استدارة أردنية نحو طهران: هل أصبح مشروع “الناتو” العربي – “الإسرائيلي” من الماضي؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

لا يمكن الفصل بين تطور العلاقات الإيرانية – الأردنية، وبين دخول المنطقة المعتادة على السخونة على المستويين الأمني والسياسي، في خضم “هبّة باردة” تلفح ملفات الإقليم من #اليمن ، إلى #سوريا . فقبل أيام، أجرى وزير الخارجية الإيراني حسين أمر عبد اللهيان مباحثات هاتفية مع نظيره الأردني أيمن الصفدي بشأن تطوير العلاقات الثنائية. من جهته، أكد وزير الخارجية الأردني أن بلاده “تريد علاقات طيبة مع إيران قائمة على مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”، مشدّداً على أهمية التعاون مع الجانب الإيراني لمعالجة عدد من القضايا العالقة التي تؤرق عمّان، بما فيها الأوضاع على الحدود الأردنية السورية، وتفشي ظاهرة تهريب المخدرات عبر #الاردن . كذلك، اتفق الوزيران على أهمية المضي قدماً في اللقاءات الأمنية بين البلدين، إضافة إلى الحفاظ على التواصل السياسي بينهما من أجل الوصول إلى تفاهمات تؤسس لعلاقات مستقبلية تكرس التعاون وتسهم في تعزيز الأمن والاستقرار والتعاون في المنطقة.

واقعية أردنية تسبق زمن الانفتاح السعودي على إيران


ومع أنه يجوز الربط بين التحسن في العلاقات بين عمّان، و #طهران عن المُعطى الإقليمي المستجد، والمتمثل بالتقارب السعودي الإيراني، إلا أن إرهاصات هذا التحول في بوصلة السياسة الخارجية الأردنية ترجع إلى أعوام خلت. ففي صيف العام الفائت، أعلن رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، أن بلاده تسعى لعلاقات جيدة مع طهران، مؤكداً أنّ عمّان لم تتعامل مع #ايران يوماً على أنها مصدر تهديد للأمن القومي. هكذا، وبعد سنوات طبعها الخلاف حول الملف العراقي بعد العام 2003، والحرب السورية منذ العام 2011، يستشف محللون أردنيون أن حكومة بلادهم بدأت تتلمس طريقها للعودة إلى تبني سياسة خارجية أكثر واقعية.

وبعد إظهار الانفتاح على القبول بدور روسي داخل حدود جارتهم سوريا، تنطلق القراءة الأردنية المنقّحة في “طالع المنطقة” من قاعدة التسليم بدور إقليمي وازن لطهران، بخاصة على حدودها مع سوريا، حيث تنتشر قواعد عسكرية إيرانية. وبحسب هؤلاء، فإن ظروف انكفاء الولايات المتحدة عن المنطقة بوتيرة عجلت منها مجريات الحرب في أوكرانيا، عطفاً على ثبوت عدم جدية “إسرائيل” مما بات يُعرف بـ “عملية السلام”، فضلاً عن إخفاق رهاناتهما معاً على إخضاع طهران، دبلوماسياً أو عسكرياً، باتت تدفع لا محالة إلى ضرورة إنهاء حالة الخصومة مع “الجمهورية الإسلامية”، وتعزيز المصالح المشتركة بين الأردن وإيران في عدد من الملفات الإقليمية، في طليعتها القضية الفلسطينية. لذا، لم يكن مستغرباً أن تكشف صحيفة “معاريف” العبرية، عن أنّ الاتفاق بين إيران والأردن على العمل على استئناف العلاقات، أوجد حالة من القلق داخل “إسرائيل”، باعتباره مؤشراً أولياً حول عزلة يعيشها كيان الاحتلال بعد الاتفاق السعودي – الإيراني.

بدوره، يشير الخبير في شؤون الخليج في معهد دراسات “الأمن القومي” (الإسرائيلي)، يوئيل جوزانسكي، إلى أن المنجزات الدبلوماسية الأخيرة لإيران، على مستوى علاقاتها مع الدول العربية، تشكل “ضربة لمفهوم “إسرائيل” وجهودها في الأعوام الأخيرة من أجل تشكيل كتلة مناهضة لإيران في المنطقة”، معتبراً أن تلك المنجزات “تمنح حيوية لإيران وسط الدول العربية في المنطقة”. ويؤكد أن المنجزات المذكورة “يمكن أن تُثمر لاحقاً علاقاتٍ دبلوماسية أيضاً بدولٍ إضافية، مثل مصر”.

أجندة حكومة نتنياهو حيال ملف القدس


ففي ما يخص القضية الفلسطينية، لا شك أنّ عمّان تجد صعوبة في مواصلة تغطية علاقاتها مع حكومة نتنياهو المتطرفة، تحت ستار التصدي لـ “الخطر الإيراني” في وقت لا يوفر فيه الصهاينة زماناً، أو مكاناً لممارسة عنجهيتهم وعنصريتهم تجاه العرب عموماً، والفلسطينيين خصوصاً. وقد زادت اعتداءات الاحتلال في المسجد الأقصى، ذي الخصوصية الدينية والسياسية في عقل الحكم الأردني، خلال شهر رمضان المبارك مؤخراً، وقبلها مواقف وزير المالية “الإسرائيلي” بتسلئيل سموتريتش على خلفية عرضه لخريطة مزعومة لـ “إسرائيل” تضم الأردن والأراضي الفلسطينية، في حراجة الموقف الأردني سواء في ما يخص المجريات على الساحة الفلسطينية، أو العلاقة مع إسرائيل، وبالتالي الموقف من إيران. وفي حين اكتفى الأردن بمصادقة مجلس النواب، على قرار غير ملزم بطرد سفير تل أبيب على أراضيه، تطل المخططات “الإسرائيلية” الخبيثة تجاه الأردن برأسها بين حين وآخر، تارة تحت عنوان تهويد القدس، وتقسيم المسجد الأقصى زمانياً، ومكانياً، بما يعنيه الأمر من تطال على الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في فلسطين، وتارة من خلال استجرار مشاريع “الترانسفير”، و”الوطن البديل”، التي تستبطن تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن.
شيئاً فشيئاً، تستشعر القيادة الأردنية الخطر “الإسرائيلي” الداهم والوجودي على مصير الأردن، ككيان سياسي. من هذا المنطلق، تتوقف مديرة برنامج دراسات الشرق الأوسط في “معهد ويلسن”، ميريسا خورما، عند نهج الوزراء اليمينيين في الحكومة “الإسرائيلية” العدائية حيال موقف الأردن من القضية الفلسطينية، مؤكدة أن تلك القضية تشكل “مسألة وجودية بالنسبة للأردن” على المستويين الرسمي والشعبي. وتتابع أنه “لا يمكن فصل (القضية الفلسطينية) عن المجتمع والسياسة في الأردن”، ملمحة أنها قضية ذات طابع محلي وإقليمي في آن معاً لدى الأردنيين.

الورقة الإيرانية!


وفيما جرت عادة الحكومات العربية على إشهار “سيف التطبيع” مع تل أبيب، وتوثيق روابط التعاون العسكري والأمني معها، في وجه ما تسميه “المشروع التوسعي الإيراني”، أو “مخطط إقامة الهلال الشيعي” في المنطقة، كما وصفه الملك الأردني في إحدى مقابلاته، فإن واقع اليوم هو أشبه بمحاولة الحكومات العربية اللعب بـ “ورقة العلاقة مع إيران” ضد “إسرائيل”، رداً على تماديها في انتهاكاتها داخل الأراضي المحتلة، وعدم تراجعها عن خططها الاستيطانية في الضفة الغربية، رغم “اتفاقيات أبراهام” الموقعة بين تل أبيب، وعدد من الحكومات العربية. ومع أن “الورقة الإيرانية” تحمل أبعاداً دبلوماسية ذات مدلولات احتجاجية شديدة اللهجة، إلا أنها تشير إلى ما يبدو وكأنه انفكاك في عُرى التحالف الإقليمي المشارك في مبادرة ما كان يُعرف بـ “ناتو الشرق الأوسط”، وهو مشروع أوغل الإعلام الغربي في الكشف عن أبعاده الأمنية والعسكرية منذ عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قائم على فكرة العداء لإيران.

السقوط المدوّي لـ “أبراهام”


الأكيد، أنّ هذا التطور العكسي في العلاقات الأردنية “الإسرائيلية”، ليس مرتبطاً حصراً بالعامل الفلسطيني المباشر، أو في عنصر الصعود في الحضور الإيراني على مستوى المنطقة، بل يتعداه إلى نطاق إقليمي أوسع متصل بانهيار المسار الداعم لـ “التسوية” مع كيان العدو، والذي يعزّز منه مدى التردد السعودي في التطبيع مع تل أبيب، من جهة، وتنامي حجم الاستنكار الشعبي الواسع للممارسات “الإسرائيلية” داخل الأراضي المحتلة، عربياً وإسلامياً، من جهة ثانية. ومع تصدر مشهد الاشتباك اليومي بين الفلسطينيين والاحتلال، وهو ما أبرزته أحداث المواجهات الأخيرة على أسوار القدس وفي سماء غزة ولبنان، على وقع عودة “حماس” إلى “الاحتضان السياسي الكامل” من جانب محور “المقاومة”، تبدو عمّان مدركة أن البساط يُسحب تدريجياً، على المستويين السياسي والإعلامي، من تحت أقدام “معسكر أبراهام”، في جولة سقوط قديمة جديدة بشأن رهانات السلام مع “إسرائيل”، لصالح “مشروع المقاومة”، الذي تدعمه إيران، بخاصة في فلسطين. بالتأكيد لا يعني ذلك أن الأردن سيصبح ضلعاً في “محور المقاومة”، لكنه لن يرغب في الوقت نفسه، أقله في الوقت الراهن، في الظهور بمظهر المؤيد لحكومة “إسرائيلية”، ذات أجندة “شوفينية”، هي الأكثر تطرفاً في تاريخ كيان الاحتلال، ما قد يسهم في فهم ضرورات بحثها عن صيغة أكثر توازناً لإدارة علاقاتها مع كل من تل أبيب، وطهران.

وبحسب معهد “ويلسن” للدراسات السياسية، فإن أجندة حكومة نتنياهو إزاء ملف القدس، لا سيما بعد زيارة وزير أمن الاحتلال إيتمار بن غفير “الاستفزازية” مطلع العام الجاري إلى المسجد الأقصى، الخاضع للوصاية الأردنية، تعد أجندة “مزعزعة للاستقرار”، معتبرة أنّ “العلاقات التي يرسمها قادة الدول الإقليمية (مع تل أبيب) تلقى معارضة لدى غالبية الشارع العربي”.

الأردن في مهب ريح “الترانسفير”

في خضم تلك المستجدات، لا يمكن إنكار أنّ تغير المقاربة الأردنية لملفات الإقليم، يجد انعكاساته على الساحتين السورية والعراقية أيضاً. من هنا، يمكن النظر إلى عودة الحرارة إلى علاقات عمّان مع دمشق، وإلى التطور المستمر للعلاقات مع الجانب العراقي على أنهما مكملان لمسار الانفتاح على إيران، علماً أن بغداد لعبت دوراً على مدى الأشهر الماضية في تنظيم جولات حوار بين مسؤولين أردنيين وإيرانيين، توازياً مع ورشة الحوار السعودي- الإيراني.

ففي سوريا، تقود الدبلوماسية الأردنية حراكاً نشطاً لإعادة دمشق إلى الجامعة العربية. وفي هذا السياق، تكشف مصادر دبلوماسية أنّ ملف التطبيع العربي مع دمشق، يتصدر الأجندة الدبلوماسية لعمّان مع دول الخليج، بعد “خطة السلام” التي أُعلن عنها الأسبوع الماضي. فالوضع في سوريا، الواقعة على الحدود الشمالية للأردن، يندرج في صلب اهتمامات عمّان، إلى جانب ملف تهريب المخدرات عبر الحدود، وأزمة النازحين السوريين في البلاد، والمقدر عددهم بنحو 1.3 مليون نازح، وفق مراقبين.

أما في الحالة العراقية، فتكاد تتساوى العوامل الأمنية والاقتصادية في حسابات عمّان خلال الأعوام الأخيرة. وإلى جانب توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية بين البلدين، وإطلاق العديد من مشروعات التعاون الاقتصادي على غرار مشروع الربط الكهربائي، لتزويد العراق بنحو 150 ميغاواط من الكهرباء الأردنية في مرحلة أولى، على أن تصل إلى 500 ميغاواط عند اكتمال المشروع، فإن البعد الأمني يحتل مكانة بارزة على خط العلاقة بين بغداد وعمان. هذا التوازن الدقيق بين حسابات “الجغرافيا السياسية”، و”الجغرافيا الاقتصادية” الذي ينشده صانع القرار الأردني على هذا الصعيد، ينطوي على استجابة لتحذيرات خبراء وأكاديميين بشأن الصورة المثلى للتفاعلات الأردنية مع كل من العراق وسوريا، حيث الحدود الأردنية الأكبر، لا سيما وأن قوة إقليمية كبرى كإيران، تتمتع بنفوذ خاص في كلا البلدين.

وفي هذا الاتجاه، تود عمّان، ومن خلال التزامن بين تنشيط علاقاتها مع بغداد، ودمشق، من ناحية، وبين “نفخ الروح” في علاقاتها بطهران، أن تبعث بإشارات بأن حراكها الإقليمي إنما ينطلق من قاعدة تعاونية مع طهران، وليس صدامية تجاهها، خصوصاً وأنها باتت تستشعر خطراً “إسرائيلياً” داهماً على حدودها مع فلسطين المحتلة، هو أقرب إليها مما كانت تشيعه حول “الخطر الإيراني”. فخلال مؤتمر استضافته العاصمة الأردنية عمان في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2017، نظمه كل من “مركز القدس للدراسات السياسية” و”مؤسسة كونراد أديناور”، بمشاركة عدد كبير من الباحثين والسياسيين من دول عربية وإقليمية، دعا المستشار السابق في مركز دراسات الشرق الأوسط بالخارجية الإيرانية، محمد مهتدي، الحكومة الأردنية إلى اعتماد “سياسة متوازنة” في المنطقة، من خلال تعزيز تعاونها مع العراق وسوريا بهدف إجهاض مشروع “الوطن البديل” الذي تدفع به “إسرائيل”. وحذّر مهتدي، خلال جلسة عمل بمؤتمر حمل عنوان: “الأردن في بيئة إقليمية متغيرة… سيناريوهات المرحلة المقبلة”، من “أن تنفذ إسرائيل الترانسفير الفلسطيني إلى الأردن في حال انهيار سوريا أو العراق وتفكك جيشيهما، أو في حال وقوع حرب إقليمية مدمرة”. ما سبق، يعطي المؤشر، بحسب محللين أردنيين، حول هوية العدو الحقيقي للأمة، ويقدم الدوافع اللازمة لبدء صفحة جديدة على صعيد العلاقات العربية – الإيرانية، بصفة عامة، والأردنية – الإيرانية بصفة خاصة.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد