د. محمد مشيك* – خاص الناشر |
كان لطوفان الأقصى تأثير قوي على مجال العلاقات الدولية، فقد أدت الأحداث التي تلت معركة طوفان الأقصى، وخاصة المجازر الشنيعة التي ارتكبها الأعداء الصهاينة، إلى توترات بين دول المنطقة والعالم الغربي، وشعوب المنطقة، وخاصة في الدول الغربية، حيث عملت الحكومات الغربية على توجيه متعمد للرأي العام الغربي عبر محطات التلفزيون الكبرى والصحف العالمية، وعلى وجه الخصوص، أنّ هذه الحكومات أصدرت بيانات ذكرت فيها أنها ستقمع أي مظاهرات دعم للشعب الفلسطيني في غزة، الأمر الذي قد يؤدي إلى اعتقالات ومحاكمات ومن ثم ترحيل قسري. ولكننا نجد أنه في مواجهة السياسات العدائية للحكومات الغربية ينتصر الرأي الحر والإنسانية.
كما كانت للمعركة تداعيات شملت التأثيرات على الأسواق المالية والاستثمار في الكيانات الاقتصادية الإسرائيلية، فضلًا عن امكانية ارتفاع أسعار النفط العالمية، في حال اتجهت المنطقة لحرب إقليمية كبرى، بالموازاة مع الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتالي ستكون التداعيات الاستراتيجية كبيرة على الغرب وخصوصًا أوروبا التي تعاني من حرب أوكرانيا. وستحدث هذه المعركة التاريخية في حال نشبت تطورات جيواستراتيجية على الساحة العالمية، وفي كافة جوانب السياسية والاقتصادية.
ويتميز محور المقاومة بقدرته على مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه منطقة الشرق الأوسط من خلال مواجهة الجماعات الإرهابية، في كل من العراق وسوريا ولبنان. إضافةً إلى المواجهة المستمرة مع العدو الشيطاني الغاصب لأرض فلسطين.
يؤكد محور المقاومة على حقوق الشعب العربي الفلسطيني في مناهضة الظلم والاحتلال، وترتبط قضاياه الأساسية بالعقيدة الإسلامية والمسيحية وأهمية القدس الدينية، وكنيسة القيامة.
تاريخيًا حقق محور المقاومة انتصارات عديدة على الكيانات المحتلة للأراضي الفلسطينية، أهمها حرب تموز/يوليو 2006، التي أسفرت عن انتصار استراتيجي وتاريخي ألحق بالأعداء الإسرائيليين خسائر فادحة في جنوب لبنان، الأمر الذي أرسى أسس جبهة المقاومة الموحدة والمتضامنة، وذلك من أجل تحقيق انتصار استراتيجي وتاريخي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث أسست للانتصارات اللاحقة على أرض فلسطين المحتلة خصوصًا في قطاع غزة.
إن شعب محور المقاومة والشعب العربي ككل ينتظرون بفارغ الصبر كلمة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، خاصة بعد معارك طوفان الأقصى. وكما اعتاد اللبنانيون والعالم، فإن كلمة السيد نصر الله ستكون ثاقبة وملهمة، حيث ستسلط الضوء على التطورات الإقليمية في الشرق الأوسط والعالم، ثمّ سيرسم أهداف محور المقاومة المستجدة بعد معركة طوفان الأقصى. فبعد هذه المعركة كل شيء سيوزن بميزان الذهب. حيث جاءت المواقف الداخلية في لبنان إن كان لرئيس المجلس النيابي اللبناني “نبيه بري” رئيس حركة أمل التي تعتبر في صلب المقاومة، أو للحلفاء الوطنيين، متجانسة ومتفقة على مقاومة العدو الإسرائيلي.
إن لخطاب سماحة السيد نصر الله أهمية كبيرة، خاصة الأصداء التي ستتركها كلماته لدى زعماء العدو الإسرائيلي، ورؤساء الدول الداعمة للكيان الغاصب لأرض فلسطين، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية.
ونرى أنّ كلمة السيد نصر الله سيكون لها الأثر الأكبر على المجتمع اللبناني من خلال رفع المعنويات وتثبيت العزيمة، خصوصًا في ما ستشكله من ردع في وجه حاملات الطائرات والسفن الحربية الراسية في شرق البحر الأبيض المتوسط.
ومن الطبيعي أن يؤكد السيد “نصر الله” على صمود المقاومين في الخطوط الأمامية، وكذلك على ترابط ساحات القتال في الدول التي تتواجد فيها المقاومة الإسلامية، واستراتيجية الدفاع المشترك بين أفراد محور المقاومة التي تشكل عامل القوة لهذا المحور، وأبرز ما قام به أعضاء هذا المحور هو العمليات المختلفة في العراق وسوريا وجنوب لبنان وقصف الحوثيين الاستراتيجي لأرض فلسطين من اليمن لتخفيف الضغط على حركة المقاومة في غزة.
وتشكل هذه العمليات عاملًا قويًّا لتثبيت الانتصار الفلسطيني الذي حقّق بمعركة طوفان الأقصى، ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتمكن من محاربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، خاصة أن إيران تشكل قوة عسكرية عالمية وسيكون من الصعب جدًا هزيمتها.
لقد أدت معركة طوفان الأقصى إلى صحوة الشعب العربي وتشبع الوعي العالمي بقضية التحرر من نير الاحتلال الأجنبي، وخاصة الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية. ورافقت معركة طوفان الأقصى حشود غفيرة، حيث خرجت المظاهرات للتنديد بمذابح “إسرائيل” في الأطفال والنساء في غزة ولنصرة القضية الفلسطينية، والأهم من ذلك أن هذه المعركة تسمح لنا برؤية أنّ القدس أصبحت قريبة أكثر من أيّ وقت مضى.
وبشكل عام، يمكن وصف دور محور المقاومة في الشرق الأوسط كلاعب أساسي في مكافحة النفوذ الغربي ومخططاته لتقسيم دول المنطقة، إضافةً إلى دوره في توفير الأمن والاستقرار.
وأخيرًا، كان لمعركة طوفان الأقصى أثر كبير على الداخل الإسرائيلي وما سيترتب عليه من هجرة معاكسة، خاصة للعائلات الصهيونية صاحبة رؤوس الأموال، ولحاملي الجنسية الثانية.
لقد تجاوزت المقاومة الحدود الجغرافية وخلقت نقطة قوة لا يمكن التغلب عليها، خاصة في ظل وجود محور متجانس وقوي، فكلّ عضو من أعضاء محور المقاومة قادر على أنّ يقوم بحرب وينتصر فيها وحده، وإنّ دعت الحاجة إلى وجود مساندة من كافة أعضاء هذا المحور، وهذا ما يحصل اليوم مع فصائل المقاومة في قطاع غزة، حيث سيكون لمحور المقاومة دور كبير في المستقبل كقوى تعادل قوتها قوة حلف الناتو.
ويبقى السؤال هو ما يمكن أن تحمله كلمة سماحة السيد حسن نصر الله نهار اليوم الجمعة.
- كاتب وباحث سياسي
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.