لبنان في عين العاصفة… وحكومة تنتظر “تفهّم” العدو

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

فعلاً، نحن في عهد جديد في لبنان. لا نعرف من أين يبدأ، لكننا نعرف تماماً إلى أين يُراد له أن يصل. عهدٌ كأنّه فصل جديد من كتاب أميركي قديم، كُتب في تل أبيب ومُرّر عبر واشنطن. عهدٌ يتقن الخطابة، ويبرع في إطلاق البيانات، ويتجنّب الفعل السياسي الحقيقي كما تتجنّب الدولة العدو حين يخترق سماءها ويغتال أبناءها.

لبنان اليوم لا يواجه “أزمة”، بل يعيش في منطقة تماسّ مكشوفة. اعتداءات إسرائيلية شبه يومية، طائرات مسيّرة ترسم مشهد السيادة بالخط الأحمر، وقذائف على الحدود لا تردّها البيانات ولا تُسكتها الوساطات. كل ذلك فيما السلطة، تلك التي تدّعي “الواقعية السياسية”، تراهن على أن الضغط الأميركي سيقنع إسرائيل بـ”ضبط النفس”. نعم، الرهان هو على العدو… أن يُشفِق.

لكن واشنطن، كالعادة، لا ترى في لبنان أكثر من صندوق بريد إقليمي، تُسلّم فيه الرسائل وتُترك فيه الألغام. أما الحكومة، فتصرّ على اللعب بقواعد “الشرعية الدولية”، كمن يلعب الشطرنج على طاولة متحرّكة، تحت قصف الطيران الحربي.

دبلوماسية العجز: من “مروحة اتصالات” إلى حائط مسدود

يُحكى أن في بيروت دبلوماسية. هكذا يقول الناطقون باسم العهد، وهم يستعرضون مروحة اتصالات تبدأ من باريس وتنتهي عند صمت واشنطن. لكن هذه الدبلوماسية، التي لم تتقن حتى اليوم فنّ الردّ، تكتفي بتدوين الاعتداءات ورفعها إلى مجلس الأمن، كما لو أن أرواح المدنيين قابلة للتقسيط في محاضر اجتماعات دولية.

وما بين زيارة وزير إلى الخارج وعودة وفد من الداخل، يُكتب بيان ويُذاع تصريح، في مشهد يشبه حلقة من مسلسل سياسي مملّ. ديبلوماسية مربكة في الشكل، عاجزة في المضمون، لا تملك من أدوات الردع سوى الانتظار، ومن أوراق الضغط سوى شعارات “الحياد” التي لا تحمي وطناً ولا تردع عدواناً.

أمن الجنوب بين التدويل والتفكك

منذ أشهر، والجنوب في حالة استنزاف: ضربات إسرائيلية، اغتيالات موضعية، وعمليات نفسية عبر الإعلام. كل ذلك على مرأى من “اليونيفيل”، التي لم تعد أكثر من عنصر مراقبة مشلول، يراقب الخراب ويعدّ الضربات.

فأين الدولة من كل هذا؟ في اجتماعات مغلقة، تبحث “السبل الممكنة” لحماية الحدود، وكأن السيادة قرار دولي يُصوّت عليه في نيويورك. المطلوب واضح، لكن الإرادة غائبة: لا سياسة دفاعية موحدة، لا قرار بمواجهة سياسية في المحافل الدولية، ولا حتى نية بتحميل إسرائيل ثمن جرائمها أمام المحاكم المختصة. فقط صمت، وتذاكٍ، وبيانات.

أين الإنجاز؟

الشارع اللبناني، الذي أنهكته الأزمات الاقتصادية والنقدية، لم يعد ينتظر من حكومته معجزة. لكنه على الأقل يطلب منها موقفاً. موقفاً يُعبّر عن الحدّ الأدنى من الكرامة الوطنية، من الانتماء إلى وطن يُضرب ويُهان كل يوم. فهل يصعب، على دولة تقول إنها سيّدة، أن تنتزع إنجازاً واحداً في مواجهة إسرائيل؟ حتى موقف الرفض لم تعد تجرؤ عليه علناً، إذ تخشى أن يُفهم على غير ما يُراد في واشنطن.

خلاصة القول: نحن في عين العاصفة، لكن الحكومة في حالة انتظار.

لا مشروع سيادي، لا خطة وطنية، لا تحرك فعلي على الأرض أو في الخارج. كل ما لدينا هو سلطة تتعامل مع الاعتداءات كما تتعامل مع الأزمات المالية: بالتبرير والتمني والتهرّب من المسؤولية. والمفارقة أن “العهد الجديد”، الذي وعد بحماية الوطن، صار يطلب الحماية من الخارج، ولا يجد في ترسانة سيادته سوى عبارة “نُدين بشدة”.

أما إسرائيل، فتمضي في غيّها، مطمئنة إلى أن بيروت الرسمية مشغولة ببيان جديد، وأن الضجيج اللبناني، مهما علا، لا يُخيف.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد