علي غبريس | خاص الناشر
في زمنٍ تتسارع فيه التحولات الرقمية، بات الشباب على تماس مباشر مع أدوات الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها “ChatGPT”، الذي أصبح بالنسبة لكثيرين مرافقًا رقميًا يوميًا في الدراسة، أو العمل، أو حتّى في التفكير. فهل هذا المساعد الذكي يخدم طموحات الشباب ويعزز قدراتهم، أم قد يسهم في تقليل اعتمادهم على التفكير النقدي والجهد الشخصي؟ في هذا المقال نسلّط الضوء على أبرز الإيجابيات والسلبيات لهذا النموذج، كما تُرى من منظور الشباب، الجيل الأذكى رقميًا والأكثر وعيًا تكنولوجيًا.
لا يمكن إنكار إيجابيات الذكاء الاصطناعي في حياة الشباب، فهو يعتبر مساعدًا دراسيًّا لا ينام، حيث إنه يستطيع مساعدة الطالب على فهم دروسه، وحلّ تمارينه، أو تلخيص نصوصه في لحظات. إنه أداة تعليم ذاتي متاحة في كلّ وقت، دون الحاجة إلى مدرس خاص، وليس محدودًا بلغة أو منهج معين بل يأخذ بعين الاعتبار احتياجات المتلقي بدقة كبيرة.
ثانيًا، إنه أداة للإبداع والكتابة يساعد الشباب المبدعين في مجالات الشعر، وكتابة القصص والمقالات أو حتّى إنتاج المحتوى الرقمي، فيجدون في ChatGPT مصدرًا متجددًا للأفكار والإلهام، بل وحتّى تحسين اللغة والأسلوب، مع مخزونه الضخم والذي يكاد لا ينفد. وأبرز مثال على هذا دخوله في مسار جوائز الأفلام القصيرة، فهناك العديد من الأفلام التي أعدت عبره مرشحة بقوة لهزيمة مشاريع دفعت عليها أموال طائلة.
ثالثًا، في تعزيز المهارات التقنية والتفكير المنطقي من خلال التفاعل مع النموذج في مواضيع مثل البرمجة، التحليل، حل المشكلات، فيتدرب الشاب على التفكير المنهجي والمنطقي، إضافة إلى سهولة الوصول للمعرفة، ففي زمن السرعة يقدم ChatGPT خلاصة المعرفة بلغة بسيطة ومنظمة، ما يعزز ثقافة “التعلّم الذكي” بعيدًا عن إضاعة الوقت في بحث مشتّت، وهو المرجع الأول من حيث المصادر والبحوث ويعطي للطامع بالمعلومات المصدر المحدّد والمخصص والجملة المنقحة التي تخدم مجاله دون ملل، بل يضيف الشوق للبحث عن معلومات أكبر وأوسع.
رابعًا: وهو تطوير اللغة والتواصل، فالكثير من الشباب يستخدمه لتحسين لغتهم الإنجليزية أو العربية أو أي لغة يريدها والتدرّب على الحوار أو إعداد العروض الشفوية والكتابية وهذا ما قلل الكلفة والوقت وسهل عملية التطوير والتحصيل بجودة أعلى.
في الجهة المقابلة، لا يخلو الذكاء الصناعي من السلبيات والمخاطر المحتملة على الشباب، فبإمكانه إضعاف الاعتماد على النفس وذلك عبر الاعتياد على تلقي الإجابات الجاهزة، ما يُضعف قدرة الشاب على البحث، والتفكير، والتحليل الذاتي، ويجعل منه مستهلكًا للمعلومة بدلًا من أن يكون منتجًا لها، مثله مثل الوجبات السريعة فهي تشبع الإنسان وتكفيه لكن كثرتها دون وعي تقضي على جسم الإنسان صحيًّا وعقليًّا تمامًا كما يمكن له فعل ذلك.
ثانيًا، وهو خطر “الكسل العقلي”، فكثرة الاعتماد على المساعد الذكي قد تقود إلى بلادة فكرية تدريجية، حيث يتوقف الشاب عن المحاولة ويكتفي بالنسخ واللصق، ما يضر بالعقل البشري الذي يمكن أن يصبح كالكتب على رفوف المكاتب التي تغطيها خيوط العناكب!
ثالثًا: ضعف الحس النقدي، فبالرغم من دقة ChatGPT إلا أنه ليس معصومًا عن الخطأ، وبعض الشباب يتلقون كلّ ما يقوله كحقائق مطلقة دون التحقق أو المقارنة. وقد شهد العديد من الناس الكثير من الأخطاء الفادحة لولا التدقيق الشخصي، حيث إن الذكاء الصناعي يمكنه اختلاق معلومات كما يريد إن لم يحدد الفرد تحديدًا دقيقًا ما يريد. أيضًا إهمال التفاعل الإنساني من سلبياته مثل أن الشباب قد ينشغلون بالدردشة مع الذكاء الاصطناعي على حساب الحوار مع الأهل أو الأصدقاء، ما يضعف مهاراتهم الاجتماعية والعاطفية ويقتل الروابط العائلية ويصبح الذكاء الصناعي الملجأ العاطفي للفرد، وهذا خطر فعلي كبير!
أخيرًا الاعتماد على المعلومات خارج السياق المحلي، فبعض الإجابات لا تراعي دائمًا الخصوصية الثقافية أو الدينية للشباب في مجتمعاتهم، مما قد يسبب لبسًا أو تضاربًا في القيم وخصوصًا في اختلاق الروايات والأحاديث والمرجعيات الدينية والأمور الشعائرية وأخذه حيّزًا معينًا في ذلك.
في الختام، المعيار هو وعي الشباب والقول الفصل لديهم، فـ “ChatGPT” أداة، ومثل أي أداة يمكن أن تكون قوة داعمة أو نقطة ضعف، حسب طريقة الاستخدام.
الشباب اليوم لا يحتاجون فقط إلى مهارات رقمية، بل أيضًا إلى وعي رقمي يوازن بين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والتمسك بالتفكير النقدي، والاجتهاد الذاتي، والتفاعل الإنساني. والذكاء الاصطناعي قد يُسرّع الأساليب، لكن الفهم العميق، والتميّز، وبناء الشخصية، تبقى مسؤولية الإنسان وحده.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.