من الواضح أن حركات المقاطعة الشعبية لم تلق الاهتمام المطلوب من الدوائر الأكاديمية سواء الغربية أو العربية. على الرغم من أن هكذا حركات وفعاليات يجب أن تستند على تراكم معرفي حول قضية المقاطعة الشعبية كممارسة اجتماعية في البيئة الدولية.
إن المستهلك في ظل ما يسمى بالسوق العالمي، لديه “قوة الخروج” تتيح له فرصة التهديد بالخروج والمساومة مع الشركات المقاطَعة. وذلك من خلال المراحل الخمس للمقاطعة بدءا من الدعوة للمقاطعة إلى المقاطعة، مرورا بردة فعل الطرف الآخر، ووصولا إلى مرحلة الإكراه. في ظل مقومات الفاعلية للمقاطعات وهي العزم، النية أو المصلحة، والقدرات.
ويؤكد الخبراء على ضرورة عدم المبالغة في نتائج المقاطعة، فعادة لا يكون التأثير الاقتصادي قصير المدى كبيرا جدا، بسبب التعقيد في السوق العالمي وتنوع قطاع الصادرات لدولة ما. لذا، فإن استمرارية المقاطعة (العزم) تعتبر إشارة إلى الجدية والمصداقية والتي تعطي نتائج جيدة على المدى الطويل، وترفع من قيمة وفاعلية المقاطعة الشعبية.
ومن ناحية سلوك المستهلك، يعتبر الخبراء أن المقاطعة الاقتصادية هي إحدى وسائل الضغط في حراك السوق، إضافة إلى أن وسيلة الضغط الاقتصادي تقف وراءها خلفيات معينة مؤثرة فيها وهي الخلفية التجارية، القطاع العام، الخلفية السياسية، والخلفية الاجتماعية. في حين يختلف حجم قوة المستهلك في كل خلفية من هذه الخلفيات، إذ إن المقاطعة ذات الخلفية الأولى لها قوة مؤثرة بسبب وجود بدائل لدى المستهلك، بينما في الثانية محدودة لعدم وجود البديل، ويعتمد نجاح الثالثة على أهمية القضية واقتناع المستهلكين بها، بينما في الرابعة تُوظّف قوة المستهلك نحو تغيير الشركة لطريقة عملها.
من ناحية مهمة أخرى، يجب التفريق بين مفهومَي الحصار والمقاطعة. فالمقاطعة عندما يمارسها القوي ضد الضعيف تصبح حصار، وهو موقف دول ضد دول، ومن مآلاتها: إما اعتماد الدولة على نفسها والانتقال من دائرة المستهلك إلى دائرة المنتِج. وإما أن تؤدي إلى الاعتماد على السوق السوداء. في حين تكون المقاطعة الشعبية موجهة ضد القوي ولكن لإظهار ما للضعيف من قوة.
وعليه، فإن تأثير المقاطعة غير متعلق فقط بالتأثير المباشر على منتجات الدول المستهدفة. فإذا أخذنا الولايات المتحدة الأميركية كنموذج، فقد تنقل حركات المقاطعة الشعبية، أميركا من صورة الدولة ذات الإرث الفكري والحضاري الكبير إلى صورة أخرى سلبية، فهذا له تأثير أيضا غير مباشر كأن يمتنع أحدٌ عن قضاء إجازته في المدن الأميركية الشهيرة، رغم أن هذا ليس له علاقة مباشرة بالمنتجات الأميركية.
من هنا، يصح الانتقال للحديث عن نظرة الأميركي إلى المقاطعة، وهو الذي يعيش في حالة من الرفاه والخوف من فقدان الرفاه هاجس مصاحب دائما للوعي العام لديه. وهذا يعطي للمقاطعة تأثيرا نفسيا كبيرا. لذا فإنه من الأهمية بمكان، أن تعمل الشعوب، بهيئاتها وحركاتها وأطرها، على تطوير أساليب أخرى للمقاطعة، وتنظيم عملية المقاطعة الشعبية بحيث تصبح أكثر فعالية، وتوجّه نحو منتجات معينة لكي تصبح “مقاطعة ذكية ومؤثرة”.
وليد الأحمد – حملة مقاطعة البضائع الأميركية/لبنان
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.