نديم ناصر – خاص الناشر |
أضاعت “جبهة النصرة” التكفيرية البوصلة مجددًا. لا تشخيص سليماً للجبهة، ولا انشغال بنصرة غزّة المتروكة لتواجه مصيرها وحدها بلا ناصر، ولتتلقى بظهرها طعنات وسهام غدر المتأسرلين، وفي صدرها جام غضب المعتدين المتوحشين. تباد غزّة اليوم على مرأى من العالم أجمع، و”جبهة النصرة” الإرهابية ليست بريئة من دمائها، لكونها توجه رصاصها على داعميها بدل أن توجهه إلى صدر العدوّ “الإسرائيلي”، والأدهى أن هجماتها تتزامن دومًا مع الاعتداءات “الإسرائيلية” على مواقع محور المقاومة في سورية.
ليس غريبًا على “النصرة” وأخواتها ذلك، فهي في عز قوتها يوم كانت على تماس مع جيش العدوّ في القنيطرة والجولان قبل دحرها من هناك، لم تطلق رصاصة واحدة على مواقع الاحتلال. يومذاك وضعت يدها بيد قاتل الغزاويين اليوم، ففلسطين ومقدسات المسلمين ليست من أولويات تلك الزمر الإرهابية التي استظلت الإسلام فيما الإسلام منها براء، وارتضت لنفسها أن تكون عميلة أجيرة لعدو شعبها لتفتيت بلدها.
التنسيق “الإسرائيلي” مع الإرهابيين في سوريا لم يعد خافيًا على أحد، فمع إزاحة الستار عن خبايا تلك المرحلة انفضح المستور، وتأكد المؤكد في تقرير لصحيفة “فورين بوليسي” بأن “إسرائيل” موّلت وسلّحت 12 مجموعة على الأقل من الجماعات المسلحة التي كان يصفها الغرب زورًا وبهتانا بـ”المعارضة السورية”، كما تأكد عبر الهجمات الإرهابية المتزامنة، التي ينفذها العدوّ الصهيوني و”جبهة النصرة” كما حصل مؤخرًا في ريف حلب الغربي، ما طرح تساؤلات جمة عن عمق العلاقات بين “إسرائيل” والجماعات الإرهابية في سورية، ومدى التنسيق الاستخباري المعلوماتي وحتّى العملياتي بين إرهاب الدولة المتمثل بـ”إسرائيل” وإرهاب الجماعات الذي تمثل “النصرة” أحد فصائله؟.
الوقائع الميدانية تثبت مرة بعد أخرى أن “النصرة” و”إسرائيل” ليستا سوى وجهين لعملة إرهابية واحدة. سياق ومجريات الأحداث يدل على ذلك، فمنذ عسكرة ما سمّي زورًا بـ”الثورة” في سورية، برزت محطات كثيرة بيّنت حجم التنسيق “الإسرائيلي” مع مليشيات سوريا مسلحة، جانب منها ظهر جليًا في الجنوب السوري، لا سيما القنيطرة ومنطقة الفصل في الجولان، وأبرزها الفضيحة الكبرى التي برزت يوم كانت “تل أبيب” تسعف آلاف المسلحين الجرحى وتستقبلهم في مشافيها بعنوان سياسة “الجار الطيب”، ويوم استنسخت تجربة جيش لحد في جنوب لبنان واستخدمت “النصرة” وميليشيا “الجيش الحر” أكياس رمل لتكريس نفوذها جنوب سورية، فمدتهم بكلّ أشكال الدعم من مال وسلاح، وسهلت حركة انتقالهم واجتياحهم مواقع قوات الأمم المتحدة “الأندوف” على طول خط الفصل، كما خططت لهم لضرب مواطن قوة الجيش السوري، فزودتهم بمعلومات وبنك أهداف حول مواقع انتشار القوات ومنظومات الدفاع الجوي ومصانع ومخازن الصواريخ، وكلّ ذلك بهدف إضعاف سوريا وإخراجها من المعادلة الإقليمية أولًا وضمان عدم فعالية دورها في أي حرب لاحقة.
واليوم يبرز حجم التعاون “الإسرائيلي” “النصروي” في الشمال السوري كما اتضح في أكثر من هجوم على مدينة حلب وريفها مؤخرًا، وجديده قبل أيام يوم تزامن العدوان الجوي “الإسرائيلي” على ريف حلب مع اعتداء بالطيران المسير من قبل الإرهابيين على المدنيين في مدينة حلب وهجوم مجموعات تابعة لتنظيم “داعش” على بعض المواقع في محيط تدمر، ما يعيدنا بالذاكرة إلى هجوم مماثل حصل في 13 أيلول عام 2016 يوم سعت “إسرائيل” لرفع معنويات التنظيمات الإرهابية المنهارة بعد الفشل الذريع الذي أصابها والخسائر التي تكبدتها في ريف القنيطرة، فاستهدف الطيران الحربي الصهيوني مواقع الجيش السوري بريف القنيطرة دعمًا للتنظيمات الإرهابية التي كانت تتلقى الضربات.
“طوفان الأقصى” وما تلاه من اعتداءات “إسرائيلية” متكرّرة على سوريا منذ 7 أكتوبر كشف القناع مجددًا عن الوجه الحقيقي لإرهاب “النصرة” وأظهر أن كلّ ما جرى لسوريا طوال السنوات السابقة من إضعاف جيشها وإشغاله بالداخل لم يحقق أو يخدم سوى مصلحة العدوّ “الإسرائيلي”، المستفيد الوحيد من إبعاد هذه الجبهة عن مساندة غزّة بكلّ ثقلها اليوم. ولكم أن تتخيلوا سيناريو لو كانت سوريا بكامل قدرتها وقوتها العسكرية كما قبل أحداث 2011، بالتأكيد لكان موقعها سيكون إلى جانب مقاومة غزّة وستفتح لها مخازن صواريخها كما فعلت سابقًا خلال العدوان “الإسرائيلي” على لبنان في تموز عام 2006، وهذا ليس غريبًا على سوريا الاسد التي ما غادرت يومًا موقعها وموقفها الطبيعي والبديهي ولا حيّدت بوصلتها عن القضية الأساس فلسطين، ولا زحزحت عنها رغم كلّ التهويل والضغوط التي تعرضت لها أو الاغراءات التي قدمت لها لتتخلى عن المقاومة، والذي سقط فيها الكثيرون من حولها فبدلوا جلودهم وطبعوا مع الكيان الغاصب ووضعوا أيديهم بيد ألد أعداء الأمة في مواجهة كلّ رمق مقاوم.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.