مفاعيل مصالحة أنقرة والقاهرة تنتظر “رئاسيات تركيا”: العين على ليبيا

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

في خطوة هي الأحدث على صعيد تحسن العلاقات المصرية التركية، جاءت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى العاصمة التركية أنقرة قبل أيام. الزيارة، والتي يضعها البعض ضمن سياق “دبلوماسية الزلازل”، على اعتبار أنها تعقب الزلزال الذي ضرب تركيا مطلع شهر شباط/ فبراير الماضي، جاءت بعد أقل من شهر من زيارة نظيره التركي مولود جاويش أوغلو إلى القاهرة، لتنهي نحو 11 عامًا من القطيعة بين البلدين، وسط توقعات باستئناف العلاقات الدبلوماسية في وقت قريب. كما أنها جات بعد مشهد المصافحة “الشهيرة” بين الرئيسين التركي رجب طيب اردوغان، والمصري عبد الفتاح السيسي على هامش فعاليات مونديال قطر في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي.

وخلال زيارة شكري، أكد الجانبان على ضرورة مواصلة السعي لتحديد “جدول زمني” لعودة العلاقات بين أنقرة والقاهرة. من جهته، أبدى شكري انفتاحه على مقترح نظيره التركي بشأن عقد قمة رئاسية تجمع رئيسي البلدين بعد الانتخابات الرئاسية المرتقبة في تركيا، من دون نفي أو تأكيد موافقة بلاده الحاسمة على الموعد المذكور. في المقابل، شدد أوغلو على أهمية فتح صفحة جديدة في العلاقات التركية المصرية.

وبعد سنوات من التوتر الدبلوماسي على خلفية إطاحة الجيش المصري لحكم الرئيس السابق محمد مرسي عام 2013، المحسوب على جماعة “الإخوان المسلمين”، المدعومة من أنقرة، وتباينات جيوسياسية في أكثر من ملف كسوريا وليبيا، لا يبدو أن كلًا من مصر وتركيا على طريق “المصالحة الشاملة” بينهما، لا سيما وأن شكري وأوغلو اكتفيا بالإشارة إلى أهمية “تحسين العلاقات الثنائية على المستوى الاقتصادي”، وتعابير عامة فضفاضة حول “تعزيز الاستقرار في المنطقة”، عكست بقاء التباينات في مقاربة مصر وتركيا لعدد من القضايا على حالها.

وبالفعل، فقد شهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر وتركيا تقدمًا ملحوظًا خلال الآونة الأخيرة، حيث باتت مصر الشريك التجاري الأول لتركيا في شمال إفريقيا، على وقع تضاعف حجم التجارة البينية من حوالي 5 مليارات دولار في عام 2018 إلى 10 مليارات دولار. كما أنّ تركيا تصدّرت خلال العام 2022 قائمة مستوردي الغاز الطبيعي من مصر، حيت قاربت إجمالي قيمة وارداتها منه 27 في المئة، بقيمة تجاوزت المليار دولار. وفي هذا الصدد، كشف رئيس مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال المصريين الأتراك (تومياد) نهاد أكينجي، أن وزير الخارجية التركي بحث مع المسؤولين المصريين لدى زيارته الأخيرة للقاهرة، فرص إبرام بلاده عقود شراء غاز طويلة الأجل.

أما على المستوى الإقليمي، فمن الواضح أن كل طرف لم يتزحزح عن مواقفه. فعلى مستوى الأزمة السورية، تميل القاهرة إلى دعم موقف حكومة الرئيس السوري بشار الأسد لناحية رفض تواجد القوات الأجنبية، التركية ضمنًا، على الأراضي السورية، وهو ما ترفضه أنقرة حتى اللحظة. أما بخصوص الوضع في ليبيا، فقد حمل كلام لشكري عن ضرورة مراعاة متطلبات الأمن القومي لبلاده هناك، موقفًا مبطنًا بشأن استمرار رفض مصر لاتفاقية التعاون العسكري التي وقعتها أنقرة مع “حكومة الوحدة الوطنية” في ليبيا، المعترف بها دوليًا، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، واتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بينها وبين “حكومة الوفاق الوطني” الليبية برئاسة فايز السرّاج خلال العام 2019. ومع ذلك، باشرت الحكومة التركية خلال العامين الماضيين، في سلسلة من التدابير بهدف تخفيف التوترات مع القاهرة، على غرار تخفيف حدة انتقادات وسائل الإعلام لديها للحكومة المصرية، فضلًا عن إغلاق عدد من القنوات المصرية المعارضة، على أراضيها كقناة “مكملين”، ذات التوجهات “الإخوانية”، إضافة إلى اعتقال وترحيل عدد من المعارضين لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي. وتترافق المساعي التركية لتحسين علاقاتها مع مصر، كجزء من سعيها لتطبيع علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع عدد من خصومها، كالسعودية، والإمارات، وذلك لأسباب اقتصادية في المقام الأول.

وأيًا يكن من أمر، يعتبر مراقبون أن الساحة الليبية ستشكل المؤشر الأكثر وضوحًا حول مدى جدية أي نوع من التفاهمات المصرية التركية خلال الفترة المقبلة، بعد ما أُشيع حول إشارات أعطتها أنقرة بشأن استعدادها لوقف دعمها للدبيبة، وخصوصًا مع انتهاء ولايته في إطار عملية سلام بقيادة الأمم المتحدة جاءت به إلى السلطة في أعقاب المعركة التي اندلعت بعد هجوم قوات “الجيش الليبي” الموالية للمشير خليفة حفتر على طرابلس عام 2019. ففي أيار/ مايو من العام الماضي، كشف موقع “أفريكا أنتليجنس”، الناطق باللغة الفرنسية، عن وجود بوادر “انزعاج” لدى اردوغان من الدبيبة بسبب تبنيه نهجًا متشدّدًا في المفاوضات مع خصومه من داعمي حكومة باشاغا، ملمحًا إلى انفتاح الجانب التركي على إمكانية التخلي عن دعم الدبيبة لصالح باشاغا. تقاطع ذلك، مع تسريبات في الصحافة الفرنسية بشأن “ضغوط إيجابية” تمارسها أنقرة على رئيس “حكومة الوحدة الوطنية” الليبية للتخلي عن السلطة. ولعل هذا يُفسّر مبادرات عمد إليها الأخير تجاه تركيا خلال الأشهر الأخيرة، بهدف ضمان الحفاظ على دعم حكومة “العدالة والتنمية” له، منها زيارة قام بها إلى الأراضي التركية للقاء الرئيس رجب طيب اردوغان، بعد الزلزال الأخير، وإعلان وزيرة الخارجية في حكومته نجلاء المنقوش قرارًا بتخصيص مساعدات بقيمة 50 مليون دولار لتركيا كشكل من أشكال التضامن “الإنساني” معها. وعلى ما يبدو، فإن ” بشائر انفراج”، في المشهد الليبي، على وقع التقارب المصري- التركي، بدفع من موسكو، الحاضرة بقوة في الميدان الليبي، بدأت تلوح مع ما رشحت عنه التسريبات الصحافية في الأيام القليلة الماضية بشأن التوصل إلى توافقات بين أفرقاء الصراع في ليبيا، تشترط تدشين مسار سياسي لتشكيل حكومة مصغرة، على أن تخلف حكومتي الدبيبة وباشاغا، في حال رغبا بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة المنوي اجراؤها بحلول نهاية العام الجاري، وفق خطة يدفع بها المبعوث الأممي الخاص بليبيا عبد الله باثيلي. كما تضمنت التسريبات حيزا بشأن إقرار مسار أمني مواز يرمي إلى توحيد الفصائل المسلحة الليبية في الشرق والغرب، ومحاولة إبعادها عن تأثير كل من حكومتي باشاغا والدبيبة، تمهيدًا لوضعها تحت تصرف سلطة تنفيذية جديدة وموحدة. وفي هذا السياق، فإن اللقاء الذي جمع مؤخرًا بين رئيس أركان القوات المسلحة المحسوبة على الغرب، الموالية للدبيبة، محمد الحداد، وقائد قوات “الجيش الوطني الليبي” المحسوبة على الشرق الموالي لباشاغا، عبد الرزاق الناظوري يكتسي دلالات بالغة في هذا الخصوص.

من الواضح أن الواقع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه كل مصر وتركيا، يعد أحد أبرز دوافع التحسن في علاقاتهما الثنائية، إلى جانب تغير معالم المشهد الإقليمي منذ سقوط المشروع التركي لـ “أخوَنة المنطقة”، والانتكاسات التي عاينها هذا المشروع في أكثر من محطة منذ العام 2011. وإذا كان هذا التقارب، بمندرجات غير واضحة حتى الساعة، قد تسارعت وتيرته عام 2021 في أعقاب المصالحة في “قمة العُلا” الخليجية بين قطر من جهة، والسعودية والبحرين والإمارات من جهة أخرى، فإن للعامل المتمثل بتراجع حجم الانخراط الأميركي في شؤون الشرق الأوسط قد لعب دوره على هذا الصعيد. ومع بداية انبلاج فجر نظام عالمي، يتصاعد دخانه “الأبيض” من داخل حدود أوروبا، وفي مياه بحر الصين، تبدو بعض القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، أكثر من أي وقت مضى، في وارد الإقلاع عن مسلّماتها بأن 99 في المئة من مصير المنطقة بيد أميركا.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد