“المقاومة الصاروخية”: من الحج جميل إلى جنين!

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

كنا صغارًا، في المنطقة المحتلة من جنوبي لبنان، وكنا نسمع عبارة: “الحج جميل.. الحج جميل”، على ألسنة أهالي قريتنا حولا..


فهمنا، لاحقا، أنها عبارة تولدت يوم قامت مجموعة فدائية باطلاق صواريخها، من اطراف البلدة من جهة الداخل اللبناني، نحو فلسطين المحتلة، لكنها لم تعبر الحدود، بل سقطت في أراضي البلدة من جهة فلسطين المحتلة. كانت المفارقة أن المجموعة اطلقت صواريخها من قطعة أرض مملوكة لجارنا “الحج جميل”، لتعود وتسقط في قطعة أرض، يملكها هو نفسه من الجهة الثانية للبلدة، فكان أن أطلق البعض تلك العبارة على نسق عبارات: جو-جو، جو-أرض… ألخ، للتندر والبعض تبناها للسخرية من قدرات المقاومين.
بعد فترة زمينة تحولت، تلك التجارب الاولية لإطلاق المقذوفات باتجاه المناطق المحتلة، إلى سيف مسلط فوق رأس العدو، وباتت خطرا وجودياً، يلاحقه عبر الحدود، ويقض مضجعه.


يومها كانت مغتصبة كريات شمونة “الخالصة المحتلة” رمزا من رموز تلك المرحلة، كونها المغتصبة الصهيونية الاكبر قرب الحدود مع لبنان، وبالتالي الاكثر عرضة للصواريخ، حتى باتت جرحا يكوي لاوعي العدو!!تقول مصادر العدو ان أول عملية اطلاق صاروخي لشمالي فلسطين المحتلة طالت مغتصبة كريات شمونة “الخالصة المحتلة” بتاريخ 1-1-1969 وأسفرت عن مقتل صهيونيين واصابة العشرات.


لاحقاً، ومع تطور القدرات الصاروخية للمقاومة، الماثلة امام عيوننا اليوم، صرنا نسمع مقولة: “من كريات إلى ايلات”أي أن مدى هذه الترسانة يغطي مساحة فلسطين المحتلة من كريات شمونة في اقصى الشمال الى ايلات في اقصى الجنوب.


بعد هزيمة العدو في لبنان في العام 2000، دخل الصراع مع العدو منحى غير مسبوق، مع اعطاء دفع معنوي ومادي كبير لفصائل المقاومة داخل فلسطين المحتلة، التي حاولت استلهام تلك التجربة والسير على خطاها.


كانت فاتحة العهد الصاروخي داخل فلسطين المحتلة مع جهود صناعة الصواريخ داخل ورش غزة، وتكللت مع انطلاق صاروخ “قسام 1” من غزة باتجاه مغتصبة سديروت في العام 2001 ويومها نقلت يديعوت احرونوت عن المغتصبين الصهاينة مقولة: “لقد أصبحنا كريات شمونة”!! لتذكرنا بعمق هذا الجرح داخل لاوعي العدو.


تذكر مصادر العدو، انه في تلك المرحلة، بدأت مداولات بين القيادات الصهيونية حول فكرة الانسحاب من غزة لتعوم بينهم مقولة الوزير الصهيوني رحبعام زئيفي، الذي اقتصت منه لاحقا مجموعة فدائية تابعة للجبهة الشعبية.
كانت غزة معضلة بالنسبة للعدو، وكانت مدار بحث في جلسات كنيست العدو، ومجلس وزرائه. وفي احدى الجلسات الموثقة في محضر كنيست، بتاريخ 12 نيسان 1995، قال زئيفي: “قد تأتي أطنان من المتفجرات وربما كاتيوشا من هناك (يقصد غزة) وتحول عسقلان وسديروت الى كريات شمونة في الجنوب”.


اما الارهابي ارئيل شارون فقد صرح بتاريخ 31-8-2003 قائلاً: “لن نسمح أن تتحول عسقلان الى خط مواجهة”.
هاجس غزة بات قادرا على هز ركيزة من ركائز نظرية الردع عند العدو، منذرا بقرب سقوطها، ويصبح الخنجر الثاني المغروس في خاصرة العدو، بعد خنجر لبنان، الذي بات معضلة لا حل لها مع تراكم القدرة الصاروخية، ومنها ترسانة دقيقة تكسر التوازن وتقصم ظهر العدو، الذي قلب الادوار، فامتهن التهديد… وأدمن تقديم الشكاوى الى هيئة الأمم!
اليوم جنين تتقمص هذه التجارب أيضًا، وتدخل نادي “هواجس العدو”، وتهز ثلاثة اثافيه من جهة خاصرته الضعيفة، والاقرب الى “قلبه”، والقادرة على تهديد مراكزه الحيوية، بأضعف الامكانيات وأبسطها من داخل مجاله الحيوي في شمالي الضفة المحتلة التي باتت تجربة “تاريخية خطيرة وغير مسبوقة”، كما يعلن السياسيون والمحللون الصهاينة، وباتوا يترقبون الاعظم مع الصواريخ التي ستنطلق من جنين ويرونها “مسألة وقت”، كما صرح ليبرمان منذ أيام.
ويقف العدو حتى الآن موقف العاجز، مثل “بالع الموس”، بحسب تعبير المثل الشعبي: فلا هو قادر على شن عملية واسعة ضد جنين وجوارها، ولا هو قادر على رؤيتها تتحول الى بركان ينفث دخانه شيئًا فشيئًا.. حتى يتفجر فلا يبقي ولا يذر منه ديارا.


تتحدث مصادر العدو أنها رصدت ثلاث محاولات اطلاق صواريخ محلية الصنع، من جنين وجوارها، في الاونة الاخيرة، وهي قد تكون حتى الان ذات تأثير نفسي اكثر مما هو عملاني لتذكرنا ببدايات تجربة صواريخ جنوبي لبنان وبدايات تجربة صواريخ القسام في غزة التي كتبت عنها يديعوت أحرونوت يومها: “إن الصاروخ قلب الموازين العسكرية وصنع لأول مرة قوة ردع، تؤثر بشكل مباشر على الجبهة الداخلية لـ “إسرائيل”. إذ إن الخطر الأكبر الذي تمثله الصواريخ، هو خطر نفسي لا مادي بالأساس”.


الآن جنين تستنسخ التجربة في موضع حساس كما ذكرنا.
ذاق العدو الويلات في جنوبي لبنان، لكن مع تجربة غزة، الصغيرة والمحاصرة، نسي جنوبي لبنان وبات تركيزه منصبا عليها، واليوم مع تجربة جنين نسيهما معا، وبات تركيزه محصورا في مدينة بحجم قرية وكأنها تضع اصابعها في عينيه وننتظر منها الطعنة النجلاء.


الجيش الصهيوني الذي أجرى، في السنوات الاخيرة، عشرات المناورات تحت عنوان: “حرب الجبهات المتعددة” بات أسير ارادة عشرات المقاتلين، في مساحة جغرافية، لا تكاد تساوي حقل تدريب. وهو اليوم يخوض قتالا ضدهم تحت عناوين كبرى وبحسابات دقيقة لن تسمنه ولن تغنيه عن جوع الهزيمة الكبرى الآتية لا محالة.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد