السيد الشهيد.. العابر لحدود الطوائف والوطن
ربما لم يشهد تاريخ لبنان الحديث شخصية استثنائية كتلك التي جسدها الشهيد السيد حسن نصر الله (قدس) على امتداد أكثر من 30 عامًا، فالقائد الذي ظلّل لبنان بحكمته وشجاعته ووطنيته وقوته، لم يستثن طائفة دون أخرى أو بقعة جغرافية دون سواها، ولم يتوقف عند حدود بلاده وشعبه، بل حمل هموم الأمة العربية والإسلامية في قلبه وفكره، ودافع عنها طيلة حياته.
على امتداد تاريخه الجهادي والقيادي، جسد السيد الشهيد (قدس) مفهوم الهوية الوطنية الجامعة، في الوقت الذي كان يفتقر فيه اللبنانيون لهذا المفهوم العميق بفعل تاريخ من الحروب والاستعمار والنزاعات الطائفية والتدخلات الخارجية المستمرة.
وفي سياق الحديث عن مفهوم الهوية الوطنية الجامعة، والتي تعرّف بأنها الإطار المشترك الذي يوحّد أبناء الوطن الواحد بمختلف انتماءاتهم الدينية أو الطائفية او المناطقية أو الإجتماعية، ويجعلهم يشعرون بأنهم جزء من كيان وطني واحد، لا بد من الإلتفات إلى كيفية تكريس السيد (رض) لمبدأ الإنتماء الوطني وليس الإنقسام الطائفي، وقد برز ذلك في محطات ومواقف ومناسبات وخطابات كثيرة ومتعددة.
لقد جسد سماحته هذا الأمر على الساحة السياسية اللبنانية في محطات مختلفة، فعمد لرسم مسار التفاهم السياسي مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري أواخر عام 2004، حيث ارتكز هذا التفاهم على عقد شراكة كاملة تقضي الى انتاج سلطة وطنية تتوافر فيها عوامل الإستقرار الداخلي، ومن ثم وثيقة التفاهم الوطني مع الرئيس السابق ميشال عون عام 2006، والتي نصّت على بناء وطن قادر وعادل، وعلى تثبيت القناعة بالمصير المشترك وتأكيد الاعتراف بحقوق وواجبات الشريك الآخر في الوطن.
وفي هذا السياق لا بد من الحديث أيضًا عن الانتصارات التاريخية التي حققتها المقاومة في لبنان، والتي حرص سماحته على إهدائها لكل الشعب اللبناني دون استثناء، لا سيما الإنتصار الكبير في تموز عام 2006 والتحرير في أيار 2000، يضاف لذلك الخطابات التي كان سماحته يشدد فيها، وعلى نحو مستمر ومتكرر، أن لبنان “سيبقى بلدًا للوحدة الوطنية والعيش المشترك والسلم الأهلي وبلدًا للمقاومة والانتصار”.
النموذج القيادي لسماحته تخطى أيضًا حدود الوطن وشعبه، ووصل لقلب الأمة الاسلامية والعربية بكل مكوناتها، حيث لم تغب قضايا الأمة عن فكر ونهج وحياة سيد شهدائها، وهو الذي ضحّى بنفسه وروحه فداءًا لقضية الأمة الإسلامية المركزية، ألا وهي القضية الفلسطينية، في الوقت الذي تخلّت فيه الأنظمة العربية عن القضية وعن حق الشعب الفلسطيني بالحياة والحرية.
لم تكن القضية الفلسطينية وحدها محور اهتمامات وعطاءات السيد الشهيد(قدس)، فقد دافع سماحته عن حقوق الشعوب العربية بمختلف أطيافها، كقضية الشعب اليمني وحقة بالحرية والسيادة ومقاومة الاحتلال والعدوان برعاية ومطلب واشراف أميركي، فضلًا عن نصرته لانتفاضة الشعب البحريني للمطالبة بحقوقه الطبيعية ونضاله ضد سياسات الفساد والتطبيع والتآمر على القضية الفلسطينية ومقدسات الأمة، وغيرها من القضايا التي نصر فيها الشعوب العربية المضطهدة من قبل أنظمتها.
تكثر في هذا السياق إذًا الشواهد والمواقف، وتبقى الشواهد واللغة قاصرةً في جميع الأحوال عن تجسيد سيد الأمة كنموذج قيادي أممي قلّ نظيره في لبنان وفي العالمين العربي والإسلامي، لكنه يقينًا، سيُخلّد قدوة لكل الأجيال المقاومة، ونهجًا لكل إنسانٍ مجاهدٍ حرٍّ وشريفٍ على وجه هذه الأرض، وسيبقى السيد الشهيد (قدس) على امتداد تاريخ الوطن والأمة، القائد الاستثنائي العابر لحدود الطوائف والوطن.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.