د. أكرم شمص | خاص الناشر
تواجه عملية السلام في غزّة تعقيدات عدة، تعود بالأساس إلى مواقف الأطراف المتصارعة وأيضًا الحلفاء الدوليين. تعكس السياسات “الإسرائيلية” المتشددة، بقيادة بنيامين نتنياهو، محاولات لتعطيل أي تقدم في المفاوضات، بينما تحاول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تقديم مبادرات سلام تبدو حتّى الآن غير ناجحة. ويلعب دور محور فيلادلفيا الحدودي بين غزّة ومصر دورًا محوريًا في هذه المفاوضات، وهو ما يزيد من تعقيد الحلول المقترحة. كما تسهم الديناميات السياسية الأميركية في تشكيل الأحداث، حيث ترتبط الحسابات الانتخابية بدعم نتنياهو للرئيس السابق دونالد ترامب ضدّ منافسته كامالا هاريس.
محور فيلادلفيا: بؤرة الخلاف الرئيسي
يمثل محور فيلادلفيا شريطًا حدوديًا يمتد على طول 14 كيلومترًا بين غزّة ومصر. هذا الممر الضيق ذو الأهمية الإستراتيجية كان موضوعًا رئيسيًا في مفاوضات وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحماس. يُعتبر المحور من الناحية الأمنية شريانًا حيويًا لحركة حماس، حيث يُعتقد أن أنفاق التهريب تمتد تحته كما تزعم “إسرائيل” لتسهيل نقل الأسلحة والمواد الأخرى إلى غزّة.
منذ انسحاب “إسرائيل” من قطاع غزّة عام 2005 ضمن خطة “فك الارتباط”، ظل هذا المحور تحت سيطرة إسرائيلية جزئية، حيث لعبت مصر دورًا في مراقبة الحدود ومنع التهريب عبر الأنفاق. إلا أن “إسرائيل” الآن تطالب بالسيطرة الكاملة على هذا المحور كجزء من أي اتفاق مستقبلي، وذلك لمنع حركة حماس من إعادة التسلح. ويقول نتنياهو إن السيطرة على محور فيلادلفيا “ضرورية لضمان نزع السلاح في غزّة”.
في المقابل، تُعارض مصر هذا المطلب بشكل قاطع، حيث ترى أنه سيؤدي إلى تعقيد الوضع الأمني في المنطقة، ويضعف دورها في الملف الفلسطيني. كما تخشى القاهرة من أن تؤدي سيطرة “إسرائيل” على المحور إلى إغلاق معبر رفح، الذي يمثل الشريان الوحيد المتبقي لسكان غزّة على العالم الخارجي. ووفقًا لمصادر مصرية، فإن القاهرة أكدت مرارًا أنها سيطرت على التهريب عبر الحدود ودمرت الأنفاق التي كانت تُستخدم في تهريب الأسلحة.
خطة السلام الأميركية: التحديات والنقاط الشائكة
في إطار الجهود الأميركية الرامية لوقف التصعيد في غزّة، قدم الرئيس بايدن خطة سلام تتضمن عدة محاور رئيسية، من بينها وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس منذ هجوم 7 أكتوبر 2023، وتبادل الأسرى بين الطرفين. ومع ذلك، لا تزال الخطة تواجه عقبات كبيرة، أبرزها إصرار “إسرائيل” على الاحتفاظ بوجود عسكري في قطاع غزّة، وخاصة في محور فيلادلفيا، لضمان عدم تهريب الأسلحة إلى القطاع. هذا المطلب الإسرائيلي يواجه رفضًا قاطعًا من حركة حماس، التي ترى فيه انتهاكًا لسيادة غزّة. من جهتها، تخشى مصر من أن يؤدي ذلك إلى تقويض دورها في المنطقة وإضعاف علاقتها بالسلطة الفلسطينية وحماس على حد سواء.
تعنت نتنياهو وحساباته السياسية
من الواضح أن بنيامين نتنياهو يسعى لاستغلال الصراع في غزّة لتعزيز موقفه السياسي الداخلي. في ظل مواجهته لملاحقات قضائية بتهم الفساد، يُعد استمراره في الحكم مسألة حيوية بالنسبة له لتجنب السجن إذا تمت إدانته. لهذا السبب، يرى بعض المحللين أن نتنياهو يسعى لتمديد الحرب في غزّة لتحقيق “نصر كامل”، وهو مصطلح مبهم لم يحدد معناه بشكل واضح.
إضافة إلى ذلك، تشير بعض التقارير إلى أن نتنياهو يسعى لدعم حملة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في الانتخابات المقبلة ضدّ كامالا هاريس. وبحسب المعطيات، فإن نتنياهو قد يلجأ إلى تصعيد الصراع في غزّة حتّى موعد الانتخابات الأميركية بهدف إضعاف موقف هاريس، التي تجد نفسها في موقف صعب بين إرضاء الجالية اليهودية في الولايات المتحدة والحفاظ على دعم الناخبين العرب والمسلمين.
قدرة حماس على المواجهة بقيادة السنوار
في هذا السياق، تلعب حركة حماس دورًا حاسمًا بقيادة يحيى السنوار. على الرغم من الضغوط العسكرية والسياسية، تواصل حماس تقديم نفسها كقوة رئيسية في المعادلة الفلسطينية. خلال السنوات الأخيرة، استطاعت حماس تعزيز قدراتها العسكرية وتحقيق اختراقات في ساحة المعركة، وهو ما يجعلها لاعبًا أساسيًا في أي مفاوضات مستقبلية.
مع ذلك، تواجه حماس تحديات كبيرة في إدارة قطاع غزّة، حيث يعاني السكان من ظروف إنسانية صعبة نتيجة الحصار الإسرائيلي المتواصل. ورغم قدرتها على توجيه ضربات لـ”إسرائيل”، إلا أن الحركة بحاجة إلى إستراتيجيات سياسية لتحقيق مكاسب ملموسة، وهو ما يثير التساؤلات حول إمكانية انتقال حماس من العمل العسكري إلى التفاوض السياسي بشكل فعال.
موقف هاريس والانتخابات الأميركية
كامالا هاريس، التي تواجه انتخابات رئاسية صعبة في 2024، تجد نفسها في موقف معقّد. استمرار الصراع في غزّة، وسقوط المزيد من الضحايا المدنيين، يزيد من الضغط عليها لاتّخاذ موقف حازم ضدّ “إسرائيل”. ومع ذلك، فإن أي انتقاد علني لنتنياهو قد يؤدي إلى فقدان دعم الناخبين اليهود الأميركيين. وفي المقابل، فإن الصمت، أو المواقف غير الحازمة، قد يُضعف من دعم العرب والمسلمين الأميركيين، وخاصة في ولايات رئيسية مثل ميشيغان.
الخاتمة
تشكّل تعقيدات الصراع في غزّة ومحور فيلادلفيا تحديًا كبِيرًا لجهود السلام الدولية. وبينما تواصل “إسرائيل” تعنتها وتطالب بالسيطرة على المحور الحدودي مع مصر، تظل خطة السلام الأميركية قيد المفاوضات مع وجود نقاط شائكة متعددة. في ظل هذا الوضع، تلعب الديناميات السياسية الداخلية في “إسرائيل” والولايات المتحدة دورًا كبيرًا في تحديد مسار الصراع ومستقبله. ومع اقتراب الانتخابات الأميركية، يبدو أن الصراع سيستمر في التأثير على السياسة العالمية والإقليمية بشكل كبير.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.