أثار فوز السياسي التقدّمي الأميركي زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك عاصفة من ردود الفعل داخل إسرائيل، سواء في الأوساط السياسية أو الإعلامية، وسط مخاوف من أن يشكّل هذا الفوز مؤشراً على تحوّلات في المزاج الأميركي تجاه إسرائيل، وتراجعاً في تأثير الجالية اليهودية التقليدي داخل أكبر مدينة أميركية.
صدمة سياسية في تل أبيب
في الأوساط الرسمية الإسرائيلية، وُصِف فوز ممداني -وهو أول مسلم يُنتخب لهذا المنصب- بأنه «تطور مقلق» و«رسالة خطيرة» للعلاقات الإسرائيلية–الأميركية.
وزير شؤون الشتات عمِيخاي شيكلي كتب عبر منصة “إكس” إنّ «المدينة التي كانت رمزاً للحرية سلّمت مفاتيحها إلى داعمٍ لحماس»، معتبراً أنّ انتخاب ممداني يُمثل «تطبيعاً مع معاداة السامية».
من جهته، وصف زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان فوز ممداني بأنه «سقوط أخلاقي لمدينة نيويورك» و«انتصار للتيارات العدائية تجاه إسرائيل»، فيما حذر نواب آخرون من أن مواقفه الداعمة لحركة المقاطعة (BDS) قد تترجم إلى خطوات عملية داخل المدينة، مثل سحب استثمارات من الشركات المتعاملة مع إسرائيل.
على النقيض، رحّب بعض النواب العرب في الكنيست، مثل أيمن عودة، بالنتيجة، واعتبروا أنها «رسالة للعدالة والمساواة» تعبّر عن تحوّل داخل المجتمع الأميركي نحو قضايا حقوق الإنسان، بما في ذلك القضية الفلسطينية.
الإعلام الإسرائيلي: «نيويورك سقطت»
الصحف الإسرائيلية، لا سيما اليمينية منها، عبّرت عن صدمتها من النتيجة. صحيفة “يسرائيل هيوم” عنونت تحليلها: «معركة نيويورك انتهت، ولكن ما خسره الإسرائيليون أكثر مما ربحه الديمقراطيون»، مشيرة إلى أن فوز ممداني «كسر تقليداً طويلاً» لمدن أميركية كبرى كانت تُعدّ متعاطفة مع إسرائيل.
أما موقع “تايمز أوف إسرائيل” فركّز على تصريحات سابقة لممداني وصف فيها “إسرائيل” بأنها «نظام فصل عنصري» ودعا إلى إنهاء المساعدات العسكرية الأميركية لتل أبيب. واعتبر الموقع أن انتخابه «يؤشر إلى تحوّل ثقافي في نيويورك، وربما في أميركا، تجاه قضايا الشرق الأوسط».
في المقابل، تناولت تحليلات أخرى -مثل تقرير في “هآرتس”- القضية بنبرة أكثر واقعية، مشيرة إلى أن ممداني «يعكس جيلاً جديداً من السياسيين التقدميين في الولايات المتحدة الذين يربطون السياسة الخارجية بحقوق الإنسان والمساواة»، وأن فوزه «لا يعني بالضرورة عداءً لـ”إسرائيل” بقدر ما يعكس انقساماً في أولويات الناخب الأميركي».
قلق من تحوّل داخل الجالية اليهودية الأميركية
ركزت تعليقات إسرائيلية عديدة على أن فوز ممداني يعكس أيضاً انقساماً داخل المجتمع اليهودي الأميركي، وخصوصاً في نيويورك، حيث يشعر بعض القادة اليهود بأن «نفوذهم التقليدي بدأ يتراجع» أمام صعود تيارات يسارية وتقدّمية لا تتبنى الدفاع غير المشروط عن إسرائيل.
ونقلت صحيفة “جيروزالِم بوست” عن مصادر في الخارجية الإسرائيلية قولها إنّ «المعركة لم تعد فقط على مستوى البيت الأبيض أو الكونغرس، بل بدأت في المدن الكبرى مثل نيويورك، حيث يتحوّل المزاج الشعبي بسرعة».
قراءة إسرائيلية لمغزى الحدث
يرى محللون إسرائيليون أن انتخاب ممداني يحمل أكثر من دلالة:
رمزية سياسية: انتخاب سياسي مسلم، تقدّمي، ينتقد “إسرائيل” بشكل علني، على رأس مدينة عالمية كبرى، يشكل «سابقة رمزية» تشي بتبدّل في البيئة السياسية الأميركية.
تحوّل استراتيجي: خشية إسرائيلية من أن يكون هذا الحدث مقدّمة لتراجع الدعم المحلي داخل الولايات المتحدة، ولا سيما في المدن التي كانت تُعدّ معاقل للنفوذ اليهودي التقليدي.
تحدٍّ استخباري ودبلوماسي: يدرك صانع القرار الإسرائيلي أن إدارة علاقات جديدة مع تيارات تقدمية أميركية -مثل تلك التي يمثلها ممداني- تتطلب خطاباً مختلفاً وأدوات ضغط جديدة، بدل الاكتفاء بالعلاقات التاريخية مع الديمقراطيين التقليديين أو الجمهوريين المحافظين.
ما وراء ردّ الفعل
في خلفية الغضب الإسرائيلي، يبرز إدراك متزايد بأن العلاقة مع الولايات المتحدة لم تعد محصّنة كما كانت، وأن التغيير في المشهد السياسي الأميركي -مع صعود أقليات وتيارات يسارية تقدمية- يفرض على “إسرائيل” إعادة النظر في أدوات تأثيرها داخل المجتمع الأميركي المدني والإعلامي.
كما يرى مراقبون أن التوتر الحالي يعكس أزمة ثقة متبادلة: فبينما تخشى “إسرائيل” فقدان دعم أهم مدن أميركا، يخشى التقدميون في أميركا أن تُستغل تهمة «معاداة السامية» لإسكات النقد الموجّه للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
خلاصة
فوز زهران ممداني بعمدة نيويورك تجاوز كونه حدثاً انتخابياً محلياً، ليصبح مادة سياسية وإعلامية في إسرائيل، عكست قلقاً حقيقياً من تحوّل في المزاج الأميركي العام.
وبين اتهامات «دعم حماس» وتحليلات تتحدث عن «تحوّل حضاري داخل أميركا»، تبدو تل أبيب أمام واقع جديد: لم يعد التعاطف الأميركي مع “إسرائيل” مضموناً كما كان، خصوصاً في المدن التي تصنع الرأي العام والثقافة السياسية في الولايات المتحدة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.