شيطنة حزب الله لطالما كانت مصدر دخل يومي للكثير من الأقلام المأجورة التي سعت دومًا إلى تحريف الحقائق وصناعة الوهم لدى المتلقي، تارةً عبر إشكاليات يطرحها هؤلاء في كتاباتهم، أو من خلال صناعة الوهم والتأثير على العقل اللا واعي لدى العامة من أولئك الذين يسمعون ويقرأون يوميًا مقولات من قبيل “خطر حزب الله”، “وكيل إيران ذات المصالح الطائفية”، “دولة داخل الدولة”… وذلك يتم عبر إنتاج كذبة ما وربطها بحزب الله التنظيم القيَمي لإنزاله من أعلى قيمه، وتظهيره للناس على أنّه تنظيم بوجهين ولسانين، وليس على العاميّ أمام هذه الكذبة إلّا ربطها بالمدخلات التي خزّنها في اللاوعي لديه، ليثبت لديه أنّه فعلًا، هذا الحزب هو المشكلة وبالتخلّص منه تكمن الحلول الجذرية للبنان!
مشكلة لبنان.. حزب الله
يرجع هؤلاء مشاكل لبنان برمّتها إلى وجود حزب الله فيه، والذي يمثّل الأخير فيه دولة داخل دولة بحسب زعمهم. ويرون أنّ المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي حصلت مؤخّرًا في لبنان ما هيَ إلّا نتيجة وجود هذا التنظيم، فلا حل بلا استئصاله، ونفس أولئك لطالما رحّبوا بأي عقوبة يفرضها الأميركي ضد أي جهة تتعامل مع حزب الله ولو كان الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، بلا نظر أنّ ذلك فيه تدخّل صريح بالشؤون اللبنانية الداخلية. ولكن في الحقيقة مشكلة هؤلاء ليست في كون حزب الله هو مشكلة لبنان، بل في كونه مشكلة الولايات المتحدة الأميركية وحجر عثرة في طريق تحقيق مصالحها في المنطقة، فهو الممانع الوحيد أمام مشروعها وهو الذي أسقط “الشرق الأوسط الجديد” في عام 2006م.
يظهر من كل هذا التضليل والحرب الدعائية التي يشنها فريق يعمل بمهمّة واضحة، أنّ الهدف هو الإطاحة بهذا التنظيم، أو على أقل تقدير التقليص من دوره ونفوذه، وهذا ما سعوا إليه من خلال الحملة التي سبقت الانتخابات النيابية الأخيرة، والتي ربطوا فيها مشكلة لبنان وأزمته على مدار 30 عامًا بحزب الله وحلفائه، وأنّه لا بدّ من إجراء التغيير بإدخال مرشحي المجتمع المدني إلى ساحة البرلمان، وإفقاد الحزب الأكثرية التي تمتّع بها قبل الأزمة.
لم تكتف تلك الأقلام بذلك بل ذهبت إلى تزوير الحقائق باتهام الحزب بأنه المسؤول عن انفجار المرفأ، وأنّه وقف أمام التحقيقات، رغم نفي الحزب لذلك في أكثر من مرّة، ومن هذه الحادثة وغيرها دعوا وجدّدوا دعوتهم لإزالة السلاح وتكرار وصفه بغير الشرعي، بل ذهب أحدهم إلى اعتبار صواريخ الحزب تهدّد أمن الكيان! متجاهلًا أنّ تلك الصواريخ صُنعت على خلفية التهديد الدائم من قبل الكيان المؤقّت منذ تأسيسه المشؤوم.
هؤلاء الذين يدعون لإخراج حزب الله من لبنان بدعوى كونه حزبًا يتبع للخارج، وحزبًا غير جماهيري، مهملين بذلك إنجازات الحزب تجاه لبنان وتنازله لأجل لبنان وسعيه الدائم للتوافق ونبذ الخلافات، كما أهملوا أرقامه المتفوّقة في الانتخابات والتجمّعات الجماهيرية الكبيرة التي تعبّر عن مدى شعبيّته، هم أنفسهم من يدعون ويشجّعون على التدخّل الأميركي في لبنان من باب الصداقة! رغم كون السياسة الأميركية قائمة دومًا على المصالح الأميركية حصرًا، فلا لبنان ولا غيره يعنيها أصلًا.
في الخلاصة، هذه الأبواق، إذا ما تمّ مطابقتها مع أبواق الأعداء لا سيما في الكيان المؤقّت نجد أنها ذات المقولات، تحكي عن نفس المضمون، وتظهر عين الرسالة، فحزب الله هو الطريق المسدود أمام العدوّ في الخارج والداخل، وكلاهما يسعيان لطرده، والتفوّق عليه، فلا عجب من أن تتطابق الأبواق المتكلمة باسم العدوّ -الخارجي والداخلي-، بل ذلك منطقيّ حتى.
والسؤال فيما لو لم تكن تلك الأقلام مأجورة، فلمصلحة من تتم هذه الشيطنة، التي أصبحت تطال صورة المقاومة ككل، إذ لم يعد حزب الله اليوم يمثّل دائرة محددّة من الأشخاص بل هو تيار وحالة في المجتمع العربي، خاصة بعد النصر التاريخي والإلهي في تموز 2006 والذي على خلفيته اجتاحت صور الأمين العام للحزب بيوت العرب، وأصبح الحزب وانتصاره حديث الشارع العربي.
العزف على وتر الانقسام الطائفي
في العام 2010م أدلى السفير الأميركي السابق جيفيري فيلتمان بإفادته أمام مجلس الشيوخ، والتي أكّد فيها إنفاق الولايات المتحدة الأميركية مئات الملايين داخل لبنان لغاية تشويه صورة حزب الله، والحد من النظرة الإيجابية له من قبل الشباب اللبناني. ووضع ذلك التشويه في إطار الخطر الشيعي في المنطقة. وهذا الإطار بذاته يحمل كمية كبيرة من الكذب والتضليل، فالأميركي لا يخشى الشيعة بدليل العلاقات الطيبة التي يقيمها مع الكثير من الشيعة المنتشرين في العالم خاصة أولئك المتواجدين في جمهورية آذربيجان، إنّما يخشى النموذج السياسي الذي يقدمه حزب الله وإيران وباقي حركات التحرّر بمعزل عن الانتماءات الدينية.
يرى الأميركي أنّه باللجوء إلى خلق جو من العداء بين السنّة والشيعة سيحظى بأصدقاء له من السنّة، يكونون عونًا له ضد الشيعة (حزب الله ضمنًا)، وهذا ما عمل عليه في الداخل اللبناني، فقد سعى لأن يبرز الحزب في الإعلام على أنّه يعمل للمصالح الإيرانية الشيعية، وأنّه يأتمر بأوامر الرمز الديني الشيعي الأوّل والذي هو نفسه قائد الدولة الإيرانية.
حزب الله منظمة إرهابية
في العام 2016م جاء قرار جامعة الدول العربية بتصنيف واعتبار حزب الله منظمة إرهابية. وقد صرّح بذلك أحمد بن حلي نائب الأمين العام للجامعة حينها قائلًا إنّ القرار قد أتى في سياق الضغوطات الأميركية والإسرائيلية من أجل إتمام عملية السلام العربية مع إسرائيل.
وهذا الأمر قد انعكس على الداخل اللبناني الذي بات يتأثّر بمثل هذه التصنيفات، خاصة أنّها تترافق مع كم هائل من الدعاية كتغطية قنوات عربية مثلًا لأدوار حزب الله “الاغتيالية” للبنان حسب قولهم، ودوره الجسيم في الأزمة السورية واعتباره عنصرًا مؤثّرًا فيها وفي تفاقمها، بل واعتباره أساسًا في أزمة لبنان الداخلية؛ ففي أحد البرامج التي تُعنى بالقضايا الخليجية طُرح عنوان “أمثل لبنان يجوع؟” وربط هذا العنوان بالحزب الحاكم بحسب زعم البرنامج وهو حزب الله “المتحكم بقرار لبنان والذي يحتلّه بقوّة السلاح المصادر لقرار الدولة”.
يأتي كل ذلك في الإطار الذي تستفيد منه الولايات المتحدة الأميركية، فهي المستفيد الأوّل من هذه الشيطنة، وهي التي تسعى لتكريسها في العقل اللا واعي لدى سكّان هذه المنطقة، أوّلًا لتبرّر موقفها العدائي تجاه الحزب وتصنع رأيًا عامًا موافقًا لها في ذلك، وثانيًا لترفع من نسبة الانشغالات الداخلية للحزب الأمر الذي يحدّ من فعاليته وتطوره.
في الختام، فإنّ شيطنة حزب الله هي هجمة إعلامية ممنهجة، وهي علنية وواضحة وجليّة، تقودها أميركا، بوسائل إعلامية مختلفة. والسؤال هل نجح هؤلاء في تشويه صورة الحزب وشيطنته؟ وكما عبّر رئيس التيار الوطنيّ الحر جبران باسيل عن هذه السياسة الإعلامية قائلًا: “شيطنة حزب الله هي وصفة مضادة للوحدة الوطنية” في لبنان، فكذلك هي وصفة مضادة لتوحيد جهود العرب ضد “إسرائيل”، وعلى ذلك فقس.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.