أمريكا والكيان تعجلان بنهاية الغرب الاستعماري

15

مصطفى السعيد *

النهج الذي تتبعه الولايات المتحدة والكيان واحد، لا يركز على علاج أمراضهما الاقتصادية والسياسية المستفحلة، بل يندفعان إلى الحرب للقضاء أو منع تقدم الدول الصاعدة المحتمل أن تتصدى لهيمنتهما. أمريكا تصب كل قدراتها لكبح تقدم الصين وروسيا ودول البريكس وشنجهاي، بدلاً من أن تركز طاقتها وقدراتها على علاج أمراضها الخطيرة، والتي ظهرت أعراضها بوضوح في اقتصاد متراجع بشدة، يعاني من أزمة ديون ضخمة غير قابلة للسداد، بل غير قابلة لوقف استفحالها، مع ضعف القطاع الصناعي، واعتمادها المبالغ فيه على قطاع الخدمات، الذي يستحوذ على نحو 80% من حجم الاقتصاد الأمريكي، وانهيار التصور على أنها ستحتكر التكنولوجيا المتقدمة، والتحكم في الاقتصاد العالمي من خلال سيطرة الدولار ومنظومة سويفت على أسواق العالم.

إن نهج (استراتيجية) القضاء على الخصوم المحتملين لا يحقق النجاح، بل يوسع من استنزاف القدرات، وتوجهت نحو سباق تسلح لا ولن تربحه، بدلاً من تقليص إنفاقها العسكري الضخم، والذي كان ينبغي لها تقليصه للحد من النزيف، وكان ترامب قد طرح تقليص الإنفاق العسكري، لكنه سلك طريقاً آخر، تحت ضغط البنتاجون ومجمع الصناعات العسكرية، ومخاوف أن يؤدي تقليص الإنفاق العسكري الذي يقرب من ترليون دولار سنوياً من إضعاف الهيمنة الأمريكية على العالم بالقوة، والتي أصبحت السبيل الوحيد الذي تراه إدارة ترامب لعلاج مشاكلها الاقتصادية والسياسية، وزادت التهديدات والتدخلات من التلويح باحتلال كندا وجرين لاند إلى فنزويلا وأفغانستان وبنما وغيرها، بالإضافة إلى خوض حرب مع كل من الصين وروسيا عبر تايوان وأوكرانيا.

كانت أمريكا تعتقد أن هزيمة روسيا عبر استدراجها إلى حرب في أوكرانيا لن تستغرق طويلاً، وستنتهي بتقسيم روسيا إلى ثلاث دول، وهناك أطروحات بتفتيت إلى عشرات الدول الصغيرة، التي سيكون من السهل التهامها، وارتكز هذا الاعتقاد إلى أن حصاراً اقتصادياً شاملاً، ومنع تصدير روسيا للغاز والنفط، سوف يؤدي إلى انهيار اقتصادي، يواكبه استنزاف عسكري، سرعان ما سيؤدي إلى سخط شعبي واسع، جهزت له آلاف منظمات المجتمع المدني الممولة، ستطيح حتماً بالسلطة، لتدخل في حروب أهلية، تغذيها أمريكا والغرب، ويسهّل سقوط روسيا احتواء وحصار الصين اقتصادياً وعسكرياً، وبالتالي تعود الهيمنة الغربية أقوى وأشد مما كانت.

لكن هذا السيناريو لم يتحقق، بل انقلب على أمريكا وأوروبا، فهما من تمولان حرب أوكرانيا، ومن تستوردان الغاز والنفط الروسي الرخيص، ومن كانت روسيا سوقاً مهماً لتصريف الكثير من منتجاتهما. واضطرت أمريكا إلى إجراء تعديل على مخططها نحو روسيا، بأن أجبرت إدارة ترامب أوروبا على تحمل النفقات وحدها، لتنجو من طوفان الأزمات، بأن تضحي بحلفائها. كما أجبرت كلاً من اليابان وألمانيا على إحياء قدراتهما العسكرية، وألغت القيود التي كانت مفروضة على قطاعهما العسكري عقب الحرب العالمية الثانية. لكن هذه الخطوة التي توفر لأمريكا بعض النفقات الدفاعية، سيكون من شأنها إضعاف الهيمنة الأمريكية على الدولتين الكبيرتين، والمؤهلتين لمنافسة أمريكا اقتصادياً وعسكرياً، بل اتخذت خطوة أخرى بمساعدة الهند على النهوض الاقتصادي والعسكري، لتساعدها في مواجهة الصين، لتدخل الهند دائرة المنافسة أيضاً، وتمتلك مقدرات الاستقلال عن الغرب. وهكذا يتفكك التحالف الغربي، بل مرشح للتناطح من جديد، في وقت حققت فيه الصين قفزات اقتصادية وتكنولوجية هائلة، بل دخلت لحلبة المنافسة العسكرية تحت ضغط التهديد بمساعدة تايوان على إعلان الاستقلال، رغم اعتراف الغرب الرسمي بأن تايوان جزء من الصين الواحدة.

الطفرة الصينية في الصناعات العسكرية كانت مذهلة، وتقدمت في عدد القطع البحرية، وأنتجت طائرات من الجيل السادس قبل أمريكا، وبرهنت الصين على تفوقها الجوي، ليس في اشتباكات الهند وباكستان فقط، بل بمواجهة جوية في بحر الصين الجنوبي بين طائرة صينية من الجيل الرابع “جي 16” وطائرتين أمريكيتين إف 35 رمز التفوق الجوي الأمريكي، وتمكنت الطائرة الصينية من الإغلاق على الطائرتين الأمريكيتين، وتعبير إغلاق يعني أنها أسقطتهما إفتراضياً، واضطرتهما إلى الفرار. والأهم أن الصين تفوقت بفارق كبير في الصواريخ الفرط صوتية، سرعتها تجاوزت 25 ماخ، بينما صواريخ أمريكا أقل من 10 ماخ، وصواريخها قادرة على تدمير أساطيل أمريكا البحرية، بما فيها حاملات الطائرات، ويعدّ صاروخ 61 الصيني مرعباً، فهو يحمل 60 رأساً نووياً، ورأس قنبلة هيدروجينية، تعد الصين الوحيدة في العالم التي تمتلكها، وقوتها أضعاف القنابل النووية. وكذلك تفوقت في إنتاج الطائرات المسيرة والدفاع الجوي، وأجهزة التشويش والتحكم والسيطرة، فهي تمتلك طائرات مسيرة شبحية، وطائرات مسيرة حاملة للطائرات المسيرة. لكن الأهم في قدرات المجمع الصناعي العسكري الصيني، الأضخم في الإنتاج بفارق هائل، وبسعر أقل بكثير، وسيكون تزويد الصين لدول الجنوب بأسلحة لا تقل تطوراً، وبتكلفة أقل بكثير وبدون شروط نقلة نوعية في موازين القوى العالمية، ولن يصبح الغرب قادراً على استخدام القوة العسكرية في الهيمنة وفرض الشروط والإذعان على دول الجنوب.

نفس النهج يتبعه الكيان الصهيوني، وهو القضاء الاستباقي على أي قوة بازغة في محيطه، وليس فقط الدول المشتركة معه في الحدود، بل يتمدد المحيط ليصل إلى أبعد من إيران وباكستان واليمن والجزائر، حتى أن الكيان يمنع تصدير أسلحة متطورة لكل من الإمارات والسعودية المقربتين له، خشية انفلاب سياساتهما في أي وقت، وترفص أن يكون لهما برامج نووية سلمية.

إن توسيع الكيان لدائرة العداء، تحت ضغط الرعب من تحولات مستقبلية، والسعي إلى منع أي تقدم علمي أو تقني في محيطها المتسع سوف يدخل الكيان في عداءات وصدامات منهكة، وتقوده إلى عدوانية أشد، رأينا نموذجها في غزة، ونتيجتها أن دولة مثل اليمن المحاصرة والفقيرة تمكنت من دك تل أبيب وحيفا والقدس وإيلات والنقب، وقبلها طلبت وقف الحرب التي بادرت بها على إيران بعد 12 يوماً، رأت فيه ما لم تره من قبل، وصواريخ فرط صوتية تنهال على مدنها، مخترقة عفة قبتها الحديدية، واستنزفت مخزونها من الصواريخ، وانكشف الكيان عسكرياً، لولا التدخل الأمريكي وطلب ترامب وساطة بوتين في وقف الحرب.

إن الكيان الذي استطاع أن يحتل غزة في حربي 56 و67 في ساعات قليلة، فشل في السيطرة عليها طوال عامين، استخدم خلالهما أعتى الأسلحة، بما فيها التجويع وضرب المستشفيات ومحطات المياه والكهرباء وتدمير شامل للمساكن. وتصور أن الكيان اقتلع المقاومة في غزة أو لبنان بعيد عن الحقيقة كثيراً، أما القفز إلى الأمام في حروب استباقية أوسع تشمل كل محيطه الإقليمي فسوف يعجل بنهاية هذا الكيان.

كاتب مصري

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.