جواد علوية – خاص الناشر |
يقول الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في كلمته التي ألقاها عصر يوم الأربعاء 20 أيار 2009 في المؤتمر الدائم لدعم المقاومة تحت عنوان “المقاومة في معركة الوعي والذاكرة”: “أنا من المؤمنين بقوة أن هذه الأمة تجاوزت مرحلة الوعي المؤسس للانتصار ودخلت مرحلة الوعي الذي يصنع الانتصار”.
لطالما تعدّدت النظريات والكتابات في تحديد الفرق بين الكفاءة والفعالية، لكن لم يحصل أن اختُلف على أن الكفاءة تتلخص في أنها “أداء الأعمال الصحيحة”، بينما تركزت الفعالية في مضمونها على أنها “أداء الاعمال بالطريقة الصحيحة” بحيث تُسهم في تحقيق الأهداف بالطريقة الأمثل “مهما كانت الإمكانات”.
إذًا، وبمعزل عن أي نقاش نظري، المسألة هي في تحقيق أهداف ثابتة، وفي فعالية ونتائج هذه الأهداف، وفي خلق كل الظروف والامكانات من أجل ذلك. لكن كيف ؟
يتفق خبراء “بناء استراتيجيات تحقيق الأهداف في المنظمات” على أن النظر الى أي منظمة مهما كان شكلها وحجمها ودورها، يُمكّننا من رؤية أربعة أبعاد رئيسية متكاملة فيها هي:
البُعد الغائي: أي فلسفة وجودها ومسار وصولها الى أهدافها، وفيه تتوفر القيم والرسالة والرؤى والأهداف والسياسات والإستراتيجيات.
البُعد البنيوي: أي العوامل الصلبة والناعمة التي تُسهّل تحقيق الأهداف من خلال الهيكل والأنظمة والتجهيزات والبنى التحتية والمهمات والأنشطة والأدوار.
بُعد المحيط : ويشير الى ساحات العمل الداخلية والخارجية التي تحقق فيها المنظمة أهدافها.
بُعد المضمون (الروح): ويشير الى توفر “الانسان” في المنظمة الذي بوجوده تدبُّ الروح والحياة والنشاط والفعالية فيها، وبالتالي إشغال الأبعاد الثلاثة الآنفة.
بناء على ذلك، وحيث إن نشاط المنظّمة هو في محورية وجود إنسان واعٍ ذي قِيَم مؤمنٍ بدوره وقضاياه، وفي مدى استعداداته وحافزيته وسعيه لتحقيق أهدافه كإنسانٍ أولًا، وكجزء من مجتمع ثانيًا، فإن عدم توفر هذه الروح يعني منظمة بلا حياة وبلا أثر. إن هذا الإنسان مهما كانت ثقافته وانتماؤه، ومهما كان مستواه ودوره، تتحدد فعاليته من خلال توافر أركان أربعة أساسية فيه هي:
1- الصحة النفسية: التي يقابلها الهمّ والحزن والقلق والخوف.
2- الإرادة والقدرة: يقابلها العجز والكسل والضعف.
3- الاستعداد للبذل: والتي يقابلها الجبن والشحّ بالنفس والمال.
4- الحرية: ويقابلها الاستعباد والقهر.
تطبيقيًا، إذا نظرنا الى المقاومة الفلسطينية حاليًا كمنظمة – وهي واقعًا أكبر من منظمة وأكثر تعقيدًا منها – فكيف يمكن أن نراها؟ ما هي نقاط التميز والقوة فيها؟ كيف تحقق انتصارها بالفعالية المطلوبة؟
في البعد الغائي والبنيوي: مما لا شك فيه أن لفصائل المقاومة الفلسطينية على اختلافها بُعدَيها الغائي والبنيوي كأيّ منظمة ولديها سيطرة كاملة على هذين البُعدين. وتمتلك – وفقًا لبنيتها وطبيعتها – المرونة اللازمة لتعديل رؤاها واستراتيجياتها وخططها وتطوير إمكاناتها حسب الحاجة والظروف، تُصيب وتُخطئ، تقوّم وتُصحّح، تتأثر بالظروف الخارجية وتتحرك وفقًا لذلك.
في التهديد الأكبر أي المحيط، تعمل المقاومة في محيط خارجي مضطرب ومتغيّر، وفي بيئة داخلية صعبة ومعقّدة ومهدّدة اجتماعيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، ومحكومة لسياسات قوى عالمية معادية. لقد استطاعت المقاومة رغم تحديات وتعقيدات المحيط الداخلي والخارجي أن تأخذ مكانها وتفرض حضورها وتُثبت وجودها وتأثيرها وفعاليتها وصحة خياراتها في مواجهة كل التحديات المحيطة والمخططات الرامية إلى سحقها. فهي تمكّنت من بناء قوتها، أن تكون جزءًا من مجتمع مقاوم ومن محور مقاومة، نجحت في إيجاد الردع، أبدعت في الأساليب والتكتيكات والإمكانات، استفادت من الفرص وحافظت على متانتها وأصبحت منظمة متعلّمة بفضل الإرادة والقدرة والتماسك والتنسيق والإيمان بالمشروع والهدف، ورسّخت جذورها كقيمة وكمشروع وكفكرة لا يمكن إلغاءؤها.
يبقى السؤال الأهم، عن أهم نقاط قوة المقاومة وتميزها وفعاليتها في تحقيق انتصاراتها.
بُعد المضمون – الروح:
لقد مضى على بداية العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني المقاوم في غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” وحتى تاريخ كتابة هذه المقالة ما يقرب من شهر فيما يعتبره العدو سعيًا لتحقيق أهداف “متغيرة” ربطًا بكفاءته وإمكاناته. مارس فيه أقصى أشكال الإجرام والتنكيل والقتل المادي للحجر والبشر. ولم يستطع لحد الآن تحقيق صورة انتصار مادية او معنوية تمحو عنه عار الهزيمة التي وضعت أصل وجوده على مقصلة النهاية القادمة.
ما تلقّاه هذا العدو يحاول – في وعيه – أن يُلقيه على المقاومة وعلى الشعب الفلسطيني كمن يحاول التخلص من قنبلة وقعت في أحضانه قبل انقضاء زمن انفجارها. فبدأ مباشرة بالعمل على قتل أركان فعالية الروح التي ألقَت في قلبه الموت قبل الرعب، قتْلُ النفس والروح والإرادة والقدرة والتضحية والحرية والبقاء. لذا، لم يُبقِ لمقاومٍ إلا قريب شهيد أو جريح أو مشرّد، أو طفل مقطّع بين أحضان والدته أو إخوته أو جيرانه، أو عائلة هائمة على وجهها بين أروقة الدمار دون أمانٍ وقرار. سخّر حممه لبث الألم والخوف والرعب والعجز والضعف ومنع النهوض. لكنه بدلًا من تحقيق ذلك – ومن حيث لا يحتسب – أيقظ في هؤلاء المقاومين وفي هذا الشعب كل أركان الوعي والقوة والفعالية التي أصبحت مدرسة في الانتصار على الذات وعلى المعتدي، تغلّبوا على الخوف والجزع والقلق والعجز والضعف والجبن وقبول الاستعباد، وتحوّلوا إلى استشهاديين ليس أمامهم سوى “كسر التوحش والانتصار على الوحش”.
لقد وضع العدو نفسه أمام المستحيل: مواجهة أصحاب “الروح المعنوية” الذين لا خيار لديهم سوى الانتصار في سبيل أنبل القضايا وأقدس الأهداف. لم يدرِ أنه يحاول قهر واستعباد الحرية التي لن يعرف كنهها لدى شعوب عرفت ان التكامل في الحياة الانسانية مرهون “بالوعي” الموجود لديها والذي من خلاله يُخلق الفهم الحقيقي للمسارات الصحيحة، ولتحقيق الأهداف الصحيحة بالشكل الصحيح والأمثل والأفعل.
أدرك العدو الإسرائيلي مجددًا أن الطوفان الذي أتاه كان “طوفان الوعي”، وأنّ معركته هي معركة قتال “الروح المعنوية” التي بوجودها لدى المقاومين تتحقق الأهداف بأقصى فعاليتها وتتجلى الانتصارات فيها بأبهى حللها، وبها يبقى الأقصى للأمة. هو أدرك أن الإحكام والإتقان والتميز والابتكار الموجود لدى المقاومة لا يتعلق بإمكاناتها المادية التي لا يمكن مقارنتها بما لديه، بل في “انتصار الروح” على “سيوف العدو الحديدية” التي ستسقط هي وكيانه وإلى الأبد.
والمقاومة الفلسطينية نموذجًا.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.