أوكرانيا بين “الناتو” وروسيا: معركة استرداد الاراضي والالتزام بانضمامها للحلف

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

سعت أوكرانيا خلال قمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، التي اختتمت أعمالها في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، للحصول على إعلان واضح بشأن انضمامها للتحالف العسكري مباشرة بعد نهاية الحرب مع روسيا، لكنها لم تنجح في ذلك.

وأعلنت كييف عن استيائها، تحديداً من الإشارة المبهمة المرتبطة بـ”شروط” انضمامها، والتي ارتأت أنها تشكل “عائقاً تعسفياً محتملاً أمام عضويتها”، وفق تقرير لمجلة “بوليتيكو” الأميركية.

وعلى مدى أسابيع، ضغط المسؤولون الأوكرانيون على نظرائهم في الولايات المتحدة وأوروبا من أجل وضع صياغة تحدد جدولاً زمنياً، ومساراً واضحاً، نحو عضوية حلف شمال الأطلسي، لكن ذلك لم يحدث.

لم تكن موسكو لتشن حرباً واسعة على أوكرانيا بعد ثماني سنوات من “ضم” القرم لولا أنها استمدت جرأتها من مأزق الناتو في أوكرانيا. لأن بوتين اعتقد، وكان مُحقاً في ذلك، أن الناتو لا يملك الجرأة على ضم أوكرانيا، فقد افترض أن عواقب حربه الواسعة على أوكرانيا ستكون محدودة.

من جهتها، قالت دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) إن أوكرانيا يمكنها الانضمام إلى التحالف العسكري “عندما يتفق الحلفاء ويتم الوفاء بالشروط”، وذلك بعد أن انتقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التأخير “السخيف” في التحرك نحو قبول الانضمام.

قد يكون من الصعب انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو” باعتبارها في حالة حرب. لكن ذلك قد لا يكون مستحيلاً في المستقبل بالضرورة عندما تنتهي تلك الحرب. فوفقاً لما انتهت إليه قمة الحلف الأخيرة “فيلنيوس 2023” في ليتوانيا، لم يعد السؤال هو: هل ستنضم أوكرانيا إلى الحلف من عدمه على نحو ما طرح في قمة “مدريد 2022″؟ وإنما السؤال هو: كيف ومتى؟ وبالتبعية كلما تقدمت قمة “فيلنيوس 2023” خطوة إلى الأمام بوعود لكييف فإن قمة “واشنطن 2024” المقبلة قد تنطوي على خطوة أخرى أكثر تقدماً في هذا الصدد.

فيما يتعلق بالسؤال عن “كيف”، فإن برنامج تأهيل أوكرانيا للانضمام للحلف وفقاً للخبرات والسوابق قد يكون مختلفاً عن البرنامج الذي طرح بعد قمة “بوخارست 2008″، وربما فشل بضم روسيا جزيرة القرم عام 2014.

فلا شك أن أوكرانيا أصبحت دولة تمتلك قوة عسكرية على النمط الغربي في ظل التسليح الغربي الهائل، بالإضافة إلى برامج التدريب الحالية التي تتم في دول الناتو، وبالتالي قد يكون برنامج التأهيل والانضمام سريع الوتيرة على عكس ما هو متصور.

أما ما يتصل بالسؤال عن “متى”، فقد أجاب الرئيس الأميركي جو بايدن عليه ليؤكد أنه عندما تنتهي الحرب، وبالتالي فإن العضوية عملياً معلقة على هذا الشرط الوحيد، وهو شرط لا يمكن لأوكرانيا أن تقرره بمفردها، بل دول الحلف وفي مقدمتها الولايات المتحدة من جانب، وروسيا من جانب آخر.

فقرار وقف الحرب، أو الدخول في مفاوضات هو قرار روسي – أميركي في المقام الأول بافتراض أن التفاوض قد يشكل مدخلاً لتسوية للحرب، وهو ما يطرح جملة من التساؤلات الأخرى بشأن الموقف الروسي: فهل ستقبل روسيا بالتفاوض، أم يمكن أن تتعرض لهزيمة عسكرية في أوكرانيا؟ وهي مسألة صعبة بالنظر لاعتبارات كثيرة على الأقل في ظل الظروف الموضوعية الحالية ومنها امتلاك القوة النووية، التي قد لا تخولها النصر، لكنها لن تضعها في خانة الهزيمة.

وقال الرئيس الاوكراني فولودومير زيلينسكي إنه يبدو أنه ليس هناك “استعداد” لدعوة أوكرانيا للانضمام إلى الناتو، أو جعلها عضواً. واضاف أن عدم وجود إطار زمني متفق عليه يعني أن عضوية بلاده في نهاية المطاف يمكن أن تصبح ورقة مساومة هناك فرصة سانحة للمساومة على عضوية أوكرانيا في الناتو خلال مفاوضات مع روسيا. عدم اليقين يعد ضعفاً.

وفق السفير الأميركي الأسبق لدى أوكرانيا مدير مركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي في واشنطن جون هيرست، فإن “بيان قمة الناتو حول العلاقة بين أوكرانيا والحلف لم يكن ملهماً، وتجاوز بشكل طفيف لغة قمة بوخارست عام 2008 التي فتح فيها الباب أمام أوكرانيا وجورجيا للانضمام، وفي حين جاءت الضمانات الأمنية التي قدمتها مجموعة السبع كخطوة إلى الأمام نحو تعزيز أمن أوكرانيا لكنها ليست خطوة كبيرة للغاية”.

وفي هذا السياق، قال مسؤول أوكراني مطلع على المفاوضات لـ”بوليتيكو”، إن الأوكرانيين “يشعرون بخيبة أمل تجاه المقاربة التي يعمل من خلالها الناتو”، مشيراً إلى أنه “ليس هناك حوار حقيقي مع الحلف بهذا الشأن”.

وأفادت “بوليتيكو” بأن مؤيدي أوكرانيا، الذين دعموها بالمليارات على الصعيد العسكري والاقتصادي، شعروا “بالصدمة” بسبب غضب زيلينسكي. وأضافت أنه حتى أقرب أصدقاء كييف داخل “الناتو” تفاجأوا بالانتقادات التي وجهها الرئيس الأوكراني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبروا أنها “غير مفيدة وغير مبررة” خلال فترة المفاوضات الدبلوماسية الحساسة.

بدوره، وصف دبلوماسي رفيع من شمال أوروبا، لم تذكر “بوليتيكو” اسمه، تغريدة الرئيس الأوكراني بأنها “تعبير مؤسف عن الإحباط”. وأضاف أن التغريدة التي تزامنت مع إعداد قادة “الناتو” لاجتماعهم في فيلنيوس، “أضافت مزيداً من التوتر إلى جهود اللحظة الأخيرة التي بذلها الدبلوماسيون لوضع اللمسات الأخيرة على نص البيان المثير للجدل”.

في حين اعتبر المعلقون الروس بيان الناتو محبطاً لكييف، لكنهم أعربوا عن بعض الاستياء من إعلان مجموعة السبع، ومع ذلك فإن غضبهم الحقيقي كان موجهاً إلى باريس، بعد قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إرسال صواريخ بعيدة المدى من طراز SCALP إلى أوكرانيا، وهو ما يؤكد خلافات فرنسا مع واشنطن التي لا تزال غير مستعدة لإرسال أنظمة الصواريخ التكتيكية.

يتركز الرهان الروسي على ثلاثة أمور: أولاً، إفشال الهجوم “المضاد” الذي بدأته أوكرانيا قبل فترة ضد القوات الروسية وبدا أنه يسير ببطء شديد ويجد صعوبة في تغيير موازين الصراع لصالح كييف. وكلما طال أمد هذا الهجوم من دون نتائج قوية على الأرض كلما ساعد ذلك بوتين في فرض الواقع الجديد في أوكرانيا على الأرض بعد استفتاء أربعة أقاليم “أوكرانية” للاتحاد الروسي.
ثانياً، مواصلة قعقعة السيوف النووية مُجدداً من أجل ترهيب الغرب من خلال نشر دفعة من الأسلحة النووية في بيلاروسيا.
وثالثاً، تعليق آمال على الانتخابات الرئاسية الأميركية العام المقبل، والتي في حال أدت إلى عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فإنها ستُشكل على الأرجح انتكاسة كبيرة للوحدة الغربية في مواجهة روسيا.

أعلن قادة الاتحاد الأوروبي خلال قمة في بروكسل أنهم سيقدمون التزامات طويلة الأمد لتعزيز أمن أوكرانيا، في وقت حثهم فيه الرئيس فولوديمير زيلينسكي على العمل على جولة جديدة من العقوبات بحق روسيا.

يأتي ذلك فيما أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” -نقلا عن مسؤولين أميركيين وأوروبيين- أن الولايات المتحدة على وشك الموافقة على تقديم نظام صاروخي بعيد المدى لأوكرانيا لاستعماله في الحرب.

كما نقلت قناة “سي إن إن” عن مسؤول أميركي قوله إن إدارة الرئيس جو بايدن تدرس الموافقة على نقل رؤوس حربية للذخائر العنقودية إلى أوكرانيا، وهو ما سيكون له “تأثير كبير على المعارك”.

من جهته أشار مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد جوزيب بوريل أنه يمكن أن تكون استكمالا للدعم القائم من الاتحاد الأوروبي مثل صندوق السلام الأوروبي الذي قدم أسلحة بمليارات الدولارات لأوكرانيا وموّل بعثة تدريبية للقوات الأوكرانية.

وقال بوريل للصحفيين “الدعم العسكري لأوكرانيا يتعين أن يكون طويل الأمد”، مشيراً إلى أن الاتحاد قد يؤسس صندوقا للدفاع الأوكراني على غرار صندوق السلام.

بدورها، كتبت بولينا كونوبوليانكو، مقالاً تحت عنوان ” الكشف عن سيناريوهين لمستقبل العلاقة مع اوكرانيا” في صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” الروسية ، عن جدوى اقتراح “الصيغة الإسرائيلية” على كييف. وقالت فيه انه على بعد خطوة واحدة من قمة الناتو في فيلنيوس، تحاول الدول الأعضاء في الحلف الوصول إلى قرار بشأن ما يجب فعله مع أوكرانيا.

في الواقع، يقدم الناتو خيارين لكييف: إما النموذج الإسرائيلي، وهو أن تكون أوكرانيا قادرة على حماية نفسها، وهذا أمر مكلف من حيث الاستثمار، أو نموذج الناتو الذي بموجبه يحميهم إذا احتاجوا إليه، وهو أمر مكلف من حيث المسؤولية التي يأخذها الحلف على عاتقه.

في مقابلة مع “موسكوفسكي كومسوموليتس”، لفت النائب الأول لرئيس مركز التقنيات السياسية، أليكسي ماكاركين، بتقويم كلا الخيارين، الى ان “النموذج الإسرائيلي” يروج له الأميركيون.

تنطلق الولايات المتحدة من حقيقة أن التقارب الوثيق بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي يمكن أن يتسبب في صراع عسكري مفتوح مع روسيا. الأميركيون خائفون من ذلك، لذا فهم ينطلقون من موقف أن النموذج الإسرائيلي قد يكون ممكنًا هنا”.

وبحسب ماكاركين، هذا النموذج غير كاف لأوكرانيا، ولا لأقرب شركاء كييف في حلف شمال الأطلسي، وأضاف: أوكرانيا تريد شيئًا مختلفًا تمامًا. من الناحية المثالية، تود الانضمام إلى الناتو، في أقرب وقت ممكن، وبشكل أكثر واقعية، خطة تضمن دخولها الحلف بعد انتهاء العملية العسكرية الخاصة. ربما يكون النموذج الثاني مخصصاً لمحاولة حل هذه المشكلة”.

ويرى ماكاركين أن الناتو سيجد الآن خيارًا لا يتحمل فيه التزامات واضحة بالدعم العسكري المباشر لأوكرانيا، من جهة؛ وقد يمضي الحلف إلى ما هو أبعد من “الخيار الإسرائيلي”، الذي يوفر فقط الدعم بالسلاح. فختم ضيف الصحيفة بالقول: “على الأرجح، سيجدون شيئًا ما بين هذا الحل وذاك. بالإضافة إلى ذلك، سوف يحددون بوضوح أفق أوكرانيا من منظور الناتو”.
لقد تم التخلي عن ما يسمى بـ”خطة عمل العضوية”، والتي كانت تمثل مساراً يعتمد على إصلاحات داخلية تقوم بها أوكرانيا قبل انضمامها إلى الحلف.

وفي لفتة تهدف إلى التأكيد على دعم الحكومات الغربية لأوكرانيا، أصدر قادة مجموعة السبع، إعلاناً، بشأن “الالتزامات الأمنية طويلة المدى تجاه أوكرانيا”، والمتمثلة في قيام الحكومات بإبرام اتفاقات ثنائية لتقديم المساعدات والتدريب وأشكال أخرى من الدعم.

وعلى الجانب الآخر، أعرب الكرملين عن غضبه الشديد تجاه الإجراء الذي اتخذته مجموعة السبع، قائلاً في بيان: “نعتقد أنه خطأ جسيم، ويمكن أن يشكل خطورة بالغة”.

وفي هذا السياق، قال الدبلوماسي الرفيع من شمال أوروبا: أعتقد أن الحزمة المقدمة لأوكرانيا جيدة، وتشكل أساساً قوياً لعلاقة أكثر تقارباً على مسار الانضمام للحلف.

ومن جانب أوكرانيا، قال مسؤول لـ”بوليتيكو” إن الاجتماعات مع قادة الحلف كانت “مثمرة حقاً”، مشيراً إلى أن بلاده “تلقت إشارات واضحة على أن العضوية في “الناتو”، لن تكون “ورقة مساومة” في المفاوضات مع روسيا وهو ما كان يمثل “التخوف الأساسي” لكييف.

وأوضح المسؤول أنه “رغم حالة عدم الوضوح التي جاءت في نص الإعلان بشأن مسار عضوية أوكرانيا، إلا أن الاجتماعات أظهرت أن هناك التزاماً بتعميق العلاقات”.

وفي السياق نفسه، قال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إن حرب روسيا على أوكرانيا نقطة تغيير في التاريخ، وإن عودة الحرب إلى أوروبا جعلت التنافس بين القوى الكبيرة يزداد.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد