مقابلة | الاتفاق السعودي – الإيراني.. الصين تفرض معادلة جديدة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

بعد مفاوضات قادتها الصين بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، توالت ردود الفعل العربية والدولية حول البعد الذي يحمله هذا الاتفاق وأثره على المنطقة. وللحديث أكثر عن التفاهم السعودي – الإيراني وتداعياته السياسية والاقتصادية، أجرى موقع الناشر مقابلة مع الكاتب والمحلّل السياسي رياض عيد.

رعاية الصين لاتفاق إقليمي بين أكبر مصدّرين للنفط والغاز في المنطقة

ما هي الدوافع التي غيرت استراتيجية الصين وأبعدتها عن النزعات الخارجية، لتقتحم بدورها إلى حلّ النزاعات والحروب في المناطق التي أشعلتها أميركا؟
للمراقب العادي، فإن الصين بحاجة لإعادة العلاقات بين السعودية وإيران لإبقاء ضخّ الطاقة إليها. إنما الموضوع له أبعاد أكبر وأهم من هذا الأمر بكثير، لأن ضخّ الطاقة من البلدين الى الصين قائم رغم الخلاف.

وعليه ترتبت الدوافع على الشكل التالي:
الدافع الاول: إن منطقة الهلال الخصيب وغرب آسيا (لكونهما نقطة تلاقي ثلاثة قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، ونقطة عبور خطوط التجارة والطاقة العالميتين بين الشرق الأوسط كأحد أكبر مصادر الطاقة في العالم، وأوروبا كثاني أكبر سوق استهلاكية لها) تعتبر بحكم هذا الموقع الجيوسياسي، منطقة مهمة جدًا بالنسبة للصين ولكل الإمبراطوريات التي تطمح بأن تنشر نفوذها العسكري أو التجاري إلى العالم.

ولأن محور المقاومة المدعوم من إيران استطاع إفشال المشروع الصهيوأميركي في المنطقة، ولأن السعودية وإيران تمثلان المرجعيتان الأساسيتان للسُنة والشيعة في العالم، استغل المشروع الصهيوأميركي هذا الأمر لتعبئة دول مجلس التعاون الخليجي ضد إيران، بادّعاء محاولتها تشييع المنطقة، لإذكاء الفتنة السٌنية الشيعية لقلب الحقائق وتحويل الصراع التاريخي الناتج عن زرع الكيان الزائل “إسرائيل” في فلسطين المحتلة إلى صراع بين الشيعة والسُنة.

نجح المشروع المعادي في ازكاء هذا الصراع بعد انتقال ما سمي بالربيع العربي إلى سوريا وإطلاق حرب القوى التكفيرية التي دمرت المنطقة وعطلت مشروع “الحزام والطريق” الصيني من الوصول إلى الساحل السوري على المتوسط. لذا كانت الرعاية الصينية لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تمهيدًا للمصالحة وتشبيك العلاقة بينهما لتعطيل الذرائع التي ارتكز عليها المشروع المعادي وإفشاله، ليعم السلام والاستقرار في المنطقة، وتأمين المنفعة المشتركة لهما وللصين، التي تعتبر هذه المنطقة حيوية جدًا لأمنها الطاقوي والتجاري.

الدافع الثاني: نقلت أميركا قوتها من الشرق الأوسط إلى محيط الباسيفيك لتطويق الصين واحتوائها ومنعها من مزاحمتها على عرش الكون اقتصاديًا. وأقامت في محيط بحر الصين تحالفات لاحتواء الصعود الصيني، كحلف الكواد وحلف أوكوس، وبدأت تحرك طموحات تايوان الانفصالية لدفع الصين الى اجتياحها، كما حدث بين أوكرانيا وروسيا، لتوريط الصين في معركة في بحر الصين لاستنزافها وتعطيل نهوضها الاقتصادي.

ولأن منطقة الشرق الأوسط، منطقة نفوذ تاريخي لأميركا، استغلت الصين الإرباك الأميركي – الأطلسي في حرب أوكرانيا مع روسيا وردّت بهذا الخرق الاستراتيجي بالمصالحة بين السعودية وإيران، والذي يعتبر بمثابة هدف إستراتيجي صيني قاتل في حديقة أميركا الخلفية طاقويًا في منطقة الشرق الأوسط، بما يمثل من انزياحًا سعوديًا خليجيًا باتجاه الشرق وتنويع تحالفات دول الخليج بعد أن كانت محصورة بالغرب الإنغلوساكسوني فقط. وهذا يعني ردًا صينيًا كبيرًا واختراقًا استراتيجيًا غير مسبوق منذ عقود في منطقة الشرق الأوسط.

شكلت هذه الاتفاقية مثالًا نادرًا للوساطة الصينية الناجحة في استراتيجيتها الجديدة لتطويق الأزمات الدولية وحل نزاعات الشرق الأوسط، وهدية لبكين من قبل أهم دولتين فاعلتين في الشرق الأوسط وشريكين استراتيجيين لها في مشروعها القاري طريق الحرير والحزام الاقتصادي. أين أصبح القطب الواحد الذي يدير العالم بعد هذا الاتفاق ودخول الدبلوماسية الصينية مرحلة التوسع إقليميًا ودوليًا؟

إن نظام القطب الواحد بدأ بالسقوط في لبنان بعد فشل الحرب الإسرائيلية في هزيمة المقاومة وإطلاق الشرق الأوسط الجديد عام 2006، وأكمل مسار سقوطه في سوريا بعد فشل الحرب الكونية في تحقيق أهدافها في إسقاط نظام الرئيس الأسد النظام الممانع لأميركا، والذي يمثل واسطة العقد في محور المقاومة، واستمر بالسقوط بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والآن قد دُفن في أوكرانيا بعد الحرب الروسية الأوكرانية. هذا يعني أن الاتفاق أتى لتكريس بدء نظام عامي جديد بديل لنظام القطب الواحد، الشرق الأوسط سيكون أحد أقطابه برعاية ودعم القطب الصيني الأعظم عالميًا، عبر هذا الخرق الصيني الاستراتيجي الجديد للمنطقة على أنقاض الوجود الأميركي التاريخي فيها، وبدء توسيع الشراكات الاقتصادية فيها عبر مشروع الطريق الحزام.

ما هي انعكاسات الاتفاق الإيراني – السعودي على ملفات المنطقة الشائكة؟ وهل يعني أننا دخلنا مرحلة التسويات الكبرى في المنطقة؟
هذا الاتفاق يمثل أهم إعصار سياسي ضرب منطقة الشرق الأوسط منذ عقود. إذ إنه سيحوّل الصراع بين أهم وأكبر دولتين مؤثرتين في الشرق الأوسط إلى تشبيك للعلاقات والتعاون الاستثماري بينهما برعاية الصين التي ترتبط معهما بمشاريع إقتصادية تنموية بمئات المليارات، وعبر مشروع الحزام والطريق، لتأمين المنافع المشتركة لجميع دول المنطقة والعالم . وأنا اعتبر أن المنطقة دخلت مرحلة التسويات الكبرى، خاصة بعد نجاح فترة الاختبار اليمنية، وسيكون لهذا الاتفاق الأثر البالغ على اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين المحتلة.

أي أثر لعودة الحياة إلى الدبلوماسية الإيرانية – السعودية على العلاقة بين البلدين؟
سيكون لهذا الاتفاق أثرًا إيجابيًا كبيرًا على إيران والسعودية ودورهما التعاوني في المنطقة، خاصة أنه يبدو أن ثمة تغيير في استراتيجية البلدين في مقاربة ملفات العلاقة بينهما وتعاطيهما مع المنطقة. ونتلمس هذا التغيير من قلق إيران، التي تعيش تحت العقوبات الأميركية منذ الثورة الإسلامية، من الأزمات الاقتصادية التي تعيشها ودول غرب آسيا نتيجة العقوبات والحروب وتأجيج الصراع المذهبي فيها، ورغبتها في إقفال هذا النزيف وعودة العلاقات مع السعودية ودول الخليج. وأيضًا نتلمس هذا التغيير في استراتيجية السعودية التي تمر علاقتها بأميركا بتوتر كبير بعد القرار الأميركي الانسحاب من الشرق الأوسط للتصدي للصين في الشرق الأقصى، والقلق من أن يحدث في الشرق الأوسط ما حدث في أفغانستان حيث انسحبت أميركا دون التطلع لحلفائها.

إن عودة العلاقات الإيرانية السعودية سيكون لها أثر كبير في تطوير العلاقة بين البلدين، مما سيطوي صفحة الخلافات الماضية وسنشهد تبادلًا دبلوماسيًا وتجاريًا واستثمارًا اقتصاديًا بين البلدين.

انعكاس التفاهم السعودي – الإيراني على الوضع اللبناني والمنطقة

هل سينعكس هذا التطور على الملف اللبناني؟ وهل من الممكن أن تنسحب الإيجابية على الملف الرئاسي بعد دخول الاتفاق مرحلة التنفيذ؟
الكل يدرك الترابط الجذري بين ملف لبنان وملفات المنطقة وخاصة سوريا بحكم الجغرافيا والتاريخ المشترك. فالحل في لبنان مرتبط بالتوافق مع سوريا، وبعد الاتفاق الإيراني – السعودي سيزور وزير الخارجية السعودي سوريا في الأسابيع القادمة لإعادة العلاقات معها بعد إرسال المساعدات السعودية لمنكوبي الزلزال فيها.

والسعودية ستكون الدولة المضيفة للقمة العربية المقبلة والتي لها مصلحة بأن تكون قمة جامعة وقمة المصالحة العربية وإنهاء النزاعات، فعودة العلاقات السعودية – السورية بعد عودة العلاقات الإيرانية – السعودية ستنعكس إيجابًا على كل ملفات المنطقة خاصة ملف لبنان النازف اقتصاديًا والمستعصي سياسيًا بسبب الشغور الرئاسي وتعطيل المؤسسات، والمهدد بانفجار اجتماعي نتيجة انفلات الدولار دون سقف وغلاء الأسعار. وبالتابلي، سيكون أحد ثمار تطبيع العلاقة الإيرانية – السعودية والسعودية – السورية الاتفاق على إنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني الذي يمثل المدخل لوضع لبنان على سكة الحلّ.

في سوريا نشهد حوارًا جادًا ودفعًا روسيًا – إيرانيًا لإجراء مصالحة سورية – تركية والتي يبدو أنها على نار حامية، هل تعتبر ذلك أيضًا من مؤشرات الحلول والتسويات الكبرى؟
بدء السعي الروسي – الإيراني لإجراء مصالحة تركية – سورية أتى بعد إعلان أردوغان رغبته في تطبيع العلاقة مع دمشق لحاجته لاستغلال هذه الورقة في الانتخابات الرئاسية المقبلة لما لهذا الملف من تأثير في الانتخابات التركية، ولانعكاس أزمة النازحين السوريين على الاقتصاد التركي المتداعي، واستغلال المعارضة التركية لهذا الملف وتحميل أردوغان مسؤوليته نتيجة خياراته السياسية المدمّرة لسوريا ولاقتصاد تركيا وعلاقاتها العربية.

نعم، وُضعت هذه المصالحة على نار حامية بعد الاتفاق الإيراني – السعودي، حيث زار الرئيس الأسد موسكو، وكانت المصالحة مع تركيا أحد محاور اللقاء بين الرئيسين الروسي والسوري الذين تفاهما، وفق المعلومات التي رشحت عن القمة، على التمسّك بوحدة سوريا وانسحاب القوات المحتلة منها، وعلى ترتيبات إعادة تشكيل المنطقة وفق الرؤية الروسية – الصينية – السورية – الإيرانية الجديدة، والتي كان لمحور المقاومة المدعوم من روسيا الدور الأساسي في تعطيل المشروع الصهيوأميركي لتفتيت المنطقة.

في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة، ما هي ردود الفعل الأميركية اليوم، خصوصًا وأن أكبر المتضررين من ما يحصل في المنطقة هو كيان العدو؟ وهل من الممكن أن تلجأ الولايات المتحدة و”إسرائيل” إلى عمل عدواني ما لإعادة خلط الأوراق؟
إن كل مراكز الأبحاث وكبار محللي الصحف الأميركية والعالمية أكدوا على أن هذا الاتفاق يمثّل هزيمة كبيرة لأميركا ولكيان العدو. وأعتقد أن أميركا، وإنْ رحّبت بهذا الاتفاق، إلا أنها لن تمرّره بسهولة، وإنْ استطاعت فهي تخربيه لن تتأخر.
وقد تلجأ إلى تخريبه في إحدى الساحتين:

  • الساحة الأولى هي اليمن، التي قد تلجأ أميركا إلى دفع حليفتها الإمارات لتخريب الاتفاق عبر إعادة تأجيج الحرب فيها، نظرًا للخلاف الكبير بين السعودية والإمارات على ملف اليمن. وإنّ زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، إلى الإمارات، كانت لمعالجة هذا الأمر، ومنع الإمارات من تعطيل الاتفاق نظرًا للعلاقة التجارية الإماراتية – الإيرانية والتي تمثّل شريان اقتصادي مهم للإمارات.
  • الساحة الثانية هي دولة الكيان الغاصب التي تمرّ بحالة انقسام سياسي غير مسبوق، وتظاهرات قد تتدحرج لحرب أهلية، بالإضافة إلى انتفاضة المقاومين الفلسطينيين الذين وضعوا الكيان الزائل وحكومة نتنياهو، أمام خطر وجودي وحتمية السقوط. هذا قد يدفع حكومة العدو لارتكاب حماقة تفجير الحرب للهروب من أزماتها الداخلية، ولتعطيل الاتفاق وإعادة خلط أوراق المنطقة من جديد. وأعتقد أنه في حال ارتكب نتنياهو هذه الحماقة، فإنه سيكون فعليًا قد عجّل في نهاية دولة الكيان الزائل “إسرائيل”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد