الاستكبار في فكر الإمام الخامنئي

2

الاستكبار كلمة قرآنية، ذُكرت نحو خمسين مرّة في كتاب الله، وتعني الشعور بالاستعلاء. وقد تكون صفة لإنسان أو جماعة أو دولة. وكما هو معروف في القرآن الكريم فإنّ أوّل مستكبر هو إبليس الذي رفض الامتثال لأمر الله تعالى بالسجود لآدم النبيّ عليه السلام.

وبحسب الإمام الخامنئي حفظه الله، فالاستكبار نوعان:
1- أن ترى دولة أو جماعة أو فرد نفسها أعلى من الآخرين، ولكن من دون التدخّل في شؤونهم. وهذا أمر سيئ، ولكنّه لا يخلق عادةً العداوة.
2- أن ترى نفسها أعلى من الآخرين، مع منح نفسها حقّ الاعتداء والإملاء عليهم، كاحتلال أراضي دولة ما والسيطرة على مواردها، وصولًا إلى مصادرة حقّ الكلام من شعبٍ ما، حتى لو كان هذا الكلام للتعبير عن المظلوميّة.

ومثال المستكبر الأوضح في هذا العصر هو أميركا، التي تُقيم اليوم عشر قواعد عسكرية في بلدٍ ما مثلًا، لتستطيع السيطرة عليه، وكي تصادر نفطه وخيراته.

وربما يمكن تقسيم الاستكبار الأميركي إلى قسمين:
1- ما قبل الحرب العالمية الثانية (ومبدأ ترومان)، حيث كانت أميركا مستكبرة وفقًا للأفكار التي نشأت عليها، كـ”أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. وصحيح أنّها كانت تقوم على التمييز والعنصرية، إلا أنّها لم تكن متعدّية بشكل صارخ كما نراها اليوم.
2- ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث منحت نفسها زورًا حقّ تقرير مصير الشعوب والبلدان دون وجه حقّ، ومن غير تفويض من أحد.

ويذكر سماحة الإمام الخامنئي، في خطابه الأخير قبل أيام، حادثة 28 مرداد، وهي أحداث الانقلاب على حكومة مصدّق الوطنية عبر عملية مزدوجة بين الاستخبارات الأميركية والبريطانية، عُرفت بعملية Ajax بقيادة كيرميت روزفلت، حفيد الرئيس الأميركي تيودور روزفلت.

وكانت العملية تشمل أربعة خطوط من الهجوم:
أولًا: إدارة حملة إعلامية منظّمة وبروباغندا متواصلة ضدّ مصدّق في الصحافة والشوارع لتحجيم شعبيته.
ثانيًا: تحريك العصابات في الشوارع لإثارة الشغب والاضطرابات.
ثالثًا: قيام الضباط العسكريين بتسليم البيانات الملكية إلى مصدّق لإزاحته من السلطة.
رابعًا: توفير بديل لمصدّق، وهو الجنرال زاهيدي الذي سيرقّيه الشاه إلى مرتبة رئيس الوزراء.

كلّ ذلك جاء بعد اختيار الشعب لمصدّق وتأييده لخطواته العملية، كتأميم النفط الذي قام به فور تسلمه السلطة، والذي بسببه غضب البريطانيون عليه وهرعوا إلى “العم سام” كي ينقذهم من خطر فقدان النفط الإيراني المجاني والمسروق.

وبرغم سذاجة مصدّق في بعض الأمور، ولا سيّما ثقته بالأميركي، الذي استطاع عبر الابتسامة والخداع أن يراوغه ليعيد الشاه محمد رضا بعد فراره من إيران، وذلك حينما التجأ الدكتور مصدّق إليهم بعدما غضب البريطاني عليه؛ ليتبيّن لاحقًا أنّ الأميركي شريك للبريطاني في سرقته ومشروعه، وأنّه يطمح لوراثة الأرض الإيرانية من شريكه، الأمر الذي استلزم الإطاحة بمن استنجد بهم واستأمنهم.

هناك عبارة مشهورة للإمام الخميني قدّس سرّه يقول فيها: “صُبّوا جامَ غضبكم فوق رأس أميركا”. ويتبيّن من خلال المراجعة أنّ هذه العبارة ترجع لإيمان الإمام رضوان الله عليه بمسألة العداء للمستكبر الظالم.

والعداء هذا مبنيّ -كما عبّر الإمام الخامنئي دام ظلّه- على فروقات جوهرية بين الرؤية التوحيدية التي تسير الجمهورية الإسلامية وفقها، وبين خطّ الشيطان والغواية والاستكبار الذي يتبعه الأميركي. وقد عبّر الأميركي عن هذا العداء عبر ممارساته العملية ضد شعوب المنطقة، كتوظيفه ودعمه لـ”إسرائيل”، وتدبيره للمؤامرات التي تؤذي وتُضعف الدول المستقلة ذات النزعة التحرّرية.

ومن هنا جاء شعار الإمام الشهير: “الموت لأميركا”. لماذا “الموت”؟ لأنّ هناك تعارضًا بين تيّارين، بين خطّين، ولأنّ إيران هي صاحبة رؤية توحيدية، وتتبع النهج المحمدي الأصيل، وتؤمن بمسيرة الأنبياء وتهتدي بمواقفهم العملية، كالبراءة الإبراهيمية من الظالمين، بل وتعتقد بضرورة رفع الفأس في وجه الأصنام كما فعل إبراهيم على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة والتسليم.

اليوم، يريد العدوّ أن نستسلم، ويرغب لو نترك المواجهة. ولكن سبيلنا الوحيد هو الصراخ عليه بشكلٍ أكبر وبصوتٍ أعلى، وبالوقوف أمام نزعاته الاستكبارية بالعلم والاقتدار والتقدّم والمواجهة والصمود، وأن نحوّل هذه البراءة إلى منهج عملي وقوّة عملية.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.