها، فجرى استدعاء رمزٍ مشترك هو إبراهيم، في محاولة للتقريب قيما بينها.
وإذا كانت الغاية المصرح بها من “اتفاقيات أبراهام” تعزيز حال “السلام” والاستقرار في المنطقة والعالم بناءً على “التفاهم المتبادل والتعايش” و”احترام كرامة الإنسان والحرّية”، فإن هذه الاتفاقيات من غير المتوقع أن تنهي ملف القضية الفلسطينية لصالح الفلسطينيين، إن لم تؤدِّ إلى القضاء على هذا الملف ودفنه، ومن غير المتوقع أيضًا أن توجد حلًّا شاملًا للصراع العربي الإسلامي من جهة والإسرائيلي من جهة أخرى.
فما هي الأسباب التي دفعت الدول العربية والإسلامية المنضوية في هذه الاتفاقيات إلى ما قامت به؟ وما المتوقع أن تجنيه هذه الدول من هذه الاتفاقيات؟
الدوافع الأمنية
رأت الإمارات والبحرين في الاتفاق وسيلة لتوطيد تحالف عسكري مع مع “إسرائيل”، في مواجهة إيران التي تنظر إليها الإمارات على أنها تشكل تهديدًا إقليميًا مزمنًا، بينما تزعم البحرين أن إيران تشكل تهديدًا لها، بسبب التوتر الطائفي الداخلي والدعم الإيراني المزعوم للمعارضة البحرينية، ولذلك تعتقد أن التطبيع يزيد من حصانتها في مواجهة طهران. في حين تسعى كازاخستان إلى فتح قنوات تواصل استخبارية مع “إسرائيل” تُقلل الاعتماد على موسكو وبكين.
الدوافع السياسية
يعزز الاتفاق من دور الإمارات في منافسة السعودية كدولة مؤثرة في المنطقة، ويؤمن لها الدعم الأميركي في دورها الإقليمي في ليبيا واليمن وبعض الدول الإفريقية، في حين يقلّص عزلة البحرين بعد سنوات من الغليان الطائفي الداخلي والاحتجاجات السياسية ضد تسلطّ النظام على فئة كبيرة من المواطنين البحرينيين.
مغربيًّا، حققت الرباط مكسبًا إستراتيجيًّا تاريخيًّا بانضمامها إلى “اتفاقيات أبراهام” باعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، بالإضافة إلى أن هذه الاتفاقيات تقوّي موقع المغرب في مواجهة الجزائر وجبهة البوليساريو. مع التذكير أن للمغرب علاقات جيدة قديمة مع “إسرائيل” منذ ستينيات القرن الماضي وإن لم تكن بشكل رسمي، ويشكّل وجود جالية يهودية مغربية كبيرة في “إسرائيل” (نحو 700 ألف شخص)، عاملًا ثقافيًا وإنسانيًا لتبرير الاتفاق.
وكانت هذه الاتفاقيات سبيل السودان لإزالة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بعد اشتراط الولايات المتحدة عليه تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” لتبييض صفحته، وقد قبلت الحكومة الانتقالية التي كانت تبحث عن شرعية خارجية، العرض الأميركي وأزيل اسمها من تلك القائمة.
أما كازاخستان فقد كانت ترغب في التموضع كقوة توازن بين الشرق والغرب بعد تصاعد النفوذ الروسي والصيني في آسيا الوسطى.
الدوافع الاقتصادية
يفتح الاتفاق للدول الموقعة على “اتفاقيات أبراهام” الباب أمام التعاون التجاري والتكنولوجي مع “إسرائيل”، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والزراعة الذكية، وتحلية المياه، وقطاعات السياحة والطاقة والاستثمار.
الخلاصة
من كل ما تقدم يظهر أن انضمام الدول الخمس إلى “اتفاقيات أبراهام” كان بدوافع براغماتية وليس على أساس قناعات أيديولوجية أو فكرية بالتطبيع. فبعض هذه الدول دفعه إلى هذه الاتفاقيات البعد الأمني (الإمارات والبحرين)، وبعضها المكسب السياسي (المغرب والسودان)، وبعضها تعزيز العلاقات الدولية (كازاخستان)، دون غياب البعد الاقتصادي لدى كل هذه الدول.
إذًا، يمكن عَدّ “اتفاقيات أبراهام” تحالفًا لمصالح متشابكة بين الأمن والاقتصاد والسياسة، أكثر ممّا هي تحول جوهري في الوجدان الشعبي العربي أو الإسلامي تجاه “إسرائيل”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.