شهادة السيد الأسمى بين حزنَين..

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أقرأ أحيانًا في وسائل التواصل الاجتماعي نصوصًا متألمة حزينة تتحدث سماحة سيدنا العظيم الشهيد السيد حسن نصر الله رضوان الله عليه، وهذا أمر طبيعي ومنطقي أن نكتب ونرثي أحد أعظم عظماء الأمة لا سيما في هذا القرن الذي يشكو من قلة العظماء فيه، بعد تتالي الانهيارات الأخلاقية والإنسانية في نفوس وضمائر الكثيرين ممن المفروض أنهم من كبار ورجال هذا الأمة، على فرض أن نفوس الكثيرين وضمائر الكثيرين منهم كانت ذات أخلاق وذات بُعد إنسانيّ.

الحزن والرثاء أمران من طبيعة النفس الإنسانية، لا سيما في نفوس مجموعات عانت على مر تاريخها من مصائب وآلام كثيرة، كحال المسلمين الشيعة، خاصةً منذ مصيبة كربلاء أعظم وأمّ المصائب.

المجتمع الشيعي من المجتمعات التي نُكبت طيلة تاريخها باستشهاد عدد كبير من أئمتها وقادتها ورموزها، ولذلك فهو مجتمع صار الحزن -الذي ينتقده أحيانًا بعض أبناء هذا المجتمع وكثيرون من خارجه- جزءًا من تراثه، وهو جزء فُرض عليه ولم يرِده، وأيّ مجتمع يرغب بأن يكون الحزن من تراثه؟ أو أي مجتمع يرغب بأن تكون الشهادة
جزءًا من تراثه، لأجل الرغبة في الشهادة فقط، لا في سبيل أن تكون الشهادة سبيلاً من سبل الدفاع عن الوطن والقضية؟

ولأن المجتمع الشيعي مجتمع تعود على الفقد والاستشهاد صارت لديه مناعة من اليأس والإحباط، وصار الفقد والاستشهاد متوقّعَين طالما أن خط سير هذا المجتمع يمر في منعطفات كثيرة فيها مواقف وقضايا تستوجب بذل الدم والنفس لأجلها، ومن أهم هذه المنعطفات قضية تحرير الجنوب اللبناني وفلسطين من الاحتلال الإسرائيلي.

ولقد كان قادة هذا المجتمع ورموزه يتحدثون كثيرًا عن أن أمر استشهادهم غير بعيد عن التوقعات، لأنهم يقودون المعارك والحروب ضد العدو وهم في مقدمة المقاومين، ولا يعيشون في عزلة عن بيئتهم ومجتمعهم.

لأجل كل ما ورد أعلاه، من كون المجتمع الشيعي ذو تراث عريق في الفقد والحزن، ومن توقّع استشهاد القادة، في حرب ضد أعتى وأقسى وأظلم عدو في هذا العصر، فلا يجوز أن نترك أنفسنا للحزن المحبِط الذي يدفع إلى اليأس، فإذا كان الحزن الإيجابي أحد عوامل حفظ مأساة كربلاء ليبني عليها المجتمع الشيعي أعمدة مواجهة الباطل والظلم والعدوان، فإن الحزن السلبي يجعل هذا المجتمع يعيش أجواء الحسرة والانعزال والإحباط، وهذا ما لا يريده لا الأئمة ولا القادة، ولم يستشهدوا لأجله.

غاب النبي محمد صلى الله عليه وآله، واستُشهد الأئمة قتلًا بالسيف أو السمّ، لكن حال المجتمع الشيعي اليوم أفضل من حاله منذ القرون الماضية، بفضل هذا الاستشهاد وبفضل حفظ تراث هؤلاء العظماء والسير على هديهم، واليوم يُستشهد سماحة الشهيد الأسمى، ورفاقه القادة، رضوان الله عليهم، فواجب المجتمع السير على هداهم، والتحضير والتهيئة للمستقبل المشرق بفضل الله وعونه وبهمة رجال الله الأشداء على الكفار الرحماء بينهم، وباليقين بأن الذي بعث لنا مثل هؤلاء القادة العظماء الشهداء سيبعث لنا أمثالهم، لأن الله لا يتخلى عن ناصريه، ولأن (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)، أما أن نبقى على حزننا السلبي ويأسنا وظننا أن المسيرة قد انتهت بعد رحيل سيدنا الأسمى، فأمر لا يرضاه الله لنا، ولا يرضاه لنا سيدنا، الذي علّمنا العزة والكرامة وأخبرنا أن المسيرة مستمرة، ولا يجب أن ننسى ما قاله رضوان الله عليه في خطابه في تشييع سيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي رضوان الله عليه: “هذا الطريق سنكمله ولو استشهدنا جميعًا، ولو دمّرت البيوت على رؤوسنا سنكمل المسيرة ولن نتخلى عن خيار المقاومة الإسلامية”، أو قوله: “لا يجوز أن نيأس، اليأس هو خُلق الضعفاء، هو خُلق الفاشلين هو خُلق عديمي الإرادة وفاقدي العزم”.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد