يُطلق البعض على الأرض كنايةً «الأم»، ووفقًا للأمم المتحدة فيوم 22 أبريل (نيسان) من كل عام هو يوم عالمي للاحتفال بها، كما أن العديد من اللوحات الفنية تجسدها على شكل امرأة تمد البشر بالحياة وموارد الطبيعة، وأثبتت الدراسات العلمية أن العناصر التي تشكل جسد الإنسان، تتشابه مع العناصر التي تشكل كوكب الأرض، وهذا يجعلنا نسأل: إلى أي مدى الإنسان وكوكب الأرض بينهما تواصل حقيقي، وليس مجرد تواصل مجازي أو شعري يهدف إلى بث روح الانتماء للكوكب بغرض الحفاظ عليه وعدم تلويثه؟
في هذا التقرير نجيبك عن هذا السؤال من خلال تعريفك بما يطلق عليه «دقات قلب كوكب الأرض»، ومدى تأثيرها في الإنسان!
ما هي «دقات قلب» كوكب الأرض؟
في المكان الذي تعيش فيه، قد لا ترى ومضات البرق إلا على فترات متباعدة، خاصة وإن كنت تعيش في بلد عربي، ولكن بالنسبة لكوكب الأرض كاملًا، فإن ومضات البرق تزوره حوالي 50 مرة في الثانية، وتلك الومضات المستمرة تترك تأثيرًا مهمًا في كوكب الأرض، فهي تتسبب في خلق موجات كهرومغناطيسية منخفضة التردد تحيط بكوكب الأرض كاملًا، وتلك الموجات يُطلق عليها العلماء اسم «Schumann Resonances» أو «رنين شومان».
استطاع البشر قياس تلك الموجات للمرة الأولى في أوائل الستينيات، ووجدوا أن لها ترددًا قاعدته تقاس بـ7.83 هرتز، وهذا التردد يطلق عليه العلماء اسم «نبضات قلب الأرض» بالإضافة إلى اسم «رنين شومان»، وهذا لأنه بالأجهزة الحديثة يمكن أن يرى الإنسان بعينه تلك الترددات أو النبضات وهي ترسم مؤشرات تشبه مؤشرات نبضات قلب الإنسان على جهاز رسم القلب.
تلك الموجات الكهرومغناطيسية التي تخلفها ومضات البرق، تظل عالقة في الجزء السفلي من الغلاف الجوي للأرض، ويلتقطها الأيونوسفير أو الغلاف الأيوني للأرض وهو طبقة من الغلاف الجوي للأرض، يمتد على ارتفاع 75- 1000 كيلومتر فقط فوق الأرض، وبسبب هذا القٌرب في المسافة، يكون له تأثير في كوكب الأرض وموجوداته.
تعد طبقة الأيونوسفير هي حلقة الوصل بين الأرض ونبضات قلبها، وعندما نتحدث عن الأيونوسفير يعد الحديث عن شدة الإشعاع الشمسي أمرًا حتميًّا، فكلما كانت أشعة الشمس قوية كلما كانت تلك الطبقة من الغلاف الجوي أكثر سُمكًا، ولذلك في الليل يكون الأيونوسفير رقيقًا للغاية، بينما في فترات النهار وفي الأماكن المشمسة من كوكب الأرض مثل آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية تكون طبقة الأيونوسفير أكثر سُمكًا، ولأن الأيونوسفير يلتقط الموجات الكهرومغناطيسية لرنين شومان، فكلما كان أكثر سمكا كانت نبضات قلب الأرض أقوى في تلك المناطق.
ويعد ذلك التردد (7.83 هرتز) ترددًا ثابتًا لنبضات قلب الأرض، ولكنه يتأثر بالعديد من المتغيرات مثل أشعة الشمس، ومن خلال التغيرات التي تطرأ على هذا التردد؛ استطاع العلماء لسنوات طويلة دراسة الكثير عن الطقس والتغيرات المناخية، فهل لـ«نبضات قلب» الأرض تأثيرًا في الإنسان؟
«قلب الأم».. تعرف كيف يتأثر البشر بنبضات قلب الأرض
بين عامي 1954 و1960 ومن خلال دراسة علمية كان غرضها رصد أوجه التشابه الملحوظة بين «رنين شومان» – أو نبضات قلب الأرض- ونشاط الدماغ البشري، وصف العلماء القائمون على دراسة الظاهرة أنهما يشتركان في المقادير نفسها المكونة لهما، والمقصود بالمقادير هنا الشحنات الكهربائية، والمجال المغناطيسي.
وفي عام 2006 نُشرت دراسة تشير إلى وجود تزامن قوي بين التغيرات التي تطرأ على نبضات قلب الأرض، ونشاط الدماغ البشري، وأثبتوا هذا من خلال تنفيذ 238 قياسًا على 184 فردًا خلال حوالي خمس سنوات، وأكدت نتائج تلك القياسات لمخ المشاركين في الدراسة ونبضات قلب الأرض أن أوجه التشابه بين الاثنين متماثلة بشكل «غير متوقع».
على سبيل المثال، ومن خلال تحليل أكثر تفصيلًا نشر عام 2016؛ أثبت العلماء أن نشاط الفص الصدغي الخلفي (الأيمن والأيسر) لمخ الإنسان يكون أكثر تماسكًا في أدائه عندما تكون تردد نبضات قلب الأرض عند 7.81 هرتز وهو أقرب تردد للتردد الثابت الطبيعي لنبضات قلب الأرض.
والفص الصدغي لدى الإنسان هو المسؤول عن الاحتفاظ بالذكريات البصرية، ومعالجة المدخلات الحسية، وفهم اللغة، وتخزين الذكريات الجديدة، والمشاعر، والمعاني المستنبطة، بمعنى أن الإنسان يكون في أفضل حالاته عامة عندما تكون الأرض ونبضات قلبها في أفضل حالاتها أيضًا، ما يعني أيضًا أن التغير في تلك النبضات يؤدي إلى تغير السلوك البشري.
«بين التنويم المغناطيسي والسرطان»
ولم تتوقف الدراسات عند هذا الحد، فتلك النتائج أثارت فضول العلماء والأطباء عن مدى تأثير تلك الموجات الناتجة من نبضات قلب كوكب الأرض على الإنسان ومخه وجسده بشكل عام، وفي عام 2019 نشرت دراسة تحت عنوان «تأثيرات المجالات الكهرومغناطيسية منخفضة التردد على الخلايا السرطانية» وفي الدراسة استخدم تردد 7.83 هرتز – نبض كوكب الأرض – مجالًا كهرومغناطيسيًّا منخفض التردد، والذي أثبت من خلال تلك الدراسة أنه قادر على تثبيط نشاط بعض الخلايا السرطانية في جسم الإنسان بنسبة 17%.
تأثير نبضات قلب كوكب الأرض في البشر يمتد حتى الجهاز العصبي، ولذلك قد تجد على موقع «يوتيوب» العديد من المقاطع التي تحتوي على هذا التردد بمعدله الطبيعي أو المثالي بغرض الاسترخاء أو التنويم المغناطيسي، وهو الأمر الذي لا يعد بعيدًا عن الحقائق العلمية، ففي عام 2017 نشرت دراسة تحت عنوان «تزامن إيقاعات الجهاز العصبي اللاإرادي البشري مع النشاط الجيومغناطيسي»، ورصدت تلك الدراسة علاقة قوية بين رنين شومان أو نبضات قلب الأرض، والجهاز العصبي للإنسان.
كل تلك الحقائق تجعلنا ندرك أننا كبشر تشريحيًّا ونفسيًّا وعصبيًّا مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بنبضات قلب الأرض، وكلما كانت تلك النبضات في أفضل تردد لها، كانت صحة البشر أفضل في بعض جوانبها، والسؤال الآن، ما الوضع الحالي لنبضات قلب الأرض؟ ماذا لو وضعنا كوكبنا الأم على جهاز رسم القلب لنكتشف الحالة التي وصل لها بعد أن عشنا فوقه ملايين السنين؟ الإجابة ربما لا تنال إعجابك.
التغير المناخي ونبضات قلب الأرض
تحدث العلم كثيرًا عن التأثير الذي تسبب فيه البشر فيما يخص التغير المناخي، وأكد العلماء أن هذا التأثير قوي وعميق، وقد طال بالفعل الغلاف الجوي للأرض وشكل الفصول الموسمية التي تعودنا عليها، وبسبب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والطقس شديد الحرارة أصبحت نبضات قلب الأرض أقوى، بمعنى أسرع إذا شبهناها بنبضات قلب الإنسان ليكون المثال واضحًا، فلك أن تتخيل أن الأرض حرفيًّا «تلهث» الآن محاولة التقاط أنفاسها بسبب التغير المناخي، والذي يخرج نبضات الأرض من ترددها المثالي وهو 7.83.
وكما ذكرنا من قبل أن نبضات قلب الأرض تتأثر طرديًّا بأشعة الشمس والحرارة الشديدة، وقد وجد الباحثون أن في فصل الصيف إذ ترتفع درجات حرارتها بسرعة أكبر من المواسم الأخرى مع ارتفاع درجة حرارة الأرض الإجمالية، تصبح ضربات قلب الأرض غير منتظمة في فترات الصيف، ما يؤثر – وفقًا للدراسات السابق ذكرها- في الإنسان.
العلاقة بين الأرض والإنسان علاقة تدور في دائرة مغلقة، فالسلوك البشري يؤثر في نبضات كوكب الأرض، ونبضات كوكب الأرض تؤثر في السلوك البشري ومخ البشر وجهازه العصبي، والذي يؤثر بدوره في إداركه للعالم من حوله وسلوكه الاجتماعي والبيئي والذي يؤثر بدوره في نبضات قلب كوكب الأرض؛ ويمكن أن نكرر هذا النمط للأبد.
ربما دعوات الحفاظ على البيئة بعد إدراكنا لتلك الحقائق؛ قد تصبح أكثر أهمية من وجهة نظرنا، فتأثرنا بالتغير المناخي أكبر من أن نحتمي منه في منازلنا تحت طقس أجهزة تكييف الهواء الحديثة، فهذا التغير يؤثر وقتيًّا في أداء خلايا مخنا وجهازنا العصبي.
ساسة بوست
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.