حين يُدان المقاوم ويُتغاضى عن المعتدي

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

القاعدة في العلاقة بين البطريركية الأنطاكية الكاثوليكية المارونية وبين الجنوب والجنوبيين، من غير الجنوبيين المسيحيين، هي عدم التعاطف معهم إلا من باب الواجب الرسمي في المناسبات، التي هي مناسبات حزينة في الأعم الأغلب. أما القاعدة في العلاقة بين هذه البطريركية وبين عملاء العميل لحد الفارين إلى فلسطين المحتلة، في علاقة المحبة والود والتعاطف، إلى حد زيارتهم في فلسطين المحتلة ومباركتهم والدفاع عن “قضيتهم العادلة”، وتذكّرهم في المناسبات الحزينة والسعيدة.
أفضل حال يكون عليه البطريرك الراعي حين ينطلق في انتقاد حزب الله، دون مواربة ولا مجاملة، كحديثه أمس الثلاثاء إلى قناة العربية، المتخصصة في هذه الأيام وزميلتها الحدث في استضافة مسؤولي وشخصيات الصف الأولى من أصحاب المواقف المعادية لحزب الله وسلاحه.

ولأنني لا أحب المقالات الطويلة، ولأن نفَسي قصير في الكتابة، أود التعليق على بعض ما ورد في كلام البطريرك الراعي في المقابلة المذكورة، ولن أطيل.

يقول البطريرك بشارة الراعي إن “أبناء الطائفة الشيعية سئموا الحرب ويريدون العيش بسلام”، وهذا كلام حق، فأبناء الطائفة الشيعية أبناء الطائفة التي تعرضت أكثر من غيرها إلى الحرب والعدوان فقُتل أبناؤها وجُرحوا وتشردوا ونزحوا وأُخرجوا من ديارهم، ودُمرت منازله وخُرّبت أرزاقهم من بداية الوجود الصهيوني الإرهابي في فلسطين المحتلة. بمن المؤكد أنهم سئموا الحرب ويريدون العيش بسلام. وأي إنسان واعٍ لا يريد العيش بسلام؟ لكم من أين يأتي السلام وكيف؟ هل يأتي السلام بالسكوت على احتلال إسرائيل لجنوب لبنان؟ وهل يأتي السلام لبلد ما وهو محتلّ؟ ألم تكونوا تطالبون بخروج الجيش السوري “المحتل” من لبنان ليعمّ السلام؟ بل صدحتم بهذا الطلب بينما قلما طالبتم بخروج جيش العدو الإسرائيلي من لبنان. أم أن مناطقكم أعز عليكم من الجنوب؟ ولا أحتاج إلى إجابة، فهي واضحة وضوح حق الجنوبيين في العيش بسلام.

من أين يأتي السلام؟ من التعاطف مع العميل أنطوان لحد في حياته وفي مماته، والدعوة إلى العفو عن عملائه بينما ينص القانون اللبناني على وجوب معاقبتهم؟

من أين يأتي السلام إن لم يكن بتحرير الأرض وبذل الدم، كما بذل السيد المسيح عليه السلام نفسه ودمه (كما في كتابكم المقدس) لأجل أبناء الأرض؟ إلا إذا كان السلام يأتي بالخضوع والخنوع للعدو، والسكوت على إذلاله وإرهابه وهذا ما لا ترضاه لا شرائع السماء ولا قوانين الأرض.

الشيعة أكثر الناس إرادة ورغبة في السلام، لكن ليس مع عدو يرونه، ولا يراه غيرهم، معتديًا مغتصبًا للأرض، ذا عقيدة توسعية إجرامية لا يقر لها قرار بغير العدوان.

ثم يقول البطريرك إن حزب الله جرّد المقاومة من معناها الحقيقي، فما هو معناها بنظرك؟ كيف يكون شكله وطعمه ولونه ورائحته؟ ومَن يحدد هذا المعنى؟ المتفرجون على الكراسي أم الموجوعون المتألمون المحتلة أرضهم المعتدى عليهم ليلًا ونهارًا؟ هل معنى المقاومة الصراخ في وجه العدو، ورمي حبات البندورة عليه، واستجداء انسحابه من الجنوب بقرارات الأمم المتحدة التعيسة؟ هل معنى المقاومة أن يدير حزب الله الخد الأيسر للعدو بعد إدارة الدولة الخد الأيمن؟ أم معنى المقاومة إقامة الصلوات في الكنائس والمساجد والدعاء طلبًا لخروج العدو من الجنوب والكف عن اعتداءاته؟

ونصل في كلام البطريرك إلى إيران، الطبق الشهي على كل الموائد، فإيران “تتدخل في الشأن اللبناني”، وكأنه لم يتدخل في الشأن اللبناني أحد من بلاد الواق واق وصولًا إلى سكان المنطقة المجهولة خلف حدود القطب الجنوبي!. نعم، تتدخل إيران في كل ساعة في الشأن اللبناني، فتمنع الطائرات الأميركية من الهبوط في مطار بيروت، وترسل موفديها، نساءً ورجالًا، مدنيين وعسكريين، ليقابل أصغر موظف لديها أصحاب أعلى المناصب الرسمية لدينا، ويأمر بعضُهم وينهى، ويوصي بالتواصل مع فلان أو جهة في لبنان، ويمنع التواصل مع فلان أو جهة في لبنان، بل يصل الامر إلى استدعاء الوزراء اللبنانيين إلى مبنى السفارة الإيرانية لتوجيه التوصيات والأوامر إليهم.

عن أيّ تدخّل إيراني تتحدثون؟ عن التواصل مع الدولة اللبنانية بصورة رسمية والعرض عليها تزويدها بالكهرباء والوقود والسلاح للجيش وغير ذلك من مساعدات، أم عن التواصل مع حزب لبناني تحترمه إيران ويحترمها، لا تأمره ولا تنهاه، ولا تفرض عليه ولا ينصاع لها، في حين لطالما انصاعت شخصيات وأحزاب لدول عربية وغربية؟

في كلام آخر للعربية، في المقابلة نفسها، يدعو البطريرك الراعي إلى نزع سلاح حزب الله وتسليم مسؤولية الحماية للجيش اللبناني.

هذه النقطة تحدث وكتب عنها كثيرون، لكن باختصار أسال البطريرك الراعي: أي عاقل يسلم سلاحه وفي أرضه وعلى حدوده عدو مثل إسرائيل، بينما جيشه الوطني غير جاهز وغير مسلح كما يجب للدفاع عن الوطن؟ هل أترك بيتي للسارق وأتخلى عن بندقيتي لأن هناك بلدية وقوى أمن واجبها حماية بيتي لكنها ممنوع أن تتزود بما تحميه به؟

غبطة البطريرك،
المقاومة لم تسرق أموال الكهرباء، ولم تبدّد مليارات “سيدر”، ولم تحوّل الدولة إلى مزرعة طائفية. المقاومة لم تغلق المدارس الرسمية ولا المستشفيات الحكومية، ولم تعجز عن جمع النفايات من شوارع بيروت. هذه كلها من إنجازات الدولة التي تطالبون الشعب أن يسلّمها سلاحه ويثق بها.

غبطة البطريرك،
حين كان الجنوب يحترق تحت قصف إسرائيل، لم نرَ بطريرتكيتكم تناشد العالم لوقف العدوان، وحين اجتاح العدو بيروت، لم نسمع صوتًا عاليًا بقدر الأصوات التي تُرفع اليوم ضد المقاومة.

غبطة البطريرك،
المقاومة ليست هواية يحبها الشيعة وباقي المقاومين، هي نهضة وطنية بوجه محتلّ لا يفهم سوى لغة القوة. تقولون إن الجيش يحمي، نعم، هذا صحيح، الجيش يحمي بقدر ما يُسمح له، لكن المقاومة هي التي ردعت، ردعت في عام 1993 وعام 1996 وحررت في عام 2000، وكسرت العدو في عام 2006 ومنعته من احتلال قرى الشريط الحودي في عام 2024.

غبطة البطريرك،
المسيح الذي تتحدثون باسمه طرد تجار الهيكل وواجه الظالمين، ولم يطلب من الناس أن يواجهوا العدو عزْلًا وأن يثقوا بدولة فاشلة وفاسدة.

المقاومة باقية ما دام الاحتلال باقيًا، وما دام هناك من يفضّل إدانة المقاوم والتغاضي عن جرائم العدو.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد