قائد جهادي وضابطان ميدانيان: خيارات المقاومة لحماية لبنان “ما بين الغجر ووادي الحجير”

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

جمال شعيب – خاص الناشر |

قبل أن تنتهي مفاعيل مناورة “العبور” التي نظمها حزب الله لمناسبة عيد “المقاومة والتحرير” ورسائلها المتفجرة، وتأثيرات فيديو “الاعلام الحربي” الذي وثق مناورة اقتحام موقع إسرائيلي في مزارع شبعا المحتلة ومضامينه الهجومية، نظم ملف شبكات التواصل الاجتماعي في حزب الله، جولة لمجموعة من الناشطين بمواكبة من الاعلام الحربي في المقاومة الإسلامية وضباط ميدانيين، على مشارف بلدة الغجر المحتلة، ومواقع مختلفة في جنوب لبنان كانت قد شهدت مواجهات عنيفة مع جيش العدو خلال عدوان تموز ٢٠٠٦، وكان لافتًا أن هؤلاء الضباط هم ممن شارك في تلك المواجهات ولا يزال في موقعه ينتظر الفرصة المناسبة لتلقين العدو “هزيمة” أقسى وأشد مما شهده في “تموز ٢٠٠٦” كما كرروا التأكيد أكثر من مرة.

كثيرة هي الرسائل التي تكررت على ألسنة ضباط المقاومة، ومزدحمة كانت هذه الجولة بالرسائل (الاستكمالية المقصودة)، وهي لا تقل “دويًا” عن رسائل مناورة “العبور” وفيديو “الاقتحام”، حاولنا تلخيصها في ثلاث مشهديات.

الغجر حضور مقاوم مُسيج بـ “جوانب إنسانية”


“هذا الوضع لم يعد مقبولًا، بات المزارعون يسلكون طريقًا تستغرق ٤ ساعات بدل أن يصلوا الى أراضيهم خلال نصف ساعة”، يؤكد الضابط الميداني في المقاومة الإسلامية من على مشارف بلدة الغجر اللبنانية المحتلة، التي ضمها الاحتلال بقسميها اللبناني والسوري الى سيطرته عبر سياج حديدي مدعم بحاجز لقوات الطوارئ الدولية قطع الطريق الى القسم “الجنوبي الغربي منها”. ويضيف “نحن نراعي الجانب الإنساني في قضية الغجر، لكننا لا يمكننا السكوت على قضم الأراضي اللبنانية ولا على المعاناة التي يعيشها الأهالي والمزارعون منهم بشكل خاص بسبب إجراءات الاحتلال الأخيرة”.

هكذا عبر الضابط الميداني في المقاومة الإسلامية، بغضب واضح وبحاجبين معقودين ولهجة عالية، مؤكدًا أننا الآن ننتظر “مسار الاتصالات” التي تجريها الحكومة والأجهزة المعنية وقرار قيادة المقاومة بشأنها، ليُبنى على الشيء مقتضاه.

وعن التهديدات التي يطلقها قادة العدو السياسيون والعسكريون، يؤكد الضابط الذي كانت له تجربة سابقة بمواجهة جيش العدو “نحن لها، ولهذا نعد العدة ونضاعف القدرات وننتظر، هنا ننتظرهم”.

ينصب شباب المقاومة منظارًا عسكريًا على تلة مشرفة على الغجر، ويدعوننا لاستخدامه، ويتولى الضابط الميداني الشرح. من هنا قرب هذا البرج الظاهر في طرف البلدة الشرقي “دخل مجاهدو المقاومة خلال العملية التي قادها الشهيد “ساجد الدوير”، وهناك تمتد طريق الـSD9، المغلقة بواسطة حاجز قوات الطوارئ الذي كنا الى جانبه منذ قليل، وتلك الطريق الترابية الحمراء هي الطريق المختصرة التي كان يسلكها المزارعون للوصول الى أراضيهم بأقل من نصف ساعة، وباتوا يضطرون للالتفاف على مسافة كيلومترات للوصول”.

تسأل مجددًا عن الوضع في الغجر، والى متى ستصبر المقاومة على إجراءات الاحتلال الجديدة، يبتسم ويجيب “لن نُعدم الوسائل ونحن حاضرون هنا، وإذا فشلت الاتصالات، وعندما تبلغنا القيادة قرارها نحن جاهزون”.

وادي الحجير: حكاية نصر غيّر المسارات


هذا الحزم المسيج بالجوانب الإنسانية لقضية ساكني “قرية الغجر”، لا يحده سياج ولا أي اعتبارات عندما نتجه غربًا نحو أحد مواقع “المقاومة الإسلامية” المُطل على “واديي الحجير والسلوقي”. هنا مقدمات النصر تتجلى وتتراكم، يؤكد الضابط الميداني في المقاومة الإسلامية “الحاج أبو محمد”، “في هذا الوادي كما في القرى المحيطة به، ومنذ الثمانينيات أذقنا العدو طعم الهزائم الواحدة تلو الأخرى”، لكن حماقة قيادة العدو واستعجالها تحقيق أي “مكسب ميداني” خلال “عدوان تموز ٢٠٠٦”، دفع قيادة جيشه المترددة الى الزج بكتيبة مدرعة كاملة في “ساحة غير متناسبة” عبر الدفع بآلياته عبر واديي الحجير والسلوقي، وفق خطة أسندت للفرقة المدرعة ١٦٢ (المُسماة بالتشكيل الصلب) للوصول الى نهر الليطاني في فرون، عبر اختراق وتطويق دفاعات المقاومة في المنطقة.

أدركت المقاومة منذ البداية اهداف العدو، لا سيما تأمين الإشغال والحماية عبر السيطرة على “العوارض الحساسة” في محيط وادي الحجير والسلوقي لتأمين الانزال الجوي الأكبر في تاريخ “جيش الاحتلال” والذي كان مزمعًا تنفيذه في بلدة الغندورية، بما يؤمن كافة مجنبات التقدم الصهيوني للوصول الى نهر الليطاني.

“وضعنا خطة دفاعية مُحكمة، راعينا فيها منع العدو من تحقيق أهدافه، تحييد الكتيبة المدرعة المتقدمة عبر وادي الحجير (أي تدمير أكثر من ٢٠ بالمئة من قدرتها وشل حركتها) وافشال الانزال في الغندورية، وضرب الرتل المتقدم والدعم الهندسي اللوجستي المرافق، وهنا كان لمفاجأة “الكورنيت” دور اساسي في اعطاب الرتل وشل قدرته على الحركة والمناورة وحتى اسكات النيران، بينما تولى شباب التعبئة والمتطوعون الذين ارسلتهم قيادة المقاومة استحداث “بقع عسكرية” في قرى لم يكن لنا فيها تواجد أو حتى “مخازن عتاد وذخيرة” وتعزيز محاور المجموعات المدافعة عن الغندورية، واستهداف كافة القوات المتقدمة عبر مختلف المحاور بصليات الصواريخ والمدفعية المناسبة من مرابضنا التي بقيت تعمل حتى لحظة وقف اطلاق النار”.

في اليوم التالي تحققت نبوءة “غاي تسور” قائد الفرقة ١٦٢ المدرعة، ونصائحه لقائد المنطقة الشمالية “أودي آدم”، سقطت نظرية “محور التقدم الواحد”، وانجلى الغبار عن “مجزرة محققة في دبابات الميركافا وجرافات الدي ٩” واندحار الرتل المتقدم وتفرقه الى مجموعات تحتمي خلف السواتر الطبيعية خوفًا من ضربات “الكورنيت” وصليات المقاومين المختلفة.
كانت الحصيلة تدمير أكثر من ٤٠ دبابة وجرافة، ومقتل ٣٣ بين جندي وضابط وقادة سرايا، ومئات الجرحي باعتراف العدو المخفف للكارثة التي حلت به”.

يختم “الحاج أبو محمد” روايته لحكاية النصر الحاسم في وادي الحجير بالتأكيد “لقد شهد العدو في معركة وادي الحجير لقوة وعزيمة وبأس المقاومين. كان هذا عام ٢٠٠٦، أما اليوم ومع يقيننا بأن الردع الذي تأسس يومها لا يزال قائمًا، لكننا على عهد القيادة لأهلنا، سنريكم ومن هنا ومباشرة على الهواء، ماذا سيحل بجنوده ومدرعاته فيما لو فكر مجددًا بالاعتداء على لبنان”.

وقبل أن نغادر “موقع المقاومة” الرابض فوق أودية النصر، يكشف مضيفونا عن مفاجأة جُهزت لنا، دعوة لمشاهدة منصة صاروخ مضاد للدروع من طراز “كورنيت”. كان واضحًا أن قبضته قد أطلقت العديد من الصواريخ، الأمر الذي أكده لنا أحد الضباط المرافقين وهو يدعونا لالتقاط الصور بجانبها.

قائد جهادي: نتابع الحرب الأوكرانية وهناك شبه كبير بين الجبهات


لا يستغرق الوصول الى حيث كان ينتظرنا “القائد الجهادي الحاج بوعلي” كثيرًا، فمن مشارف وادي الحجير الى “معلم الحاج قاسم سليماني للسياحة الجهادية” بضعة أودية وتلال، لكن موعد بدء “الجلسة المفتوحة” كان طويلًا، بمدى وحجم مستوى الكرم وحسن الضيافة والاستقبال، الذي أعده المقاومون، فأخجلنا ونحن التواقون لخدمتهم. وصل الحاج “بوعلي” وانضم الينا على مائدة الغداء، وانشغل مع الجميع بمن فيهم مرافقونا من الاعلام الحربي و”سيميا” (ملف التواصل الاجتماعي في حزب الله)، في تأمين كافة مستلزمات الراحة وحسن الضيافة بلباقة عالية وتواضع شديد.

بدأت “الجلسة المفتوحة”. الحاج “بوعلي”، كما عرف عنه مسؤول ملف التواصل في حزب الله، قائد جهادي، محاور الجنوب ميدان عمله ومسؤولياته، لكن الرجل الجالس أمامنا، لا زالت ملامح الشباب حاضرة في وجهه رغم “آثار السنين والمعارك”، وهو ما فاجأ الزملاء، خاصة من كان يتوقع “قائدًا من جيل الستين”، لكن جملة وردت في حديث الحاج كشفت السر، فبقدر ما تمتلك المقاومة وتستفيد من خبرات جيل “الـ٨٢” من القادة والمجاهدين، تعمل في نفس الوقت على الاستفادة من تجارب الآخرين، وتطور وتثقل خبرات قياداته بما يؤهلهم لتبوّؤ المراكز المتقدمة والحساسة.

الحديث مع الحاج “بوعلي”، حديث مع “قائد جهادي استراتيجي”، متابع جيد لكل التفاصيل والقضايا والتطورات، يرسم خارطة “الوقائع في لبنان” بمواجهة العدو، بالتوازي مع استشرافه وقراءته الدقيقة للوقائع والاحداث اقليميًا وعالميًا، لا سيما حين يؤكد ردًا على سؤال “نتابع تطورات الحرب الأوكرانية، لا سيما ما يرتبط منها بوقائع الميدان، فالكثير من الجبهات هناك تشبه جبهاتنا، وكذلك الأساليب والتكتيكات والأسلحة وفعاليتها”، ويضيف “ونحن نستفيد من ذلك عبر قراءات وتحليلات يعدها أهل الدراسات والاختصاص”، وهي حلقة من برنامج الاستفادة من تجارب الآخرين كما نستفيد من برنامج “نقل التجربة” داخليًا.

ويعلق الحاج على سؤال عن موعد اشتعال الحرب “عندما لا يكون هناك خيار”، ويوضح “الحرب لا تقوم لأجل الحرب، بل عند انعدام الخيارات الأخرى، وفي حالتنا تحديدًا، الحرب تكون حين يتجاوز العدو الخطوط الحمر والمعادلات القائمة وبالتأكيد حين يعتدي على لبنان، هنا تصبح الحرب “حرب اللاخيار”، أما اليوم، فلا يملك العدو أيًّا من الخيارات التي تدفعه لخوض الحرب. الخلاف بين حكومة العدو والأميركيين احد الأسباب، ورفض الأوروبيين المنشغلين في أوكرانيا، والتشرذم القائم في كيان العدو، ووضع جبهته الداخلية المهتز، وخشيته مما ينتظره فيها”.

وهل الاطمئنان الى عدم توفر “خيارات الحرب” يمكن الركون اليه؟ يجيب الحاج “نحن أولويتنا طمأنة أهلنا، ولكن حرصنا عليهم هو نفسه الذي يدفعنا لخوض الحرب والدفاع عنهم، وبالتالي، ما لم يترتب على خوض الحرب أي من الأسباب الموجبة، فنحن لا نجد الآن وكما يؤكد سماحة الأمين العام أن “أحدًا يريد الحرب” أو يرغب في خوضها”.

وعند السؤال عن مشهد “المسيّرة الانتحارية” في فيديو الاعلام الحربي الأخير، يؤكد القائد الجهادي في المقاومة الإسلامية أن “المقاومة لم تتوقف يومًا عن تطوير قدراتها، وفي مختلف المجالات العسكرية والتسليحية والتقنية، وكل ما يمكن أن يعزز قدراتنا، ونحن أولًا وأخيرًا نعول على شبابنا وبأسهم وعزيمتهم وايمانهم”.

وعن التهديدات الإسرائيلية المتكررة للبنان، يبتسم الحاج مستهزئًا “العدو بيحكي كتير”، ويضيف: “نعرف عدونا جيدًا ونراقب ونرصد ونحلل كل “كلمة وفعل، والميدان ستكون له الكلمة الفصل ونحن ننتظر لنريه فعلنا في الميدان لا في التصريحات والتهديدات”.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد