الإعلام المعارض للسلاح

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

ريما فارس – خاص الناشر |

منذ سنوات طويلة والإعلام يلعب دورًا محوريًا في تشكيل الرأي العام حول القضايا الكبرى. واحدة من أكثر هذه القضايا حساسية في لبنان هي قضية السلاح، وبالأخص سلاح المقاومة. في خضم هذا النقاش، يبرز إعلام يكاد يكون مخصصًا لمعارضة السلاح، لا يكتفي بطرح الرأي، بل يبني خطابه على أجندة سياسية واضحة، محاولًا تجييش الجمهور ضد فكرة امتلاك السلاح خارج إطار الدولة.

هذا الإعلام يحصر القضية في شعارات منمقة: “الدولة وحدها تحمي”، “لا شرعية إلا لسلاح الجيش”، “القرار بيد السلطة”. لكن خلف هذه الشعارات تختفي أسئلة أعمق: ماذا عن واقع الدولة نفسها؟ هل تملك فعلًا القدرة على حماية الحدود؟ وهل تجارب الماضي كانت لتثبت صمود لبنان لو لم يكن هناك سلاح رادع؟

يُلاحظ أن الإعلام المعارض للسلاح يتبنى خطابًا قطعيًا، يرفض الاعتراف بخصوصية الجغرافيا اللبنانية، ولا يلتفت إلى التهديدات اليومية التي يفرضها العدو، فيتحول من إعلام رأي إلى إعلام تعبوي، أقرب إلى أداة سياسية في معركة داخلية وخارجية على السواء. والأخطر أنه يختزل أزمات البلد الاقتصادية والمعيشية المعقدة في عنصر واحد: السلاح، فيصبح كل فسادٍ وإفلاس واحتكار، وكأنه نتاج وجود السلاح وحده، متجاهلين سنوات طويلة من سياسات مالية ومصرفية كارثية.

لكن المفارقة الكبرى لا تظهر في الداخل فقط، بل في الخارج أيضًا. فمن يتابع الحركة الدبلوماسية الأميركية إلى لبنان يلمس حجم التناقض. المبعوثون الأميركيون باتوا ضيوفًا شبه دائمين على بيروت، يأتون تارة للضغط وتارة للتفاوض وتارة لامتصاص التوتر. السؤال هنا: إذا كان الحزب انتهى كما يردد الإعلام المناهض للسلاح، فلماذا ترتجف واشنطن وتضاعف حضورها في لبنان؟ ولماذا كل هذا الاستنفار عند أي توتر على الحدود؟

الجواب واضح: لأن السلاح الذي يحاول الإعلام تصويره كعبء داخلي هو نفسه الذي تعتبره واشنطن وتل أبيب الخطر الأكبر، والورقة الأهم التي تغيّر موازين المنطقة. فلو كان مجرد “وهم إعلامي”، لما استدعى كل هذا القلق الأميركي، ولما تحوّل لبنان إلى محطة مفضلة للمبعوثين والوسطاء.

هنا يفضح الخارج ما يخفيه الداخل: بينما يحاول الإعلام المحلي إقناع جمهوره أن المقاومة فقدت رصيدها وانتهى زمنها، يكشف الارتباك الأميركي أن هذا الزمن في أوجه، وأن السلاح ما زال حاضرًا بقوة في المعادلة، وأنه مصدر القلق الأول للعدو قبل غيره.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد