دعا البطريرك الماروني بشارة الراعي بالأمس إلى إدخال ثقافة جديدة في حياتنا: محبة الأعداء. وهي على ما يبدو الخطوة الثانية بعد ثقافة الحياد التي كان يدعو إليها في المرحلة السابقة. وبدا أن الخطوة الثالثة قد تكون ثقافة القتال في صفوف العدوّ حبًّا.
بعد تسعة أشهر و١٤ يومًا من المجازر والاغتيالات والتدمير والتهجير، وجد الراعي الحلّ لكلّ هذا الألم: محبّة الأعداء، ليس فقط في سبيل وقف الحرب بل أيضًا كحلّ نهائيّ لكلّ الصراع. وقد فاته ربّما أنّ هذا الصراع هو الترجمة الفعلية للمعركة بين الخير والشرّ، بين الحقّ والباطل، وأنّ المحبّة ليست قيمة مطلقة وليست الدواء الشافي في علاج الشرور، وأنّ الانجيل يدعو الناس أن “ٱلْبسُوا سِلَاحَ ٱللهِ ٱلْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ” وأن “كُونُوا كَارِهِينَ ٱلشَّرَّ، مُلْتَصِقِينَ بِٱلْخَيْرِ”.
بعيدًا عن هذا، ولنسلّم جدلًا أن الراعي يؤمن أن ثقافة المحبّة، محبّة الأعداء، تشكّل حلًّا جذريًا للصراعات والنزاعات وأسلوبًا ناجعًا في مكافحة الشرور، فلنطرح عليه بعض الأسئلة التي وردت منذ الأمس على منصات التواصل: هل تشمل هذه المحبّة بعنايتها المواطنين الذين يعبرون عن آراء سياسية مختلفة عن التي يرعاها الراعي، والأشخاص الذين ينتمون إلى ثقافة المقاومة أم هي مخصّصة فقط للأعداء والقتلة والمجرمين؟ هل ينعم بمحبة الراعي كلّ الناس بمن فيهم الذين اختاروا أن يقاتلوا العدوّ ويحموا الأرض والعرض ويبذلوا في سبيل ذلك دماءهم وأرواحهم؟ وهل، على سبيل المحبّة، يمكن لغبطته أن يشرح مثلًا سبب منع الشيعة بشكل خاص من التملّك وحتّى الاستئجار في مناطق “المسيحيين”؟ والبعض ذهب في الأسئلة أبعد من ذلك، هل يقبل الراعي أن يواجه بالمحبّة أي اعتداء على شخصه أو بيته أو ممتلكاته، لا سمح الله؟ هل يتنازل عما يعتبره حقًّا له ولرعيته لأي جهة قد تأتي وتعتدي، لا قدّر الله، عليه وعلى رعيّته؟ بالطبع لا، فالمقاومة فطرة الإنسان، ودفاعه عن نفسه وما له بمواجهة الشرّ هو الحالة الطبيعية والتي كلّ تخلّف عنها يصبح شذوذًا عن فطرة الإنسان وطبيعته.
وبالحديث عن المحبّة وثقافتها، هل يمكن أن يحدثنا الراعي مثلًا عن مظاهرها وتجلياتها في داخل البيت “الماروني” الواحد، بحيث يشرح لنا إن كانت تشمل الموارنة المحبّين للمقاومة وحزب الله؟ هل دعا الراعي سمير جعجع على سبيل المثال إلى محبّة الناس وعدم قتلهم، على اعتبار أن الأقربين أولى بالدعوة؟ وهل باستطاعة الراعي في عظة قادمة تفسير التناقض بين طرح “محبة الأعداء” وكلّ ما يظهره من معاداة وبغض تجاه المقاومة وأهلها؟ لأن على ما يبدو، ثمّة لغط كبير في المفاهيم، دفع الكثيرين بالأمس ممّن لا تشملهم محبّة الراعي في لبنان إلى دعوته لاعتبارهم أعداء ومحبّتهم!
وبعد، ماذا لو وضعنا هذه الدعوة في سياق الأحداث التي تجري في المنطقة الآن؟ في اللحظة التاريخية التي يتكبّد فيها العدو، القاتل الهمجيّ الغارق في جرم الإبادة، والتي يستجدي فيها طريقة يحفظ فيها ماء وجهه بعد فشله في تحقيق أيّ من أهدافه بالحرب، فيطالب بمنع المقاومة كحقّ مشروع للمعتدى عليهم، أليس مريبًا أن تصدر دعوة إلى اعتماد ثقافة محبة الأعداء، كبديل عن ثقافة المقاومة؟!
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.