الغرق في شبر مياه ملوّثة: “مش هينة تكون قوات!”
… ونذكر يومَ طالب السّيد بمقاضاة العملاء بأحكام قاسية كما يستحقّون، قال ابدؤوا بالعملاء الشيعة.
ونعرف أنّ مجتمعنا ليس مدينة فاضلة، وإن كان يجب عليه أن يكون، ولكن نعرف أيضًا أن الله عافانا من العصبوية البغيضة، فلا ندافع عن مروّج للمخدّرات أو عن تاجر محتكِر وفاسد أو عن عميل فقط لأنّنا نتشارك وإياه نفس الخانة الطائفية أو المذهبية.
كذلك ندرك أنّ المسائل الصحيّة والطبيّة لا يمكن أن تُقاس بمعيار الصلة مع اسم شخص أو جهة، فالقياسات هنا مخبرية، ولذا، ما يُرى بالميكروسكوب خلال فحص العيّنات لا علاقة له باسم المؤسّسة وبطائفة صاحبها، أو انتمائه السياسيّ. ولو كان الأمر كذلك، لما احتاجَ القوّاتيون إلى فحوص مخبرية لتبيان مدى التلوّث بجراثيم العصبوية، فالمجهريات حين تنشط كثيرًا وتتكاثر، تصبح مرئية بالعين المجرّدة. وهذا بالضبط ما شوهد في اليومين الأخيرين: نشاط طفيلي عصبوي طائفي ظاهر، يشي بمرض لا حاجة لفحوص واختبارات تؤكّد الإصابة به أو تنفيها، و”مش هينة” أن تُشفى منه.
واقعًا، ارتكبت العصبوية القواتية جرمًا مشهودًا بحقّ شركة تنورين للمياه المعدنية وأصحابها وموظّفيها، عبر ممارسات شاء لها أشاوس القوّات أن تكون دفاعية، في معركة وهمية اخترعوها بأنفسهم، بعد أن حسبوا استهداف الملوّثات هو استهداف شخصيّ لهم، وبذلك هم أدرى بأنفسهم، ولكن، قليل من الذكاء كان يجب أن يدفعهم إلى التصرّف ولو بذرّات من الحكمة واحترام العلم. بالطبع ليس متوقّعًا ممّن ينادون راسبًا في السنة الثانية في اختصاص الطبّ بالحكيم أن يحترموا الطبّ والعلم ولكن، شيء من الذكاء الفطري وجب أن يحضر أقلّه في نخبة نخبتهم، فيتحاشون التصدّي جهارًا للدفاع عن جرثومة في الماء، تهدّد صحّة أطفالهم، فقط لأن الجرثومة تخصّ عبوّة مياه تنتجها مؤسّسة قيل إن صاحبها “قوّتجي”. بطبيعة الحال، من يتغنّى بالانتساب إلى جراثيم ناطقة لن يخجل من الغرق في شبر ماء ملوّث بمرح غامر وتباهٍ، ولا خوف على الحكيم وحرمه، فهما يشربان مياهًا مستوردة.
خطاب عنيف، هجوميّ، فيه الكثير من سمات الارتياب المرضيّ، وفيه من العصبوية التي تفوق كلّ جراثيم الأرض في مقدرتها على التلويث القاتل. فاتهم، في لحظة، أن الفِرَق العاملة في وزارة الصحّة، والمؤلفة من أفراد من مختلف الطوائف والانتماءات السياسية، تكشف في كلّ يوم على عشرات العيّنات من المطاعم والمخابز وشركات تكرير المياه وغيرها، ويجري ذلك في جميع المناطق، والقرارات التي تتّخذها الوزارة تأتي بناء على نتائج الفحوص المخبرية، وليس على سجلات قيد مالكي المحال والمؤسّسات، ولا على البطاقات الحزبية.
المضحك المبكي، أنّ المتصدّين للدفاع عن جرثومة في عبوّة مياه، حاولوا تجييش شارعهم ليكون خلفهم في هذه المعركة التاريخية، مطالبين إيّاه بشرب مياه ملوّثة، وفق الكشف الصحي، “نكاية بالطهارة”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.