بعد العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة والدمار الهائل الذي أصاب غزة، تعهد المجتمع الدولي بمئات ملايين الدولارات للمساعدة في إعادة إعمار القطاع، ومع ذلك فإن الطريق لإنهاء الصراع بين فلسطين و”إسرائيل” بشكل مستمر لن يكون ممكنًا دون استثمار طويل المدى في تنمية الموارد البشرية والاقتصادية الفلسطينية، وهو ما يحتاج إلى مليارات الدولارات كل عام.
إحدى وسائل توليد تلك العائدات الذي يتم تجاهلها، هو منح فلسطين حصتها العادلة من أرباح احتياطي النفط والغاز الطبيعي في الأراضي المحتلة وشرق البحر المتوسط، الذي لا يستفيد منه في الوقت الحاليّ إلا “إسرائيل”.
أشارت دراسة أجراها مؤخرًا مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “UNCTAD” أن اكتشافات الغاز الطبيعي الجديدة في بحر الشام تصل إلى نحو 122 تريليون قدم مكعب، أما النفط القابل للاستخراج فيقدر بما يقارب 1.7 مليار برميل، هذا الاحتياطي يقدم فرصة لتوزيع ومشاركة نحو 524 مليار دولار بين أطراف مختلفة في المنطقة.
تسبب الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967 وحصار قطاع غزة منذ 2007 إلى منع الشعب الفلسطيني من ممارسة أي سيطرة على موارد الوقود الأحفوري، وحرمانه من العائدات المالية والتصدير الذي يحتاجه بشدة وترك الاقتصاد الفلسطيني على حافة الانهيار.
هذه التكلفة الاقتصادية التي أصابت الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال موثقة جيدًا: قيود محكمة على حركة الناس والبضائع، مصادرة وتدمير الممتلكات والأصول، خسارة الأرض والماء والموارد الطبيعية الأخرى، سوق محلي متفتت والانفصال عن الأسواق المجاورة والدولية، وتوسع الاستيطان الإسرائيلي الذي يعد غير قانوني وفقًا للقانون الدولي.
يمتلك الشعب الفلسطيني سيطرةً محدودةً على سياسته ومساحته المالية، وفقًا لشروط بروتوكول باريس عن العلاقات الاقتصادية، فإن “إسرائيل” تتحكم في السياسات المالية والحدود والتجارة الفلسطينية، كما أنها تجمع الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة وضرائب الدخل من الفلسطينيين الذين يعملون في “إسرائيل” ثم تدفعها بعد ذلك للحكومة الفلسطينية.
يقدر “UNCTAD” أنه تحت الاحتلال، فقد الشعب الفلسطيني 47.7 مليار دولار من عائداته المالية في الفترة من 2007 وحتى 2017، بما في ذلك العائدات التي تسربت إلى “إسرائيل” والفوائد المتراكمة، بالمقارنة فإن الإنفاق التنموي للحكومة الفلسطينية في نفس الفترة كان نحو 4.5 مليار دولار.
تسبب الإغلاق طويل المدى والعمليات العسكرية المتكررة على غزة في وقوع أكثر من نصف سكان القطاع تحت خط الفقر وخسارة 16.7 مليار دولار من إجمالي الناتج المحلي السنوي، هذا الرقم لا يمثل التكلفة الباهظة لمنع الفلسطينيين من استخدام غازهم الطبيعي أمام شواطئ غزة.
أما الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني المؤقت عام 1995 في الضفة الغربية وقطاع غزة المعروف باتفاقية أوسلو الثانية، فقد منح السلطة الفلسطينية سلطة بحرية على مياهها حتى 20 ميلًا بحريًا من الشاطئ.
وقعت السلطة الفلسطينية على عقد مدته 25 عامًا للبحث عن الغاز مع مجموعة “British Gas Group” عام 1999، وبعدها تم اكتشاف حقل غاز “غزة مارين” على بعد 17 إلى 21 ميلًا بحريًا بعيدًا عن شاطئ غزة في نفس العام.
ومع ذلك رغم النقاشات الأولية بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية وشركة “British Gas” بشأن مبيعات النفط من هذا الحقل، وتوفير العائدات التي تشتد الحاجة إليها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لم يحقق الفلسطينيون أي فوائد.
منذ حصار غزة عام 2007، أسست الحكومة الإسرائيلية حكمًا فعليًا على احتياطي الغاز الطبيعي قبالة شواطئ غزة، ومنذ ذلك الحين تتعامل شركة “British Gas” مع الحكومة الإسرائيلية متجاوزة الحكومة الفلسطينية فيما يتعلق بحقوق التنقيب والتطوير.
سيطرت “إسرائيل” أيضًا على حقل “ميجيد” للغاز الطبيعي والنفط الذي يقع داخل الضفة الغربية المحتلة، تدعي “إسرائيل” أن الخط يقع غرب حدود 1948، لكن غالبية خزانه يقع تحت الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، ومؤخرًا بدأت “إسرائيل” في تطوير اكتشافات غاز ونفط جديدة شرق المتوسط لصالحها فقط.
باغتصاب واستغلال موارد الغاز الطبيعي والنفط الفلسطينية، فإن “إسرائيل” تنتهك بذلك خطاب وروح اتفاقية لاهاي واتفاقية جنيف الرابعة والقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان التي تتحدث عن استغلال السلطة المحتلة للموارد العامة دون أي اعتبار لمصالح وحقوق وحصص الشعب المحتل.
تعهد المجتمع الدولي بدفع 860 مليون دولار لإعادة إعمار غزة بعد العدوان الأخير، لكن حتى قبل هذا العدوان العسكري الأخير، قدرت “UNCTAD” أن الأمر سيتكلف 838 مليون دولار كل عام بحد أدنى لرفع سكان غزة من تحت خط الفقر.
إن المشاركة العادلة لعائدات النفط والغاز ستوفر تمويلًا مناسبًا للفلسطينيين للاستثمار في إصلاح وإعادة تأهيل وإعادة البناء الاقتصادي على المدى الطويل، بديل ذلك أن تستمر “إسرائيل” في استغلال تلك الموارد بشكل فردي وحصري لتصبح حافزًا آخر للصراع والعنف.
بالطبع يجب أن يسير الانتعاش الاقتصادي المستدام جنبًا إلى جنب مع التسوية السياسية المستدامة، ما زالت الأمم المتحدة تحتفظ بموقفها الثابت بأن سلام شامل ودائم يمكن أن يتحقق فقط من خلال مفاوضات حل الدولتين.
تواصل الأمم المتحدة عملها تجاه تأسيس دولة فلسطينية مستقلة ديمقراطية مشتركة الحدود وذات سيادة وقابلة للحياة، تعيش بأمن وسلام مع “إسرائيل”، تعتمد النجاة الاقتصادية للدولة الفلسطينية على قدرة الفلسطينيين على التحكم في اقتصادهم والقدرة على الوصول العادل لحصتهم في احتياطي النفط والغاز في فلسطين.
ترجمة نون بوست
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.