استهداف سفينة بريطانية قبالة اليمن: رسائل تصعيد ما قبل المفاوضات؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

على توقيت انفراج العلاقات السعودية – الإيرانية، المتوالية فصولها على مستوى الإقليم، تتحضر الساحة اليمنية لجولة ثانية من المفاوضات المباشرة بين #صنعاء و #الرياض برعاية عُمانية. على الطاولة تحضر ملفات خلافية شائكة، بعضها يعكس استمرار حدة التباينات بين حكومتي عدن، المدعومة سعوديًا، وصنعاء، وعلى رأسها البند المتعلق بدفع رواتب موظفي القطاع العام، واستكمال جهود فتح مطار #صنعاء وميناء الحديدة، ورفع الحصار بشكل كامل عن #اليمن . بالتوازي، يُحكى عن تقدّم المداولات بشأن توحيد المصرف المركزي، وعمليات إصدار النقد الوطني، إضافة إلى اقتراب الطرفين من الموافقة على تمديد رسمي للهدنة لفترة تتراوح بين 6 أشهر وسنة.

وضمن هذه الأجواء التفاؤلية، تسرّبت ملامح مسودة “خارطة طريق” طرحتها السعودية لوقف الحرب في اليمن، تتكون من ثلاث مراحل لها، بحيث تشمل المرحلة الأولى، التي من المفترض أن تمتد لستة أشهر، بنودًا عدة أهمها توقف كافة العمليات العسكرية، بالتزامن مع تشكيل فرق تفاوض سياسي بغية التمهيد لبدء مفاوضات شاملة لوضع تصورات الحل النهائي للأزمة، مع إنجاز الملفات الإنسانية الملحة.

وكمؤشر حول تقدم المسار التفاوضي لحل الازمة اليمنية، أعلن المبعوث الأممي الخاص باليمن هانس غروندبرغ مطلع نيسان الماضي أن المحادثات السعودية العمانية في صنعاء “تجعل اليمن أقرب ما يكون نحو تقدم حقيقي تجاه سلام دائم” منذ بدء الحرب. حديث غرودنرغ، جاء عقب مباحثات أجراها وفدان من #السعودية وسلطنة #عمان ، مع قيادات حركة “أنصار الله” في صنعاء، على رأسهم رئيس المجلس السياسي الأعلى” مهدي المشاط للبحث في مسار السلام في البلاد. وضمن هذا المناخ الإيجابي، جاءت صفقة تبادل الأسرى التي جرت مؤخرًا بين الحركة والتحالف السعودي، أواسط شهر نيسان/ أبريل الماضي، على مدى ثلاثة أيام، شملت نحو 900 أسير من الطرفين.

وللتأكيد على سير المفاوضات بين “أنصار الله” والسعوديين، بوتيرة عالية، أبدى عضو المكتب السياسي لأنصار الله، علي القحوم، في مقابلة تلفزيونية، تفاؤله بالتقدم والنجاح لجهود الوساطة العمانية، مشيرًا إلى وجود روح إيجابية لدى المفاوضين السعوديين. وشدّد القحوم على أنّ “الأولوية للملفات الإنسانية ووقف العدوان ورفع الحصار وخروج القوات الأجنبية والإعمار وجبر الضرر”، مشيرًا إلى أنّ “الاتفاق بشأن الملفات الإنسانية سيقود إلى تهيئة الأجواء للحوار اليمني برعاية أممية بدون وصاية أو تدخلات خارجية”. كما دعا السعودية إلى الخروج من “العباءة الأميركية”، مضيفًا أنّه يتعين عليها “كسر القيود والضغوط الغربية الدافعة دومًا لاستمرار العدوان والحصار على اليمن”، مستنكرًا في الوقت نفسه “التحركات الأميركية في باب المندب والجزر وقبالة السواحل اليمنية”، في إشارة إلى النشاطات العسكرية لواشنطن هناك.

ورغم أن السعودية، تتواصل مع حلفائها اليمنيين، في “المجلس الرئاسي” في عدن، عن طريق سفيرها لدى الأخير، محمد آل جابر، لوضعهم في أجواء مستجدات المباحثات مع قيادة “أنصار الله” في صنعاء، بهدف الإيحاء بوجود تنسيق قوي بينها وبينهم حول شروط التسوية المرتقبة في اليمن، إلا أن مراقبين يشيرون إلى أنّ استبعاد حكومة عدن، من المفاوضات الجارية مع “أنصار الله”، يشي برغبة سعودية في حسم الصورة النهائية للتسوية اليمنية على قياس مصالحها. وفي حين تركز الرياض على البنود الميدانية، وتعطي الأولوية لتثبيت الهدنة، تتمسك حركة “أنصار الله” برفض البدء في أي حوار يمني – يمني قبل خروج كافة القوات الأجنبية من البلاد، إضافة إلى إصرارها على المطالب الإنسانية لا سيما تلك المتعلقة برفع الحصار، وإلغاء القيود المفروضة من قبل التحالف على حركة الملاحة في مطار صنعاء، وميناء الحديدة. ويحدث أن يرشح أحيانًا عن كواليس المفاوضات، وجود استعداد لدى الرياض للقبول بدفع رواتب القطاع العام من مبيعات النفط والغاز اليمنيين، كما تطالب صنعاء، وهو الأمر الذي لا يلقى تأييدًا لدى حلفاء السعودية اليمنيين، والأميركيين على حد سواء، وفق ما تشيع بعض التقارير.

وفي هذا الصدد، تشير مجلة “فورين بوليسي” إلى مؤشرات غير مسبوقة في الملف اليمني، موضحة أنّ “السعودية عمدت على مدى الأشهر الماضية، إلى إعطاء إشارات أكثر وضوحًا بشأن حرصها على إيجاد طريق للخروج (من اليمن)”. ومع إبداء صنعاء مرونة في المفاوضات الجارية لوقف الحرب في اليمن، تشير المجلة إلى أنها “المرة الأولى التي يتوفر فيها سبيل لإنهاء الحرب يمكن لكل من الحوثيين (حركة أنصار الله)، والرياض التوافق عليه”، لافتة إلى “وجود حالة من التفاؤل الحذر” على هذا الصعيد.

من جهتها، تتوقف مجلة “ذي إيكونوميست” عند عملية تبادل الاسرى بين “أنصار الله”، والتحالف السعودي، مؤكدة أنها “خطوة رمزية لإنهاء الحرب التي تقودها السعودية في اليمن”. وتنطلق المجلة البريطانية من الأوضاع الإنسانية الصعبة الناجمة عن الحرب مع وصول نسبة اليمنيين ممن يعتمدون على المواد الإغاثية إلى 80 في المئة من إجمالي الشعب اليمني، البالغ تعداده 30 مليون شخص، وتجاوز حصيلة وفيات اليمنيين بسب المرض والمجاعة عتبة المئة الف قتيل، للقول إنّ حركة “أنصار الله” إنما “تقترب من تحقيق نصرٍ مكلف”. وتزيد أنّ “الوضع (السياسي والأمني) الذي أسهم السعوديون، بالتعاون مع حلفائهم، في إيجاده داخل اليمن على مدار السنوات الثماني الماضية، والمتمثل في تفريخ خليط من الميليشيات المتناحرة، إضافة إلى تكريس كيانات (سياسية) على مساحة جغرافية واسعة خارجة عن سلطة الدولة، ليس أفضل بأي شكل من الاشكال” عما كان عليه الوضع ما قبل الحرب.

في المقابل، عادت صنعاء إلى لغة التصعيد في وجه مماطلة السعودية في حسم البنود الخلافية بشأن التسوية، حين هدّدت على لسان عضو المكتب السياسي لحركة “أنصار الله”، محمد الفرح، قبل أيام قليلة، باستهداف الموانئ والمطارات وآبار النفط والمصافي النفطية في السعودية في حال فشل المفاوضات، مشدّدًا على أن الاستهداف لن يقتصر على آبار ومصافي النفط والتحلية في المملكة. وتابع أنّ “الملاحة ستتوقف تمامًا، وسنبقى جميعًا من دون موانئ ومطارات”، داعيًا الرياض إلى “مراعاة مصالحها قبل مصالح الأميركي”. وفي الاتجاه نفسه، جاء تهديد وزير الدفاع في حكومة صنعاء، محمد ناصر العاطفي، لدول التحالف، من مغبة التصعيد، أو محاولة المناورة والالتفاف على التفاهمات التي تم التوصل إليها، عبر الوساطة العمانية، مؤكدًا أنّه “لدى صنعاء وسائل وأساليب استراتيجية مهمة، تستطيع أن تؤدب من خلالها كل من يحاصر ويقتل الشعب اليمني”.

وقد بدا واضحًا تواتر هذا النوع من الرسائل التصعيدية من جانب صنعاء، التي تستشعر مماطلة سعودية في إتمام ما اتفق عليه على طاولة المفاوضات، بدفع من قوى خارجية، وفي طليعتها واشنطن ولندن. من هنا، يشير البعض إلى إمكانية وقوف حركة “أنصار الله” خلف الهجوم الأخير على سفينة بريطانية قبالة السواحل اليمنية باعتباره رسالة للداخل والخارج، وتحديدًا في ملف عائدات النفط والغاز اليمنيَّيْن، وهو محل خلاف مع “الرئاسي”، وأمن الملاحة في البحر الأحمر، وهو أمر تعنى به واشنطن بشكل أساسي، التي تتهمها صنعاء بالقيام بأنشطة عسكرية مشبوهة في تلك المنطقة الاستراتيجية. وما رجح فرضية أن تكون الحركة وراء استهداف السفينة، بحسب هؤلاء، هو تناقض الرواية البريطانية وتضاربها بشأن الحادثة.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد