الضربة المعاكسة: كيف قلبت إيران مخطّط الحرب إلى إعلان نصر؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

د. أكرم شمص | خاص الناشر

أولًا: مخطّط المعركة
يكشف الخطاب الإيراني عن مخطّط واسع النطاق وُضِع لتفكيك النظام في الجمهورية الإسلامية، يقوم على خطوات متسلسلة تبدأ بمحاولة اغتيال القيادة العليا، وعلى رأسها القائد الخامنئي، مرورًا بتصفية البنية القيادية العسكرية من خلال استهداف أكثر من 400 قائد في الحرس الثوري، وصولًا إلى إحداث شرخ داخلي يُفضي إلى انقلاب عسكري يُطيح بالنظام. ويتضمن المخطّط أيضًا القضاء على البرنامج النووي الإيراني، وشلّ قدرات إيران التسليحية المتقدمة، تمهيدًا لإعادة تشكيل المنطقة وفق مشروع “الشرق الأوسط الجديد” بعد إسقاط النظام. هذا المخطّط يعكس استمرار الإستراتيجية الأميركية – الصهيونية المعروفة بسياسة “الضغط الأقصى”، إلا أن صيغته الحالية تفترض مواجهة عسكرية مباشرة غير مسبوقة، إلى جانب احتمال حدوث انقلاب داخلي، وهي فرضيات تبدو أقرب إلى الطرح النظري منها إلى التحقق الواقعي ميدانيًا، رغم أنها تظل مطروحة إستراتيجيًا في أدبيات العدو.

ثانيًا: نتائج المعركة
بحسب كلام القائد الإمام الخامنئي، فقد فشلت جميع أهداف المخطّط الأميركي – الصهيوني؛ إذ لم تُفلح محاولات اغتياله، ولم يُصَب سوى عدد محدود من القادة العسكريين (15 من أصل 400)، كما لم يقع أي انقلاب داخلي، واستمر البرنامج النووي الإيراني دون انقطاع، بما في ذلك تشغيل منشآت حساسة كمفاعل بوشهر. كذلك، لم تُمسّ القدرات الصاروخية والدفاعية للجمهورية الإسلامية، وتلاشى مشروع “الشرق الأوسط الجديد” دون أن يحقق شيئًا من أهدافه. والأهم، أن إيران هي من فرضت وقف إطلاق النار دون تقديم أي تنازل. وهنا تعكس هذه المعطيات نصرًا سياسيًا وإستراتيجيًا واضحًا لإيران، إذ تُظهر أن الطرف الذي بادر إلى طلب إنهاء الحرب هو العدوّ الأميركي – الصهيوني، لا الجمهورية الإسلامية.

ثالثًا: لا استسلام لا خضوع
يشير خطاب الإمام الخامنئي إلى أن التدخل الأميركي في الحرب لم يكن بدافع الشراكة، بل نتيجة شعور واشنطن بأن العدوّ الصهيوني يواجه هزيمة وشيكة، ما اضطرها إلى التدخل العلني لإنقاذه، وهو ما يكشف -من وجهة نظر طهران- حقيقة “التحالف العدواني” ويؤكد عجز واشنطن عن إدارة المعركة من خلف الستار. في المقابل، قدّمت إيران ردها بعملية دقيقة استهدفت قاعدة العديد الأميركية ووصفتها بـ”الصفعة القوية”، في إشارة إلى قدرتها على إلحاق أذى مباشر بالقواعد الأميركية دون أن تتكبد خسائر تُذكر، مما يُضعف مفعول الردع الأميركي التقليدي. بالتوازي، شدد الخامنئي على وحدة الجبهة الداخلية الإيرانية، حيث وقف الشعب كتفًا إلى كتف خلف القوات المسلحة، في رسالة تؤكد تماسك النظام واستعداده لخوض معارك طويلة دون أن يتأثر بالضغوط أو العقوبات.

رابعًا: المستجدات ما بعد الحرب
يشير تحليل مجريات ما بعد المواجهة إلى تحولات نوعية تثبت أن إيران لم تكن في موقع المتلقي للضربات، بل انتقلت إلى موقع المبادر والمسيطر. فطلب الولايات المتحدة وقف إطلاق النار، بعد فشلها في تحقيق أهدافها، يؤكد أن زمام المعركة خرج من يدها. وقصف المدن الصهيونية وتدمير البنى التحتية الحيوية شكّل ضربة مباشرة لصورة الردع التي طالما روّج لها العدو، في ما يعكس الاختراق السيبراني الإيراني مستوى متقدمًا من القدرة الاستخباراتية الهجومية، ووصل إلى عمق البنية الأمنية الصهيونية. وتزايد الهجرة اليهودية المعاكسة ليس تفصيلًا ثانويًا، بل مؤشر نفسي – اجتماعي خطير يكشف عن تصدع في ثقة المستوطنين بكيانهم. في المقابل، جاءت وحدة الجبهة الداخلية الإيرانية كعامل مضاعِف للردع، ورسالة بأن النظام يحظى بغطاء شعبي صلب. كذلك، فإن تعزيز موقع إيران في المفاوضات النووية المقبلة، وتصفية العملاء والجواسيس داخليًا، يؤكد أن الجمهورية الإسلامية لم تخرج من المعركة كما دخلتها، بل أكثر قوة وصلابة، وإن ما حصل لم يكن مجرد إفشال لمخطّط، بل إعادة رسم لخرائط التوازنات في المنطقة، وتثبيت لحقيقة أن إيران باتت الطرف الذي يفرض شروط النهاية، لا الطرف الذي يُجَرُّ إليها.

خامسًا: البعد السياسي والإعلامي
يتسم الخطاب الإيراني في هذه المرحلة بسمات تعبئة إعلامية مدروسة ومتقدمة، تعكس بوضوح حجم التحول الإستراتيجي الذي فرضته الجمهورية الإسلامية في ميدان المواجهة. فقد جرى تصوير إيران لا كطرف نجا من الحرب، بل كمنتصر فرض إرادته وأعاد تعريف معادلات القوّة في المنطقة. واستخدام لغة سياسية تستحضر مشهد ما بعد الحرب العالمية الثانية ليس صدفة، بل مقصود لترسيخ فكرة أن ما جرى ليس مجرد جولة صراع، بل لحظة مفصلية تُفرض فيها الوقائع ولا تُناقش. كما أن تعميم رمزية “الصمود والثبات العقائدي” يعزز البُعد العقيدي والسياسي للانتصار، ويكرّس صورة الجمهورية الإسلامية كقوة تستمد مشروعيتها من تماسكها الداخلي وصلابتها في وجه الحصار والعدوان. وإذا كانت بعض الخسائر في الأرواح والممتلكات وكذلك الاختراقات الأمنية والاستخباراتية لم تُعرض تفصيليًا، فذلك لا يقدح في صدقية الرواية الإيرانية، بل يعكس طبيعة الحرب غير المتكافئة التي تخاض بمعايير جديدة، تتجاوز الأرقام إلى التأثير والنتائج. أما فشل مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، فرغم جذوره الدولية العميقة، إلا أن الضربة الإيرانية الأخيرة عرقلت آخر محاولات فرضه بالقوّة، ما يجعل هذا الانتصار حلقة مفصلية في مسار إفشاله المستمر.

سادسًا: الموقف النهائي
تصريحات الإمام السيد علي الخامنئي، التي جاءت في توقيت حساس وبعد معركة بالغة التعقيد، لا تندرج في إطار رد فعل عابر، بل تعبّر عن موقف إستراتيجي حاسم ينقل الصراع إلى مرحلة جديدة. فهي ليست فقط إعلانًا عن إفشال مخطّط عدواني كبير استهدف رأس النظام ومفاصل الدولة، بل هي بيان نصر شامل يؤسس لنهاية زمن ما يُسمى بـ”الردع الصهيوني”، ويعلن أن الجمهورية الإسلامية باتت قوة مقرِّرة، لا فقط مقاومة.

والرسالة الأساسية في هذا الخطاب أن الردع لم يعد كافيًا، بل إن طهران باتت تملك القدرة على نقل المعركة إلى أرض الخصم، سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا. ولقد انتقلت إيران من مربع الدفاع وردّ الفعل، إلى موقع المبادرة وصياغة الوقائع الجديدة، وتحديد شروط الاشتباك وحدود المسموح والممنوع.

بهذا المعنى، فإن الجمهورية الإسلامية اليوم، وبعد هذه المواجهة، لم تعد مجرد طرف إقليمي فاعل، بل طرفٌ ضامن للتوازنات ومُعادٍ لأي مشروع للهيمنة. هي باتت قوة لا يمكن تجاوزها أو القفز فوقها في أي معادلة، سواء كانت أمنية أو نووية أو حتّى جيوسياسية. وما يؤكده الخطاب أن الهيمنة الأميركية – الصهيونية على مفاصل القرار في المنطقة لم تعد حقيقة ثابتة، بل أصبحت وهمًا يتهاوى تحت ضربات محور المقاومة الذي تقوده إيران بثقة وثبات.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد