“أبغض الحلال”.. واقع مأزوم فهل بالإمكان الحدّ منه؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

شكّلت ظاهرة الطلاق في لبنان خلال السنوات الأربع الأخيرة محط أنظار الباحثين والاختصاصيين الاجتماعيين نظرًا للارتفاع الملحوظ في انتشارها مقارنةً مع السنوات السابقة وما نتج عن هذا الارتفاع من تشتت ودمار أسري وآفات اجتماعية أخرى مرتبطة بها.

وبالنظر إلى الظاهرة ككل، فإن كل جزء منها هو نقطة بحث بحد ذاته، انطلاقا من العوامل المسببة لحدوثها، مرورًا بمعالم الظاهرة ومؤشراتها، وصولًا لنتائجها وآثارها المباشرة وغير المباشرة على الأفراد المعنيين وعلى المجتمع ككيان. ويأتي الجزء المتعلق بالعوامل المسببة للظاهرة في مقدمة سبل المعالجة إذ إن معالجة أي ظاهرة تبدأ عمومًا بمعالجة أسبابها.

معدلات الطلاق مقلقة جدًّا والأسباب متشعبة


أظهرت الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاءات في المديرية العامة للأحوال الشخصية، المتعلقة بأعداد معاملات الزواج والطلاق، وجود تغير كبير في نسبة الطلاق خلال السنوات الأخيرة، وهذا التغير جاء نحو الأسوأ، وتم على مرحلتين، الأولى عام 2020 عندما ارتفعت نسبة الطلاق إلى 23.03% بعدما كانت 20.08% عام 2019، والثانية عندما قفزت عام 2022 إلى 26.5% بعدما استقرت على 23.03% عام 2021.

هذه المعدلات المرتفعة تشير إلى وصولنا لمرحلة خطيرة بهذا الشأن، لا سيما وأن نتائج هذه الظاهرة لا تمحى بين ليلة وضحاها، بل على العكس إذ من المتوقع والطبيعي بهذا الصدد أن تكون هذه النسبة أعلى في السنوات القادمة، لأن آثارها ستظهر تدريجيًا خلال الفترات اللاحقة.

وبالعودة إلى الجزء الأهم والمستهدف، وهو العوامل المسببة لهذه الظاهرة، يمكننا الحديث عن أسباب متشعبة المصادر والتأثير، يأتي في مقدمتها الأزمة الاقتصادية التاريخية التي شهدها لبنان والتي رمت بثقلها على مختلف جوانب حياة اللبنانيين، وكان للحياة الأسرية والاجتماعية نصيب كبير منها، وذلك تزامنًا مع أزمة كورونا، حيث حولت الضغوط المعيشية حياة اللبناني إلى بركان خامد قابل للانفجار بأي وقت، مع عدم القدرة على ضبط الخلافات الأسرية الداخلية في ظل عدم وجود أي شكل من أشكال الدعم والمساندة للأسر لتخفيف الأعباء عنهم.

يأتي في المرتبة الثانية، عامل متعلق بالزوجين مباشرة، وهو عدم وجود إدراك كاف لدى الكثير من الشباب والشابات لمفهوم ومسؤوليات ومتطلبات الزواج، يأتي في مقدمتها غياب النضج والتوافق الفكري والعاطفي وحتى العلمي فضلًا عن المبادئ والبيئة المحيطة التي قد تكون متناقضة كليًا بين الطرفين.

بالإضافة إلى ذلك، لا بد من ذكر دور الأهل في عملية الطلاق ككل، والذين وللأسف، يكون لهم في معظم الأحيان دور سلبي، فيساهمون في تأجيج الأمور وتفاقم الأزمة بدلًا من محاولة إيجاد حلول لها وسبل لمعالجتها، مما يؤثر إلى حد كبير في التسرع بأخذ قرار الانفصال دون إدراك لعواقبه الوخيمة والتي في الكثير من الأحيان يكون الأطفال أبرز ضحاياها.

آثار الطلاق الخطيرة، هل من الممكن تفاديها؟


لم تكن أسباب الطلاق التي ذكرت وحدها عاملًا أساسيًا للإشارة إلى مدى خطورة الظاهرة، بل إن الأكثر خطورة فعليًا هو أن قرار الانفصال غالبًا ما يكون متسرعًا دون أدنى تريث أو دوافع منطقية.

وعلى الرغم من أن تفاقم الظاهرة لم يقتصر فقط على طائفة أو منطقة دون أخرى، بل طالها جميعها، فإن إمكانية تفادي الوصول إلى قرار الطلاق متاحة وممكنة في أي وقت، وهي تتم عبر نقاط وإجراءات عديدة ذكرها اختصاصيون اجتماعيون عاينوا بشكل دقيق ظاهرة الطلاق في المجتمعات العربية ومن ضمنها لبنان.

وفي هذا الإطار ينصح الباحثون بالنظر دائمًا إلى الشق الإيجابي من الأمور في حال حصول أي حالة توتر بين طرفي العلاقة بسبب الضغوطات المعيشية والحياتية والعمل على خلق نظرة إيجابية للحياة والتذكير بها، واللجوء إلى الأطراف المعنية والمختصين والجمعيات لطلب المساعدة بهذا الشأن، بالإضافة إلى النظر إلى الأمور الجيدة الموجودة لدى الطرف الآخر، بحكم أننا كلنا كائنات بشرية لا تخلو من العيوب.

من جهة أخرى على الطرف المقدم على الطلاق أن يضع نفسه مكان الطرف الآخر، وأن يتأكد من أنه “غير ظالم” وأن قراره منطقي وعادل ومنصف وفيه مصلحة الطرفين. بالإضافة إلى ما ذكر، لا بد من التأكيد على دور الأهل في هذا الشأن، وقدرتهم على أن يكونوا طرفًا مصلحًا لا مساهمًا في تحقق الانفصال، عبر تأثيرهم المباشر وغير المباشر على قرارات أبنائهم الأسرية.

إن الالتزام بهذه الخطوات، والتحلي بالصبر والحكمة والقليل من الوعي لتأثيرات قرار الطلاق، قد يجنب طرفي العلاقة الإقدام على هذه الخطوة، أو على الأقل قد يدفعهم للتريث في اتخاذها، لأن هذه القرارت هي “أبغض الحلال” عند الله سبحانه، وبالتالي فهي حتمًا من الظواهر الأشد قسوةً وفتكًا ببنيان العائلة والمجتمع ككل.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد