الحاكم بأمر السلطة.. فهل تتبدل الموازين؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

لم تكن المرة الأولى التي يتصدر فيها حاكم مصرف لبنان مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، وهي أيضًا لن تكون الأخيرة في ظل ما يشهده هذا البلد من تقلبات مدمرة عصفت بكل مؤسساته بدءًا بالمالية منها، وعلى رأسها “مصرف لبنان”، الراعي الرسمي لكل مجازر الفساد التي شهدها تاريخ الدولة اللبنانية على مدى ثلاثين عامًا.

التطورات الأخيرة التي طالت حاكم المصرف، أتت تزامنًا مع حالة من الغموض المستمر في ملف أموال المودعين في المصارف اللبنانية، والتي بدورها لا زالت تدور في حلقة مفرغة من السيناريوهات المختلفة عن مصيرها منذ لحظات الانهيار الاقتصادي الأولى عام 2019 وحتى يومنا هذا، والقاسم المشترك بينها جميعًا، هو الإجماع الكبير من قبل المصارف بأكملها وعلى رأسها المصرف المركزي، بأن الودائع تبخرت، فهل تشكل هذه التطورات الأخيرة فرصةً ليمارس القضاء سلطته ومفتاحًا لمعرفة مصير أموال الناس وودائعهم؟

سلامة مطلوب دوليًا، والقضاء اللبناني غائب
لم تكن المرة الأولى التي يتصدر بها رياض سلامة الأخبار المحلية، إلا ان الخبر هذه المرة كان ثقيلًا نوعًا ما، إذ وبحسب وسائل الإعلام اللبنانية، صدر نهار الثلاثاء المنصرم في السادس عشر من أيار في فرنسا مذكرة توقيف دولية بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، على خلفية دعوى قضائية رفعت ضده في فرنسا بشأن مزاعم فساد في لبنان.

وفي هذا السياق ووفقًا لمحاميه، فقد تغيب سلامة نهار الثلاثاء عن جلسة استجواب في باريس لمعرفة كيف راكم أصولًا كبيرة له في أوروبا. وتشير المعطيات في هذا المجال إلى أن فريقه القانوني كان قد استبق جلسة الاستجواب تلك بتقديم دفوع شكلية الاثنين أمام النيابة العامة التمييزية في #لبنان يطالب فيها بتعليق التعاون مع التحقيقات الأوروبية، والاكتفاء بالتحقيق المحلي الذي يتم أساسًا على خلفية التحقيقات الأوروبية في قضايا غسل أموال واختلاس.

وفي المقابل، وعلى صعيد القضاء اللبناني وكيفية تعاطيه مع الحدث، فقد أفاد مصدر مطلع أن القضاء اللبناني “فشل” أربع مرات في تبليغه موعد استجواب الجلسة الفرنسية، الأمر الذي أثار غضب الكثير في لبنان، وعبر البعض عن صدمتهم بموقف القضاء اللبناني من الحدث.

أبرز المواقف في هذا الشأن، كان للقاضية غادة عون، التي غردت عبر حسابها على تويتر قائلةً: “القضاء اللبناني: تعذر إبلاغ رياض سلامة، مجهول محل الإقامة”. وتساءلت: “هل هذا معقول؟”.

وأردفت القاضية عون “جواب القضاء الأوروبي دون تردد… مذكرة توقيف دولية بحق سلامة”، وأضافت “بعدهن عم يتزاكوا ما صارت مفهومة اللعبة”.

موقف القاضية عون لم يكن الوحيد، بل كان للعديد من السياسيين والناشطين مواقف مشابهة، عبروا من خلالها عن أملهم بأن يحقق القضاء الفرنسي إنجازًا في ملف الفساد في لبنان، وعن خيبتهم من غياب القضاء اللبناني وتقاعسه عن محاربة الفساد، الأمر الذي يضع القضاء بحد ذاته موضع الاتهام والشبهات والتآمر في ملاحقة ومحاكمة الطبقة السياسية الفاسدة والمدعومة هي أيضًا من أجهزة القضاء اللبناني.

ماذا بعد مذكرة التوقيف الدولية؟
كرد فعل أولي، اعتبر حاكم مصرف لبنان أن إصدار القضاء الفرنسي مذكرة توقيف دولية بحقه هو أمر مخالف للقوانين الدولية، متهمًا القاضية الفرنسية أود بوريزي بتجاهل القوانين، والتحقيق الفرنسي بـ”ضرب مبدأ جوهري متعلق بسرية التحقيقات” وأكد سلامة أنه “سيتنحى عن منصبه إذا صدر حكم قضائي ضده”. ولفت الى ان “نائب حاكم المصرف المركزي سيتسلم المنصب بعد انتهاء ولايتي”.

أما فيما يتعلق بموقف وزارة الداخلية من المذكرة، فقد صرح وزير الداخلية بسام مولوي، أن الوزارة ستنفذ ما يطلبه القضاء، وأنه يرى أنه بات “من الضروري أن يستقيل الحاكم”. وبغض النظر عن مدى قانونية المذكرة، فإنه أصبح واضحًا ومفهومًا لسلامة ومعه السلطة السياسية الحاكمة، أن بقاء الأخير في منصبه هو أمر مستبعد وصعب.

دعوة مولوي للاستقالة لم تكن الوحيدة، فقد دعا العديد من المسؤولين ومنهم نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال “سعادة الشامي” حاكم المصرف للاستقالة بعد إصدار فرنسا لمذكرة التوقيف، مشيرًا في تصريح إعلامي “عندما يُتهم شخص في أي دولة بمثل هذه الجرائم، ينبغي ألا يظل في موقع مسؤولية ويجب أن يتنحّى فورًا”.

وتجدر الإشارة إلى أن معالم النزاعات بين سلامة والسلطة قد بدأت فعليًا والأمر بات واضحًا في تصريحات سلامة الأخيرة حول ضرورة أن يقوم القضاء اللبناني بالتحقيق مع المسؤولين قبل استجواب الحاكم، الأمر الذي اعتبرته مراجع سياسية بمثابة رسائل للسياسيين وتهديدًا لهم.

أمام هذه المستجدات تبقى الأضواء مسلطة على موقف القضاء اللبناني بالدرجة الأولى من كل ما يحدث، وعما إذا كان القضاء سيتحمل مسؤوليته المهنية والأخلاقية بعيدًا عن تدخلات السلطة الفاسدة، ليطبق عدالة غابت لثلاثين عامًا ولا زالت لهذه اللحظة، عسى أن تكون هذه القضية بارقة أمل للبنانيين الذين ضاعت أملاكهم ونهبت ودائعهم على أيدي سلطة فاسدة ومصرف لا يقل عنها فسادًا.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد