تحت شعار “لقد حان الوقت لمخاطبة النساء العربيّات بالمؤنّث” تنشر منصّة تويتر ڤيديو مدّته ٤٥ ثانية لتوعيتنا، نحن العرب، على معاناة المرأة العربية من الإجحاف اللاحق بها بسبب مخاطبتها بالمذكّر.
الجهل ليس عذرًا في حال التعاطي مع مادة إعلانية بصرية تتناول موضوعًا كاللغة. وهو ليس احتمالًا أيضًا لا سيّما في خضمّ الاستهداف الممنهج لكل العناصر المكوّنة لهويّتنا الثقافية العربية، والتي تشكّل اللغة فيها العنصر الجامع والمتين. خاصّة أن تصنيف اللغة العربية هو المركز الرابع بين أكثر اللغات انتشارا، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالدين الإسلاميّ كونها لغة القرآن الكريم.
بالنسبة لعلماء اللغة وللمتخصصين في العلوم اللسانية، تُعتبر اللغة “كائنًا حيًّا” ينمو ويتطوّر أو يتقلّص ويتلاشى و”فعلًا اجتماعيًا” يغذّي علاقات البشر فيما بينهم ويحكم تواصلهم أو يلغيه.
وبالتالي، كلّ استهداف تتعرّض له اللغة تحت أي شعار كان هو محاولة لضرب تطورها والتداول بها، أو تمييع روحها وتشريد نواتها بشكل تتلاشى معه تدريجيًا. وأن تتعرّض اللغة العربية لهذا النّوع من الاستهداف فهو وإن لم يكن مفاجئًا لكنّه يبقى خطيرًا بخطورة الكثير من الشعارات البريئة والبراقة والتي استهدفت الكثير من وجوه ثقافتنا.
بالنظر لمحتوى الڤيديو، يتجاهل واضعه أن ثمّة قاعدة أساسيّة في اللغة العربية تلزم بتذكير الجمع إن لم يكن كلّه مؤنّثًا. (وهي قاعدة موجودة أيضًا في اللغة الفرنسية على سبيل المثال)، وبالتالي ليس شرطًا أن يكون الجمع المذكّر مخاطِبًا للذكور فقط. هي قاعدة لغوية وُضعت قبل أن تولد فكرة النسوية في ذهن الغرب وتُسرّب إلى ثقافاتنا كشعار حقّ يراد به باطل شديد الخطورة.
امرأة تشكو حزن ابنتها (بالعامية) لأن الأستاذ يخاطب صفّها الذي ليس فيه إلّا فتيات بصيغة المذكر.. تحتار المرأة في كيفية شرح هذه المصيبة المدوّية لابنتها، ولا يمرّ ببالها مثلًا أن الأستاذ المذكور (إذا وُجِد فعلًا) يرتكب خطأً لغويًا، وتفضّل أن تعتبر المشكلة عامّة وتضعها في إطار استهداف النساء!
تقرّ امرأة أخرى بأنّ اللغة العربية تحوي المؤنّث والمذكّر على حدّ سواء وتفترض أن تغييب المخاطبة بالمؤنث هو عمل يستهدفها ويستهدف النساء العربيات اللواتي يقول الڤيديو إن أصواتهنّ علت بسبب هذا الاضطهاد (رغم أن أحدًا لم يسمع صوتًا عاليًا بهذا المضمون. هل سمع أحدكم ولم يبلّغ؟ إن سمعتم يُرجى إبلاغنا). تتجاهل السيدة المقرّة للغتنا الجميلة بمحتواها العادل الذي يؤنّث القاعدة المذكورة أعلاه في تذكير الخطاب وتأنيثه، بشكل يجعلها تبدو إما جاهلة بقواعد لغتها أو متجاهلة للقواعد كما يحلو للنسويات أن يفعلن دائمًا. بكل الأحوال، هي تريد لكلّ ورقة مكتوبة رسمية أو خاصة أو إلكترونية أن تحوي نسختين: احداهما بالمذكّر والثانية بالمؤنث، كي تشعر بقيمتها كامرأة ربّما. في الحقيقة قد يبدو الموضوع مدعاة سخرية، وهو كذلك في درجة ما، لكنّه تسخيف حقيقي جدًا للنساء وللّغات على حدّ سواء. بكل الأحوال، لا بأس من مراجعة قواعد اللغة العربية قبل إبداء الرأي في موضوع يتناول اللغة، حرصًا على مصداقية القائلة، ليس إلّا.
وعلى قاعدة “لا شيء مستحيل لدى تويتر” تستنجد ثالثة بالمنصة التويترية لتطالب بواجهة عربية مؤنّثة. ولا يمكن أن تقرأ مطالبتها المتفاخرة دون أن يحضر إلى ذهنك مشهد كافيتيريا للنساء فقط، تهاجمها النسويات على اعتبار أن هذا العزل بين النساء والرجال هو تحقير للمرأة وانتهاك لحرياتها إلى ما هنالك من صرخات الغضب الهستيري التي تنتاب البعض أحيانًا علمًا أن أحدًا لا يجبر النساء على ارتياد الواجهات النسائية، وأحدًا لم يمنعهنّ من تشكيل واجهتهن الخاصة.
بالمحكية اللبنانية التي وردت مكتوبة في الڤيديو المذكور، يعتبر واضعه أن فارقًا كبيرًا سيتشكّل ما إن تقوم المنصّات التجارية التي تستهدف المرأة بمخاطبتها بالمؤنّث، وكونه لا يفصح عن طبيعة هذا الفرق، ليس لنا إلّا أن نقول بالمحكية ذاتها مثلًا لطيفًا: “حارتنا ضيقة ومنعرف بعض”، على سبيل تذكير هؤلاء أن الحملات الترويجية التي تسطّح وتسخّف المرأة وقضاياها ودورها مكشوفة الأهداف والمصادر، وهنا حديث يطول.. إلى حينه، “يجعلها أكبر المصايب”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.