التنازل عن السلاح.. نقاش في الموانع

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

قد تكون عبارة التنازل عن السلاح، سلاح المقاومة، تعبيرًا أدق من تسليمه، فنحن هنا امام حالة تراجعية، تتّجه نحو خسارة أهم نقطة قوة حافظة للكيان اللبناني ولوجوده، ومانعة لإلحاقه بأصغر موظف استعماري في منطقتنا. ونقصد بخسارة، ما يشهده واقع تسليم بعض الأسلحة للجيش اللبناني الذي يقوم بتلف هذه الأسلحة وتدميرها، رغم اهميتها وقوتها، والجيش فاقد للإرادة هنا، ومرتهن لقرارات الإدارة الأميركية، على الاقل، في هذه الجزئية التي تهمنا، وأما الأسباب فلسنا بوارد مناقشتها في هذه المساحة الضيقة، وقد نفرد لها بحثًا مستقلًا، وهو مرتبط حكمًا بإستراتيجيات الاستعمار الذي يدأب على التغلغل في الادارات المحلية، وبكل اختصاصاتها، ليحقق أهدافه المرجوة، في ظل واقع قلما تجد فيه ما يمكن الركون والاستناد إليه، في دولنا العربية والإسلامية، ولبنان منها حكمًا.

تقضي الخطة الإسرائيلية، وفق وثيقة عوديد ينون عام 1982، إلى تفتيت الدول العربية إلى دويلات صغيرة على أسس طائفية وعرقية، وتعزيز الانقسامات، لضمان امن “إسرائيل” وتفوقها وتوسعها في أي اتّجاه تراه مناسبًا، وبما يحقق حلم “إسرائيل” الكبرى، ولا يكون هذا الحلم بوجود جيوش عربية قوية، أو منظمات مقاومة ومسلحة مناوئة لهذا المشروع، ولهذا يتم التركيز على التنازل عن السلاح بالحرب والقصف والاختراقات الأمنية، أو بالضغوط السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، أو بسياسة الإغراق في حروب داخلية تضمن استخدام السلاح بين هذه القوميات والطائفيات بعيدًا عن الصهاينة.

الحالة اللبنانية المرعبة للإسرائيلي، شكلت دائمًا هاجسًا له منذ غرقه في الوحل اللبناني في اوائل ثمانينيات القرن الماضي، فلم يترك وسيلة الا واستعملها للقضاء على أي فرصة تسلح، ومنع تشكّل قوى قادرة على مواجهته عبر تملكها للقدرات البشرية والمادية، وعندما أصبح حزب الله مقاومة يُحسب لها من الحساب أكبره، جمع عليه كلّ استخبارات العالم الكولونيالي والنيوكولونيالي، يُضاف إليه استخبارات دول الخيانة العربية، وأطلق عملية عسكرية لا تستطيع دول بكلّ مقدراتها تحمل اعبائها، ولسنا نبالغ، فقد نفرد ايضًا لهذه القضية مساحة مستقبلية.

إحدى نتائج هذه الحرب، كانت على صعيد السياسة، حيث استطاع العدوّ الإسرائيلي، وعبر الولايات المتحدة الأميركية، ان يوصل فريقًا لطالما كان محسوبًا عليهم، وأن يزيد حضوره في هيكل الدولة، مع ارتطامه بحائط التمثيل التوافقي لكل الطوائف فلم يستطع اقصاء الطائفة الشيعية، وهي الأبرز من بين الطوائف التي تحمل مشعل المقاومة والتحرر، وهذا ليس انتقاصًا من الطوائف الكريمة الباقية، ولكن يستلزم توصيف الواقع التجرد في مقاربته.

من هنا بدأ الأميركي ومعه حلفاؤه، بعزف سمفونية حصرية السلاح بيد الدولة، والمطالبة بالتنازل عمّا تبقى من سلاح المقاومة، وأعتقد انه بمستوى كافٍ للدفاع عن لبنان وعن وجودها تحديدًا، وإلا لما تم الاهتمام به من قبل الأميركي، ولا مشكلة بالاحتفاظ بالسلاح العادي، فهو موجود في كلّ لبنان ومع كلّ الاحزاب والتيارات.

لا تستطيع “إسرائيل” وأميركا واداوتهما في الداخل سحب السلاح، الا عبر حرب برية مع غطاء جوي، وقد تغرق المنطقة على مصراعيها في اتون اقتتال دام، والكل سيخسر واولهم الإسرائيلي، ولهذا يتم اللجوء إلى فكرة الدولة، وانها هي من تحمي الشعب وتؤمن له الامان، وهذا الحديث ليس الا هراءًا في أيامنا، ونحن نرى ان الجيش اللبناني والدولة ليسا قادرين على حماية نفسيهما من أي اعتداء إسرائيلي، يعني وبالعربي “المشبرح” ” لا بيقدر يدافع، ولا بدو حدا يدافع، ولا بزيح من درب المدافعين”.

من الغباء بمكان، ان يعتقد أهل السياسة، ممن هم من ملحقي السفارة الأميركية، ان قضية التنازل عن السلاح، قضية تكتيكية، تخضع لحسابات ميدانية هنا أو هناك، وأن القرار المتعلّق بها، “كبسة زر” في غرفة القيادة، وصلى الله وبارك. القضية عميقة وخطيرة وما فوق إستراتيجية، تخضع لعناوين تبدأ بالبعد العقدي والفقهي عند المسلمين تحديدًا ولا تنتهي عند البعد العقلائي عند العقلاء على امتداد المعمورة.

أما الموانع فهي:
1.المانع العقدي: نعتقد نحن كمسلمين، أن الحدود الجغرافية المصطنعة، لا تشكّل هوية الإنسان، وأن هذه الهوية تدور في فلك محورية الله، حيث الانتماء لجبهة الحق على امتداد الأرض، وأن المظلوم في اقاصي هذه الأرض، يجب أن يكون مستهدفًا بالدعم والنصرة من قبل المسلمين، ولهذا ومع وجود المظلومين الكثر من اخوة الدين والإنسانية، تصبح قضية امتلاك القدرات وعلى رأسها السلاح هدفًا جوهريًا في حركة هؤلاء، يُضاف إلى ذلك عامل الانهيارات القيمية والخيانات بالجملة التي يعيشها هذا العالم عامةً والعرب والمسلمون خاصةً.

2.المانع الفقهي: يُسأل الفقهاء والمراجع، عن امور ابتلائية فردية بسيطة، كالطهارة، وبالتأكيد يُسألون عن امور ايضًا ابتلائية مجتمعية كبيرة، مرتبطة بدين المجتمع، ووجوده، وكرامته، وتأتي اجابات هؤلاء الاعلام انطلاقًا من المصلحة الكبرى التي تحفظ آخرة هذا المجتمع، وضمان عدم خسارته لها، بمعزل عن التضحيات الجسام، منطلقين من التشريع الالهي الذي يرفض للمؤمن أن يكون مذلولًا حتّى لو ضحى بحياته، وهو الميت على أي حال كما الجميع ميتين. وليست حركة الامام الحسين عليه السلام، ونحن نعيش ذكراها، الا تجسيدًا لرفض المهانة والذل والارتهان إلى الظالم والمفسد والخائن.

3.المانع العقلائي: كثيرة هي التجارب عبر التاريخ التي تحكي لنا قصص اناس تخلوا عن اسلحتهم، فدارت بهم الدوائر، وابيدوا وشردوا، ولو احتفظوا بأسلحتهم وقدراتهم، لكانت احتمالية بقائهم أعلى، وان ماتوا فبعز وشرف وليس كالنعاج، ومن هذه التجارب:
1.مجزرة وادي الركب الجريح عام 1890، حيث سلم قبائل من السكان الاصليين في القارة الأميركية سلاحهم مقابل ضمانات بالسلام وتوفير الحماية فتم قتل الالاف من الرجال والنساء والأطفال.
2.مجزرة سربرنيتسا عام 1995: سلم المسلمون البوشناق اسلحتهم، بعد ضمانات حمايتهم من قبل الأمم المتحدة، فدخلت القوات الصربية وقتلت 8000 رجل وصبي، واغتصبت آلاف النساء في مشهد يندى له جبين الإنسانية.
3.الايزيديون في سنجار 2014: انسحب مقاتلو البشمركة من سنجار والمكلفون حماية المنطقة، وتم إقناع السكان بعدم الحاجة للسلاح بعد الانسحاب، فاجتاح تنظيم داعش المنطقة، وقتل وسبى الآلاف في جريمة توصف بالإبادة الجماعية.
4.العلويون في سورية 2025: لم يعملوا على التسلح لحماية أنفسهم، بل ان بعض مجموعاتهم سلمت السلاح للنظام الجديد، فارتكبت جماعاته إبادة بحقهم، لم يُعرف إلى الآن اعدادها بدقة، ولكنها اعداد تقدر بالآلاف.

اكتفي بهذا المقدار، وهناك حالات كثيرة، لا يتسع المقام لذكرها، وانتم اعزائي القراء تعرفونها، كقضية المختار الثقفي، وصبرا وشاتيلا، وانا اسمعها منكم في الكثير من الصالونات الفكرية.
يقول الامام علي بن أبي طالب: “السعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ به غيره”.

4.المانع التنظيمي: هذا مانع خطير، وقد تردّدنا في ذكره، ولكن من باب الحرص، كان لا بد من تناوله، ابتغاء مصلحة البلد والمقاومة، فقضية التنازل عن السلاح، وإن افترضنا وجود من يقتنع بها من داخل التنظيم، أي ضمن تشكيلات المنظمة، فإن معارضي الفكرة سيكونون ايضًا موجودين وسيقفون بوجه الفئة المقتنعة بالتنازل، وهذا سيؤدي إلى صراعات داخلية، قد تؤدي إلى تشظي المنظمة وانهيارها، وإن بقيت فستكون شكلًا فقط، وهذا سيمهد إلى انشقاق الصف الشيعي أولًا ومن بعده الصف المقاوم.

نكتفي بذكر هذه الموانع، وهي كافية لاستبعاد فكرة التنازل عن السلاح، مهما علت أصوات الابواق، الذين يريدون إقناعنا ان وجود السلاح والمقاومة هو المسبب لوجود الاحتلال، لا العكس، وأن العدوّ سيحترم دولتنا المستقلة ان فرطنا بهذا السلاح، وسننعم بالرفاهية والحياة الكريمة والعز.

كم هم واهمون؟ كم هم اغبياء؟ كم هم عملاء؟ السلاح سيبقى ليحمي شرفنا وكرامتنا ووجودنا، وليس القصد فقط الوجود المادي البحت والذي يتشارك الإنسان مع حيوانات كثيرة، ولكن الوجود المادي مع كم كبير من الاحترام والتقدير والكرامة، وإن جنح العدوّ للحرب، وبمعزل عن نتائجها، فإن المقاومة وأهلها سينالون شرف السعي للتحرر، وتدوين أسمائهم ممن عملوا لأجل الله والإنسان، فكسبوا الرضا وبراءة الذمة يوم يقوم الناس لرب العالمين.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد