يُقال إنّه لولا منصّات التواصل، لما عُرف بقباحة بعض العقول إلّا المحيط الاجتماعي المباشر لها، ولما استطاع أصحاب الألسنة السّامة والعقول المؤجّرة الحصول على مستمعين مجانيين. لكنّه الزمان ومقتضياته. ناجي حايك، اسم متداول من ضمن ناشطي التيار الوطني الحرّ، حاصل على جائزة أكثر من تبرّأ التيار من مواقفه المعلنة وأكثر من قيل فيه إنّه لا يمثّل سوى نفسه، وبالكاد. ومواقفه هذه الشاذّة عن أدبيات الجنرال عون بالدرجة الأولى، والمنحرفة عن السلوك الوطني وخطاب التعايش والسلم الأهلي، والمتمسكة بالخيار “القوّتجي” داخل صفوف التيّار جعلته شهيرًا في أوساط متابعي منصات التواصل الاجتماعي، بحيث اقترن اسمه بمهاجمة حزب الله وحركة أمل في كل مناسبة، وأحيانًا بلا مناسبة.
إذًا، اشتهر ناجي حايك كأحد أكثر ناشطي التيار الوطني الحرّ الذين “بلا صفة رسمية” يعبّرون عن أكثر المواقف المتطرّفة ضد بيئة المقاومة حدّ الإعلان عن “ما عنا حرج نتعامل مع الإسرائيليين”. و”نا” المتكلمين هنا حزّورة لطيفة: هل تعبّر عن جماعة باسيل في التيار، أو بعضهم فقط؟ كذلك اشتهر ناجي بكونه أكثر من عانى من تشنجات عصبية بسبب ورقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ بقيادة الجنرال ميشال عون. الأسباب عديدة ومن السهل تخمينها إلّا أنّه من المؤكّد أنّ هذه التشنجات زادت في سوء خلق وعقل وتوجّهات ناجي إلى حدّ مضاربته على “القوات” بأريحية التعبير عن الحقد على حزب الله وبيئته.
منذ الآن، لم يعد من الممكن أن يتنصّل التيّار من مواقف حايك، كما جرت العادة، فهذا الكائن المعبّأ بالحقد الصريح صار صاحب “منصب” في التيار وناطقًا رسميًّا باسمه، وهو بالطبع شأن باسيليّ لا يستدعي حتى إبداء الرأي، شأن يخص التيار الوطني الحرّ وشارعه. ولكن، للأمر دلالته من جهة، ومن جهة أخرى، مواقف حايك التي تتقاطع أصلًا مع مواقف الكثيرين داخل التيار وخارجه هي مواقف هجومية علنية، أي مرشّحة وقابلة للنقد وللهجوم المضاد، وبالتالي هي ليست فقط واقعة في حيّز عام يحقّ لكلّ من يقرأها أو يتابعها التعليق عليها، بل هي أيضًا تشكّل أداة محاربة، وإن ركيكة، ضد جزء كبير وأساسيّ من اللبنانيين الذين لا يعجبون شوفينية حايك وعقده الموروثة حول امتيازات يعتبرها حقًّا مكتسبًا له وأحقاد تجرّه كمي شدياق على سبيل المثال إلى افتراض أن دور “الشيعة” في البلد لا يجب أن يتعدّى حدود “اليد العاملة الرخيصة”.
هذا العقل حاضر في لبنان منذ نشأته ككيان، وليس غريبًا أن يكون خطابه على هذا المقدار من الوقاحة والقباحة، كما أنّه ليس غريبًا أن يكون في صفوف التيار الوطني الحر حضور لهذا العقل على اعتبار أنه الجهة الأكثر تمثيلًا في الشارع المسيحي والجهة القابلة لاحتواء بعض التنوّع في المواقف من المقاومة ومن حزب الله، من مريدي التفاهم الذين قرأوا تجربة العماد عون بشكل صادق وعبّروا عن التزامهم بخطابه وخياراته، إلى رافضي التفاهم والذاهبين ناحية التعبير عن العداء الوجودي ضد كلّ ما يمتّ إلى المقاومة بصلة، ومنهم المدعو حايك.
لذلك، منصبه الرسمي في التيار اليوم، وإن كان في موازين القوى الداخلية لا يعادل وزن “قشرة بصلة”، إلّا أنّه يقول لكل الذين يعرفون حقد حايك ويرفضون مواقفه سواء في داخل التيار أو خارجه، إن هذه المواقف لا تزعج رئيس التيار حاليًا جبران باسيل، وبالتالي من المرجّح أن يكون الأخير في طور استخدام ورقة “مواقف حايك” والتلويح بتبنيها كما هي، في رسالة لكل من لم يحملوه إلى قصر بعبدا: سأذهب ناحية هذا التطرّف إذا “ما بتعملوني رئيس”! علمًا أنّه يدرك، أو يجب أن يدرك على الأقل، أن موقفًا كهذا لا يعيب سواه، ولا يلحق عارًا بسواه، وأكثر من ذلك، لا يُثمّن في سوق السياسة إلّا بأبخس الأسعار، خاصة وأنّه يكشف بشكل أو بآخر أن المواقف المغايرة السابقة والحافلة بالغزل بالمقاومة وبيئتها كانت مجرّد “صفّ حكي” بهدف تعبيد طريقه إلى كرسيّ الرئاسة الأولى. وهنا، يستحقّ منح شخصية كحايك صفة رسمية تصفيقًا حادًا، فهو سقطة وجب أن يكون جبران ذكيًّا بما يكفي لتفاديها، أو على الأقل وفيًّا بما يكفي كي لا “يسوّد” وجه عمّه الجنرال.
بالنهاية، عاش حايك طويلًا كعنصر يقول فيه تيّاره إنّه غير منظَّم وإن مواقفه المتطرفة الهجومية تعبّر عنه وليس عن التيّار. السؤال البديهي، هل صار حايك “منظَّمًا”، أم شرّعت ظروف باسيل عدم انتظامه فصار رسميًّا؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.