“خلّي عينك” على التنميط والسوقيّة…

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

حين ييأس الوضيع من إمكانية استدراج الناس إلى مستنقعه، يلجأ إلى استفزازهم بسبّ أعراضهم، ظنًّا منه أنّه بذلك سيتمكّن من تلويث بياضهم بأسود حقارته. لكنّ الوضيع غبيّ بفطرته، لا يجيد تقدير المواقف ولا حسابات “خطّ الرجعة”، ولا سيّما إذا كان مأمورًا لا يملك شرف القرار، يدفعه المشغّل إلى عمق المياه الآسنة في كلّ مرّة أكثر، وكي لا “يحطها واطية” أو تنكشف الخيوط التي تحرّكه، يندفع مع حركات بهلوانية وأصوات توحي بالبهجة كي يوهم المشاهدين أنّه يتفنّن في السقوط ويستمتع. كذا حال بعض اعلاميي ومؤدّي الأدوار الساخرة في لبنان.

في أعرافنا المحترمة نحن أهل الشرق، لا يذكر أحد أعراض النّاس بسوء، ليس فقط تحسّبًا للعواقب التي تختلف بحسب العادات والتقاليد المتبّعة في كلّ منطقة وفي كلّ جماعة وإنّما بشكل رئيسي لأن من يستسهل الإساءة إلى الأعراض يقرّ عمليًا بأنّه غير ذي حمية على عرضه.

بالأمس، وبعد أن شعر القيّمون على الجديد أن نسبة تداول تفاهاتهم قد انخفضت، وأنّ القنوات المنافسة في التبعية للمعلف نفسه قد تفوقّت عليهم ونالت حظوة واستحسان مدير المعلف، رموا بداليا أحمد وجوانا كركي -الأولى مذيعة أخبار ارتأت أن تدخل عالم البرامج الساخرة من النوعية الرديئة والثانية مؤدية عُرفت بتقليد الشخصيات المغمورة عسى تجد إلى الشهرة بابًا، والاثنتان وافقتا بكامل حساباتهما المهنية على أن تتحولا إلى أدوات ناطقة، مبرمجة على التنميط والإساءة، باسم الكوميديا- رموا بهما في ميدان التعرّض لأعراض الجنوبيين خصوصًا على سبيل استفزاز البيئة “الشيعية” عمومًا.

ما علينا، بثّت الجديد ضمن أحد برامجها إساءة مشهودة لم يتم تبطينها بشكل جيّد بداعي الاستعجال ومع سبق الإصرار والترصّد: اتهمت على سبيل “النكتة” أنساب الجنوبيين بالاختلاط مع جنسيات كلّ أجنبي مرّ. ويُشهد للمؤديّة نجاحها في تقديم النموذج الأكثر سوقية خلال أدائها لهذا المقطع، ما يعني أنّها عاشت الدور وتماهت معه ربّما بسبب الشبه الكبير بينه وبين حقيقتها. بالمحصّلة، بكلّ سوقية وسفالة ممكنة، شكّكت تلك بأعراض الجنوبيات بهدف ظاهر هو الإضحاك وحريّة التعبير عن التفاهة، وبأهداف مستترة قد لا يكون أسوأها الاستفزاز المقصود أو تعليمات المشغّل.

بداية، نساء جبل عامل لسن بحاجة إلى شهادة بشرفهنّ من مخلوق، فهنّ في هذا المجال أعلى وأنقى من أن يطالهنّ كلام سافل أو تطاول وضيع. إذًا مشكلتنا ليست في اثبات أو نفي تهمة تمسّ بأعراضنا، مشكلتنا هي حصرًا في جرأة التطاول عليها وغياب أي تأديب مسلكي مهنيّ ورسمي يلجم هذه الأفواه الجائعة إلى الشهرة والمأمورة بالتهجّم، وإن مقيّدة بحبل إلى بوابة السفارة وأيدي الممولين.

من ناحية أخرى، “الكاراكتير” الذي تقدمه جوانا وهو تنميطيّ للسيدة الجنوبية يفتقد إلى الحدّ الأدنى من المصداقية والإبداع. فلا قياس ولا مقارنة بينه وبين ذلك الذي قدمته ميراي بانوسيان تحت اسم ام طعّان، والسبب هو أن صناعة الكاراكتير الثاني تمّت في معمل فنّي ابداعيّ رصين يحترم الجمهور. أما الأول فقد صُنع ليسيء فقط، وليستفز شريحة كبيرة من الناس فقط لأنّهم يعادون ربّ مالك القناة التي أوجدته.

قد يقول قائل أنه كان على الناس بالأمس أن تتجاهل ما ورد على الجديد من سفالة تهين القائل بها فقط، وأن التفاعل ولو استنكارًا يرفع من “رايتنغ” برنامج سخيف، إلّا أنّ إمكانية السكوت عن إهانة مشابهة هو أمر صعب بالنسبة للناس الذين صانوا شرفهم وأعراضهم وأخلاقهم بالدم العزيز وبالأثمان الأقسى والأصعب، فيعزّ عليهم أن يتحدث عنها أحد بهذا الأسلوب المقزّز.

ما ارتكبته شاشة خياط السفارات بالأمس كان انتهاكًا صريحًا وواضحًا لقدسية سمعة نساء عامل بشكل خاص. هل كان مقصودًا؟ بالطبع. هل ينمّ عن جهل مرتكبه بقواعد احترام الجمهور وبقواعد صناعة الكوميديا؟ لا، ليس جهلًا، بل تجاهل من أجل أهداف أخرى، قد تكون أكثر حقارة بعد من الحديث في أعراض الناس.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد