نشرت مجلة «تايم» الأمريكية مقالًا كتبه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود باراك، حذر فيه من أن إيران صار بمقدورها أن تصبح دولة نووية، ولم يعد ممكنًا إيقافها بضربة عسكرية مدروسة، واستهل باراك مقاله بالإشارة إلى أن الجهود المبذولة لمنع إيران من التحول إلى دولةٍ نوويةٍ وصلت في الوقت الحالي إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، ومن الواضح أنها ستبوء بالفشل.
يعود الكاتب إلى عام 2015، لافتًا إلى أن الاتفاق النووي الذي قادته الولايات المتحدة، وكان يهدف إلى إبطاء برنامج إيران النووي، فشل في تحقيق قدرٍ كافٍ من أهدافه، ويرى أن انسحاب الولايات المتحدة في عام 2018 من الاتفاق نفسه سمح لإيران بـ«إضفاء الشرعية» على زحفها المستمر للوصول إلى «العتبة النووية»؛ أي امتلاك قدرٍ كافٍ من اليورانيوم عالي التخصيب لتصنيع جهازٍ نوويٍّ، وامتلاك التكنولوجيا التي تحوله إلى سلاحٍ؛ وفي عام 2018، كانت إيران تبعد عن العتبة النووية بحوالي 17 شهرًا، أما اليوم فهي على الأرجح على بعد 17 يومًا فقط.
آن أوان مواجهة الحقيقة
يتابع باراك: لسببٍ وجيهٍ، صرَّح أنتوني بلينكين، وزير الخارجية الأمريكي، قبل ثمانية أشهر، بأنه إذا لم يجري التوصل إلى اتفاق في غضون أسابيع، فلن يستحق الاتفاق التوقيع عليه، وهذا الكلام بات أكثر واقعية اليوم؛ ذلك أن إيران واصلت تخصيب اليورانيوم، وتحولت من دولة كُلِّفت روسيا بمراقبتها، إلى دولة تُزوِّد روسيا بطائرات مسلحة من دون طيار.
وفي هذه المرحلة، يرى باراك أن الاتفاق الجديد سيكون مفيدًا للمظاهر في المقام الأول، موفرًا للجانبين «مظلة إنكار» تُوَظَّف لخدمة الاحتياجات الداخلية. وبالنسبة للولايات المتحدة، سيجنبها ذلك مواجهة الحقائق والخيارات «المُرة»، وبالنسبة لإيران، سيُبقِي ذلك العقوبات المفروضة عليها عند أدنى مستوى ممكن.
خلال هذا الصيف، ستتحول إيران، بحكم الأمر الواقع، إلى دولةٍ على أعتاب حيازة أسلحة نووية؛ صحيحٌ أن هذا سيستغرق ما بين 18 و24 شهرًا، لتعزيز قدراتها ومهاراتها في معالجة معدن اليورانيوم، وتحميله على رأس صاروخ حربي، ولكن هذه الخطوات يُمكن تنفيذها في معملٍ صغيرٍ أو ورشة عملٍ، ولا يمكن تعقبها بسهولةٍ، ناهيك عن منعها.
ومن الوارد جدًّا أنه حتى لو اقتربت إيران من أعتاب حيازة أسلحة نووية، فإن القادة الإيرانيين سيختارون التظاهر بخلاف ذلك، والبقاء تحت مظلة «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)» من أجل تجنب فرض عقوبات أكثر قسوة على البلاد. إلا أن هذا لن يُغيِّر الواقع، الذي يتمثل في أن إيران – بعد أكثر من 20 عامًا من المحاولة – أصبحت على وشك عبور نقطة اللاعودة لتصبح عضوًا في «النادي النووي».
ويؤكد باراك أن هذا كان هو طموح ملالي إيران على الدوام، ويتابع: سارت إيران على خطى كوريا الشمالية وباكستان، اللتين تحديتا العالم بأسره وتحولتا إلى دولتين نوويتين؛ كما أنهما تجنبتا الإنهاء القسري الذي فُرِضَ على البرنامجين النوويين في ليبيا وجنوب أفريقيا، ونجا برنامجهما من أن يلقى مصير البرنامجين العراقي والسوري، اللذين دمرتهما الغارات الجوية الإسرائيلية في عامي 1981 و2007 على الترتيب؛ لولا أن هذين البرنامجين اللذين دُمرا في عامي 1981 و2007، لم يكونا متطورين بالقدر الذي سُمح للبرنامج النووي الإيراني أن يصل إليه.
الخطة «باء» العسكرية
بعد انسحاب الولايات المتحدة من «خطة العمل الشاملة المشتركة» في عام 2018، ولأسبابٍ يتعذر تفسيرها – على حد وصف الكاتب – لم تجهز الولايات المتحدة ولا إسرائيل «خطة عسكرية بديلة»، تكون متاحة لشن هجوم يُمكنه تأخير البرنامج النووي الإيراني لعدة سنوات على الأقل، ولكن بينما كان هذا ممكنًا على الأرجح عندما كانت إيران على بعد 17 شهرًا من إحراز تقدُّم ملحوظ صوب الانضمام إلى نادي الدول النووية، فقد اختلف الوضع تمامًا بعدما باتت على مقربة 17 يومًا فقط.
وحين يتحدث باراك عن التقدم الملحوظ فإنه يشير إلى اتخاذ قرار، يليه إجراء، لتحويل البرنامج النووي السلمي ظاهريًّا، والمخصص لتوليد الطاقة الكهربائية، إلى برنامج يُصنِّع أسلحة نووية، هذا البرنامج يتضمن تخصيب اليورانيوم المشبع 238 لدرجة نقاء تزيد عن 90%. وتُنفذ عملية التخصيب في أجهزة الطرد المركزي، أما عملية ترقيته من 60% إلى «مستوى تصنيع السلاح» فتكون أسرع وأبسط بكثيرٍ من العمليات السابقة؛ إذ تتطلب هذه المرحلة الأخيرة مساحاتٍ أصغر، وربما تنفذ في أنفاق عميقة جدًا، أبعد من أن يصل إليها أي سلاح.
يضيف باراك: «لذلك، حتى إذا كانت لديك معلومات استخباراتية ممتازة (وهذا ليس هو الحال دائمًا)، وكنت على دراية بما يحدث أولًا بأول، فقد تجد أنه ليس بمقدورك فعل الكثير حيال ذلك، وهذا هو الموقف الذي وجدت الولايات المتحدة نفسها أمامه، أكثر من مرة، فيما يتعلق بكوريا الشمالية».
عدوٌّ لدود
يؤكد باراك أن إسرائيل والولايات المتحدة بمقدورهما حاليًا التحليق في سماء إيران، واستهداف أي موقع أو منشأة وتدميرها، ولكن بمجرد أن تُصبح إيران دولة على أعتاب حيازة أسلحة نووية، بحكم الأمر الواقع، فلن يؤدي هذا النوع من الهجمات ببساطة إلى إبطاء مساعي الإيرانيين للتحول إلى دولة نووية؛ بل قد تُسرِّع هذه الهجمات، في إطار ظروف محددة، من اندفاعهم نحو تصنيع القنبلة النووية، وتمنحهم قدرًا من الشرعية بذريعة الدفاع عن النفس.
بعبارةٍ أخرى، وعلى عكس الضربات الموجهة التي كانت مطروحة قبل 12 عامًا، أو التي كان من الممكن التفكير فيها قبل 4 سنوات – وهي عمليات كان بمقدورها تعطيل البرنامج الإيراني النووي إلى حدٍّ كبيرٍ (وإن كانت ستخاطر باحتمالية اندلاع حربٍ مع إيران) – فإن الخيارات الحالية تحمل في طياتها كل مخاطر اندلاع الحرب (خاصة لإسرائيل)، بينما سيكون تأثيرها على تأخير البرنامج النووي الإيراني ضئيلًا.
ويستدرك باراك قائلًا: لكن لا يزال بمقدور الولايات المتحدة ردع إيران عن حيازة أسلحة نووية عن طريق إرسال إنذار دبلوماسي نهائي لوقف البرنامج، وتدعمه بتهديدٍ حقيقي بشن حربٍ واسعة النطاق، ولا يوجد شيء أقل من ذلك يُمكنه أن يضمن تحقيق أي نتائج، وآمل أن يكون هذا الحل لا يزال واقعيًّا.
يردف الكاتب محذرًا: وإلا فإننا بصدد مواجهة تحول جديد وخطير باتجاه الأسوأ، على صعيد التوازن الأمني في الشرق الأوسط؛ ذلك أن إيران عدو لدود وصعب المراس، وتعمل ضد إسرائيل وغيرها من الدول، سواءً من خلال الوسائل المباشرة أو عن طريق وكلائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بموازاة نشر الرعب والفوضى والتمرد أينما أمكنها فعل ذلك، ولن أستهين، ولو للحظةٍ واحدةٍ، بقدرة الإيرانيين على إزعاج إسرائيل وغيرها من الدول، أو أقلل من قدرتهم على تعطيل سير الحياة المعتادة، أو أنفي رغبتهم في رؤية هزيمة إسرائيل.
القدرة النووية
ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالقدرات النووية، يجب مراعاة أن بناء ترسانة أسلحة نووية أولية قد يستغرق عقدًا أو أكثر. وهذا يعني أن برنامج إيران النووي سيصبح تهديدًا وجوديًّا محتملًا لإسرائيل على المدى الطويل فحسب؛ ولا يتعلق الأمر، عمليًّا، بضرب إسرائيل بسلاحٍ نووي؛ صحيح أن ملالي إيران متعصبون ومتطرفون، لكنهم ليسوا أغبياء أو مجانين، وهم لا يريدون العودة إلى العصر الحجري، على حدِّ قول الكاتب.
بل على العكس تمامًا، تتعلق القدرة النووية، من وجهة نظر إيران، ببقاء النظام؛ إذ تضمن القدرة النووية عدم تجرؤ أي دولة على التدخل في إيران، على نطاقٍ واسعٍ، بغض النظر عن مدى ضعف النظام؛ كما أن امتلاك القدرات النووية سيؤدي إلى تحقيق «توازن» في مواجهة إسرائيل، ويمنح الإيرانيين حريةً أكبر في زرع بذور الخلافات والصراعات والفوضى في جميع أنحاء المنطقة.
ويشير باراك إلى أن الخطر الأكثر واقعية، بالدرجة الأولى، هو الانهيار المحتمل لنظام «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية»، وإذا اختارت إيران التحول إلى دولةٍ نوويةٍ، وهو القرار الذي سيتخذه النظام الإيراني وحده، فحينئذ ستشعر تركيا ومصر، والمملكة العربية السعودية بدرجاتٍ مختلفةٍ، بأنها مضطرة هي الأخرى إلى حيازة أسلحة نووية، وقد يستغرق ذلك عقدًا أو أكثر، ويستدرك باراك: «ربما سيُكلل ذلك بالنجاح لكن ليس قبل عقدين، بيد أن الانهيار المحتمل لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية سيشجع كل ديكتاتور في العالم على محاولة حماية نظامه بالطريقة نفسها، والأكثر من ذلك، أن هذا قد يمهد الطريق أمام السيناريو الكابوسي الذي وصفه جراهام أليسون من جامعة هارفارد في كتابه «الإرهاب النووي: الكارثة المطلقة التي يمكن اتقاؤها»، وخلص فيه إلى أنه كلما زاد عدد الدول النووية، زاد خطر وصول سلاح نووي بدائي إلى أيدي جماعة إرهابية».
ما العمل؟
يجيب باراك بالقول: أولًا، يجب علينا الالتفات إلى الحقيقة الماثلة أمامنا، ونتصرف بناءً عليها، وليس بناءً على الأمنيات أو الأوهام، ولنبدأ بالتفكير والاستعداد للمرحلة الجديدة التي باتت واقعًا.
وإذا أفضى الاتفاق الجديد مع إيران، حتى ولو كان مشكوكًا فيه، إلى الحفاظ على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، فسيظل ذلك يُحقق أهدافًا مثمرة؛ ولكن أهمية توقيع إيران على الاتفاق أقل من توقيع الولايات المتحدة، وينبغي على واشنطن إنشاء نادٍ صغير من الدول ذات المصلحة، ومن بينها إسرائيل، وضمان أن تؤدي الاستثمارات الضخمة في الاستخبارات إلى الحدِّ من خطر فوات أي معلومة عن التطورات المهمة.
ويُشدد باراك على ضرورة بذل كثير من الجهود في إطار التعاون العملياتي والدبلوماسي، بدايةً من العمليات السرية إلى السياسات العامة، لإعداد عقوبات أكثر صرامة، بالإضافة إلى إنشاء طوارئ تشغيلية تُفعَّل إذا – أو عندما – يظهر أن إيران تسارع باتجاه تصنيع سلاحٍ نووي.
ويجب تزويد إسرائيل أيضًا بالوسائل التي تُمكِّنها من شن هجوم بمفردها ضد البرنامج النووي الإيراني، إذا اقتنعت حكومتا إسرائيل وأمريكا بأن ذلك ضرورة قصوى، ولا بد أن يمتلك الشريك الأصغر (إسرائيل) هذه القدرة؛ لأن إحراز إيران تقدمًا ملموسًا على الأرض سيحدث على الأرجح عندما تنشغل الولايات المتحدة بأزمة أخرى في منطقة مختلفة، سواءً كانت فنزويلا أو جزر بحر الصين الجنوبي أو تايوان أو أوكرانيا أو خلال فترة انتقالية.
وينصح باراك بإيلاء اهتمام خاص لإقناع تركيا ومصر والسعودية وغيرها من الدول في المنطقة بأنهم مُحَصَّنون ضد أي تهديد نووي إيراني، وليس هناك داعٍ لكي يتحولوا إلى دولٍ نووية.
ويختم إيهود باراك مقاله بالقول: «إن ملالي إيران لن يحكموا البلاد إلى الأبد؛ إذ جرت العادة أن مثل هذه الثورات تؤول إلى الانهيار في جيلها الثالث (مثل الثورة الشيوعية، من بين حالات أخرى)، وسيقترب المجتمع الإيراني الشاب من هذه المرحلة خلال العقدين المقبلين، لأن الشعب الإيراني شعب عظيم ويمتلك حضارة عظيمة تعود إلى فجر التاريخ، وكانوا أفضل أصدقاء إسرائيل في المنطقة قبل 45 عامًا فحسب، ويجب علينا أن نظل ثابتين ونواصل كبح جماح الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي لحظةٍ معينةٍ، ونأمل أن يكون ذلك عاجلًا غير آجل، سينهار النظام الإيراني، ويُدشن فصل جديد.. لنعمل سويًّا لتحقيق ذلك».
ساسة بوست
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.